( عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ اليقِينُ )
قال هشام بن الكلبي: كان من حديثه أن حُصَيْن بن عَمْرو بن مُعَاوية بن كِلاب، خرج ومعه رجل من جُهَينة يقال له: الأخْنَس بن كعب، وكان الأخنس قد أَحدثَ في قومه حَدَثاً، فخرج هارباً، فلقيه الْحُصَيْنُ فقال له: مَن أنت ثكلتك أمك؟ فقال له الأخنس: بل مَن أنت ثكلتك أمك، فردد هذا القول حتى قال الأخنس بن كعب، فأخبرني مَن أنت وإِلاَّ أنقذتُ قلبك بهذا السنان، فقال له الحصين: أنا الحصين ابن عمرو الكلابي، ويقال: بل هو الحصين بن سبيع الغطفاني، فقال له الأخنس: فما الذي تريد؟ قال خرجت لما يخرج له الفِتْيَانُ، قال الأخنس: وأنا خرجتُ لمثل ذلك، فقال له الحصين: هل لك أن نتعاقَدَ أن لا نلقى أحداً من عشيرتك أو عشيرتي إلا سلبناه؟ قال: نعم، فتعاقدا على ذلك وكلاهما فاتِكٌ يَحْذَر صاحبه، فلقيا رجلا فسلَباه، فقال لهما: لكما أن تردَّا على بعض ما أخذتما منى وأدلكما على مغنم؟ قالا: نعم، فقال: هذا رجل من لَخْم قد قدم من عند بعض الملوك بمغنم كثير، وهو خَلْفي في موضع كذا وكذا، فردَّا عليه بعضَ ماله وطلبا اللَّخْميَّ فوجَدَاه نازلا في ظل شجرة، وقُدَّامه طعام وشراب، فَحَيَّيَاه وحَيَّاهما، وعرض عليهما الطعام، فكره كل واحد أن ينزل قبل صاحبه فيفتك به، فنزلا جميعاً فأكلا وشربا مع اللخميُّ يتشحَّطُ في دمه، فقال الجهني - وهو وسَلَّ سيفه لإن سيف صاحبه كان مَسلُولا: وَيْحَكَ فتكتَ برجل قد تحرَّمْنَا بطعامه وشرابه خرجْنَا، فشربا ساعةً وتحدثا، ثم إن الحصين قال: يا أخا جهينة أتدري ما صعلة وما صعل؟ قال الجهني: هذا يوم شُرْب وأكل، فسكت الحصين، حتى إذا ظن أن الجهنى قد نسى ما يُرَاد به، قال: يا أخا جهينة، هل أنت للطير زاجر؟ قال: وما ذاك؟ قال: ما تقول هذه العُقَاب الكاسر، قال الجهني: وأين تراها؟ قال: هي ذه، وتطاوَلَ ورفع رأسه إلى السماء، فوضع الجهني بادرةَ السيف في نَحْره، فقال: أنا الزاجر والناحِرُ، واحتوى على مَتَاعه ومتاع اللخمي، وانصرف راجعاً إلى قومه، فمر ببطنين من قيس يقال لهما: مراح وأنمار، فإذا هو بامرأة تَنْشُدُ الحصينَ ابن سبيع، فقال لهما، من أنت؟ قالت أنا صخرة امرأة الحصين، قال أنا قتلته، فقالت: كذبت ما مِثْلُك يقتل مثله، أما لو لم يكن الحي خلواً ما تكلمتَ بهذا، فانصرف إلى قومه فأصلحَ أمرهم ثم جاءهم، فوقف حيث يسمعهم، وقال:
وكم من ضَيْغم وَْردٍ هَمُوسٍ=أبي شِبْلَيْن مَسْكَنُهُ العَرِينُ
