السبت 12/3/1428هـ
توفي الشاعر صياف بن عواد السحيمي الحربي بعد صراع طويل مع المرض لتطوى بذلك صفحة شاعر ملأ الساحة الشعبية شهرة وحضورا ونقش اسمه في ذاكرة الأدب الشعبي، وترك بصماته واضحة في الساحة الشعبية ليظل اسم (صياف الحربي) خالدا في سجل شعراء المحاورة إلى ان يشاء الله.
ولد الشاعر صياف الحربي في حدود سنة 1360هـ في وادي النقيع في ديار قبيلته عوف جنوبي المدينة المنورة بحوالى 80 كيلا ونشأ يتيما لم ينعم بحنان الأم، فرعاه والده الذي يعيش حياة الصحراء متنقلا بين القرية وبين البادية فنشأ كادحا يعمل مع والده في الزراعة الموسمية (البعل) تارة، وفي رعي الابل والغنم تارة.. لكنه لا ينفصل عن مجالس الكبار إذا حل المساء واجتمع القوم للمسامرة وتبادل الأخبار والاشعار، ولم يكن عنده ما يصرفه عن ذلك في تلك البيئة الاجتماعية البسيطة الخالية من التعقيدات والملهيات ومجالات الترفيه الأخرى.
كان الشعر هو سيد مجالس المسامرات، وكان له مكانة كبيرة في بادية الحجاز، فوجد الشعر قلب ذلك الصبي خاليا فتمكن منه، وساعد على ذلك ان والده كان راويا للشعر وصاحب صوت شجي، فتأثر الفتى بانشاد والده، وبدأ يحفظ الشعر، ويلقيه، ومن شابه أباه فما ظلم.. وشيئا فشيئا أخذ نجم ذلك الشاب يلمع كشاعر محاورة لكنه لم يتجاوز وسطه الاجتماعي المحدود في البداية.
وعندما التحق بالعمل العسكري في قطاع الحرس الوطني عام 1284هـ اتسع أمامه الأفق، وزاد احتكاكه بعدد من عمالقة شعر المحاورة فازدادت خبرته وغلظ عوده.. لكن شاعريته الحقيقية تجلت عندما انتقل عمله إلى جدة، واستقر به المقام هناك سنة 1489هـ، فعندها دخل حلبات المحاورة، تلك الحلبات القوية التي تتميز باقطاب شعر المحاورة في المنطقة الغربية كعبدالله المسعودي، وأبو ناب الزبيدي، وجار الله السواط، ومطلق الثبيتي، ومحمد بن تويم.. وغيرهم.
ثم ما لبث ان أصبح أحد أعمدة المحاورة ليس في المنطقة الغربية فحسب بل في الجزيرة العربية باكملها.. ومما زادني نجومية الشاعر صياف الحربي تميز شعره بسلاسة العبارة وقوة المعنى، وغزارة الشاعرية، والقدرة على السيطرة والأخذ بزمام المبادرة، وسرعة الرد بلا تكلف ولا ضعف في المعنى أو العبارة، مع هدوئه في الميدان، ودماثة خلقه خارج الملعبة.
كل هذه الخصائص التي يحتاجها شاعر المحاورة جعلت أسلوب صياف مقبولا وشخصيته محترمة واعطته تلك الخصائص الثقة التي أثرت منهجه الشعري، فلم يكن ميالا إلى الاسفاف والابتذال، ولم يكن سريع الغضب والانفعال، فكانت معانيه قوية، وعباراته راقية، وردوده رصينة.
لقد عرفت صياف منذ بزوغ نجمه كشاعر موهوب في منتصف التسعينيات الهجرية من القرن الماضي، وكان لمحاوراته جاذبية تكسبه تفاعل الجماهير، لتمكنه ولجمال أسلوبه.
ثم رأيته في بداية مهرجانات الجنادرية، ثم زرته في منزله بجدة عام 1410هـ ثم تكررت مقابلاتي له، وبعد ان انتقل إلى المدينة المنورة واستقر بها بعد عام 1416هـ زرته عدة مرات أثناء قبامي بالتعاون مع الأخ حمود القصيري بجمع محاوراته وطباعة ديوانية، فتعرفت على صياف الإنسان، الذي وجدته إنسانا بسيطا يتمتع بشفافية صادقةن ويملك قلبا أبيضا، لم اسمعه مرة يقدح في أحد من منافسيه، ولم أجده متذمرا أو متشكيا، كما يفعل الكثير من الشعراء، بل كانت تلازمه الابتسامة، ولا يحس جليسه بالملل، يتميز بدماثة الخلق ولين العريكة، وحسن الطوية.
عرضت عليه جمع محاوراته وطباعة ديوانه فلم يعارض، ولم يتردد، ولم يسأل عن الحقوق الأدبية أو المالية لا قبل الطباعة ولا بعد صدور الديوان.. لم يخرج الديوان بالشكل الذي كان يتطلع إليه لا كما ولا كيفا، ومع ذلك لم يتذمر، ولم اسمع منه كلمة انتقاد أو عتاب.
هذه لمحات سريعة، وخطرات سانحة اكتبها والألم يعتصرني بفقد هذا الشاعر الذي ستفقده ساحة شعر المحاورة كما يفتقد البدر في الليلة الظلماء.
أسأل الله الغفور الرحيم ان يغفر ذنوبه، وان يعفو عنا وعنه، وان جعل ما أصابه من الأمراض والاسقام تطهيرا له ورفعة في درجاته وان يعوضه خيرا مما فقد، ويلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان انه جواد كريم.