عَلَوْتُ بًيَاضَ مَفْرِقِهِ بِعَضْبٍ=فأضْحى في الفَلاة له سُكونُ
وَضْحَتْ عِرْسُه ولَهاَ عليه=عَيْدَ هُدُوءٍ ليلتها رَنِينُ
وكَمْ من فارسٍ لا تَزْدَرِيهِ=إذا شَخَصَتْ لموقِعِهِ العُيُونُ
كصخرة إذا تسائل في مَرَاجٍ=وأنْمَارٍ وعلمهُما ظُنُونُ
تُسَائِلَ عن حُصَيْنٍ كُلَّ رَكْبٍ=وعنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ اليَقِنُ
فَمَنْ يَكُ سائلاً عَنْهُ فَعِنْدِى=لِصَاحِبِهِ البَيَانُ المُسْتَبِينُ
جُهَيْنَةُ مَعْشَرِي وَهُمُ مُلوُك=إذَا طَلَبُوا المَعَالِيَ لم يَهوُنُوا
قال الأصمعي وابن الأعرابي: وكان عنده خبر رجل مقتول، وفيه يقول الشاعر:
تسائل عن أبيها كل ركب=وعند جُفَيْنةَ الخبَرُ اليقنُ
********
( مِنْكَ أنْفُكَ وإن كان أجْدَعَ )
يضرب لمن يلزمك خيره وشره وإن كان ليس بمُستحكم القرب.
وأول مَنْ قَالَ ذلك قُنفُذُ بن جَعْوَنَةَ المازنى للربيع بن كعب المازني، وذلك أن الربيع دفَعَ فرساً كان قد أبرَّ على الخيل كرماً وجودة إلى أخيه كَمِيشٍ ليأتي به أهله، وكان كَمِيش أنْوَكَ مشهوراً بالحمق، وقد كان رجل من بني مالك يُقَال له قُرَاد بن جَرْم قدم على أصحاب الفرس ليصيب منهم غِرَّةً فيأخذها، وكان داهية، فمكث فيهم مقيماً لا يعرفون نسبه ولاَ يُظْهِرِه هو، فلما نظر إلى كَمِيش راكباً الفرسَ ركب ناقته، ثم عارضه فَقَالَ: ياكَمِيشُ هل لك في عَانَةٍ أرَ مثلَها سمنا ولاَ عظما وعيرٍ معها من ذهب؟ فأما الأتُن فتروج بها إلى أهلك فتملأ قدورهم، وتفرح صدورهم، وأما العِيرُ فلاَ افتقارَ بعده، قَالَ له كميش: وكيف لنا به؟ قَالَ: أنا لك به، وليس يدرك إلاَ على فرسك هذا، ولاَ يرى إلاَ بليل، ولاَ يراه غيري، قَالَ كَمِيش: فدونَكَه، قَالَ: نعم، وأمْسِكْ أنت راحلتي، فركب قُرَاد الفرسَ وقَالَ: انتظرني في هذا المكان إلى هذه الساعة من غدٍ، قَالَ: نعم، ومضى قُرَاد فلما توارى أنشأ يقول:
ضَيَّعْتَ فِي العيرِ ضَلاَلاً مُهْرَكَا=لِتُطْعِمَ الحىَّ جَمِيعاً عَيْرَكَا
فَسَوْفَ تأتِى بالهَوَانِ أهْلَكَا=وَقَبْلَ هذا مَا خَدَعْتُ الأنْوَكَا
فلم يزل كَمِيشٌ ينتظره حتى أمسى من غده وجاع، فلما لمْ يَرَ له أثراً انصرف إلى أهله، وقَالَ في نفسه: إن سألن أخي عن الفرس قلت: تحوَّلَ ناقة، فلما رآه أخوه الربيعُ عرف أنه خُدِعَ عن الفرس، فَقَالَ له: أين الفرس؟ قَالَ: تحوَّل ناقة، قَالَ: فما فَعَلَ السَّرْجُ؟ قَالَ لم أذكر السرج فاطلب له عِلة، فصرعه الربيع ليقتله، فَقَالَ قنفذ بن جَعْوَنة: الْهُ عما فاتك فإن أنفَكَ منك وإن كان أجْدَعَ، فذهبت مثلاً، وقدم قُرَاد ابن جَرْم على أهله بالفرس، وقَالَ في ذلك:
رَأيْتُ كَمِيشاً نوكُهُ ليَ نَافِعٌ=وَلَمْ أرَ نوكاً قَبْلَ ذَلِكَ يَنْفَعُ
يؤمِّلُ عَيْراً مِنْ نُضَارٍ وَعَسْجَدٍ=فَهَلْ كَانَ لِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ مَطْمَعُ؟
وَقُلْتُ له: أمسِكْ قَلُوصِي وَلاَ تَرِمْ=خِدَاعاً له إذ ذُو المَكَايد يَخْدَعُ
فأصْبَحَ يَرْمِي الخافقينِ بِطَرْفِهِ=وَأصْبَحَ تَحْتِى ذُو أفَانِينَ جُرْشُعُ
أبرَّ عَلَى الجُرْدِ العَنَاجيح كلها=فَلَيْسَ وَلَوْ أقحَمْتَهُ الوَعْرَ يَكْسَعُ
********
( إِيَّاكِ أعْنِي وَأسْمَعِي يَا جَارَهْ. )
أول من قال ذلك سَهْل بن مالك الفَزَاري، وذلك أنه خرج يريد النعمان، فمر ببعض أحياء طيء، فسأل عن سيد الحي، فقيل له: حارثة بن لأم، فأمَّ رَحْلَه فلم يُصِبْه شاهدا فقالت له أخته: انْزِلْ في الرَّحْب والسَّعَة، فنزل فأكرمته ولاطفته، ثم خرجت من خِبائها فرأى أجْمَلَ أهل دهرها وأكملهم، وكانت عَقِيلَةَ قومِها وسيدة نسائها، فرقع في نفسه منها شيء، فجعل لا يَدْرِي كيف يرسل إليها ولا ما يوافقها من ذلك، فجلس بِفناء الخِباء يوماً وهي تسمع كلامه، فجعل ينشد ويقول:
يَا أخْتَ خَيْرِ الْبَدْوِ وَالْحَضَارَهْ=كَيْفَ تَرَيْنَ فِي فَتَى فَزَارَهْ
أصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَهْ=إيَّاكِ أعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهْ
فلما سمعت قوله عرفت أنه إياها يعني، فقالت: ماذا بِقَوْلِ ذي عقل أريب، ولا رأيٍ مصيب، ولا أنف نجيب، فأقِمْ ما أقَمْتَ مكرَّما ثم ارْتَحِلْ متى شئت مسلماً، ويقال أجابته نظماً فقالت:
إنِّي أقُولُ يَا فَتَى فَزَارَهْ=لاَ أبْتَغِي الزَّوْجَ وَلاَ الدَّعَارَهْ
وَلاَ فِرَاقَ أَهْلِ هذِي الْجَارَهْ=فَارْحَلْ إلىَ أهْلِكَ بِاسْتِخَارَهْ
فاسْتَحْيا لفتى وقال: ما أردتُ منكرا واسوأتاه، قالت: صدقْتَ، فكأنها اسْتَحْيَتْ من تسرُّعها إلى تُهمَته، فارتحل، فأتى النعمان فَحَبَاه وأكرمه، فلما رجع نزل على أخيها، فبينا هو مقيم عندهم تطلَّعت إليه نفسُها، وكان جميلا، فأرسلت إليه أنِ اخْطُبني إن كان لك إليَّ حاجة يوما من الدهر فإني سريعة إلى ما تريد، فخطبها وتزوجها وسار بها إلى قومه.
يضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئاً غيره.
=======
وأعذرونا إذا قد تقع أخطاء من التسرع ،،،، أخـــــــــوكم ،،،
- ليت يكون هناك قسم ثابت لهذه المواضيع . |