![]() |
![]() |
![]() |
روائع شعريه |
روائع الكسرات |
![]() |
|
![]() |
||||||||
![]() |
|
![]() |
||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
![]() |
|
![]() |
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#71 |
![]() يان المراد بـ(الآية)
قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27] والآيات تُطلق على القرآن، وتطلق على المعجزات، والله جل وعلا سمى في كتابه ما أفاءه على الرسل من معجزات آيات، كقوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً، والآية تأتي بمعنى العبرة، كقوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [النازعات:26]، وفي آية أخرى أخبر بأنها آية، أي: عبرة للناس، وتأتي بمعنى المعجزة، فقول: (معجزات الرسل) اصطلاح ذكره أهل التاريخ والسير والمحدثين بعد عصر النبوة، أما في القرآن فلا يطلق على الآية لفظ المعجزة، بل تسمى آية، قال الله تعالى: فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ [النمل:12] أي في تسع معجزات إلى فرعون وقومه، وقال تعالى: فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى [النازعات:20] أي المعجزة الكبرى، فلغة القرآن لا تستخدم كلمة (معجزة)، بل تستخدم كلمة (آية). |
|
![]() |
![]() |
#72 |
![]() تفسير قوله تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم...)
قال تعالى: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ [الأنعام:28-30]، فوصلوا إلى مرحلة الصدق، فلما تبين لهم أن الكذب لا يُجدي لجئوا إلى الصدق، حيث يقول تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ [الأنعام:30] أي: الله جل وعلا أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ [الأنعام:30]. وهنا نحرر أن لقاء الله جل وعلا حق لا مرية فيه، والله سائل كل نفس عما صنعت، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع) وذكرها، وأهل الإشراك يقفون بين يدي ربهم، فيقرر الله جل وعلا ما كانوا يصنعونه في الدنيا، كما جاء في الآية أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا [الأنعام:30] ولا يكون الجواب لهم رحمة، بل يقول الله تعالى: فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ [الأنعام:30]، فيحرر من هذا معنى عظيم، وهو أن التوحيد أعظم المنجيات، وأن من مات على التوحيد محال خلوده في النار، ومن مات على الشرك حال دخوله الجنة، فلا ينبغي للمؤمن أن يُقدم على توحيد الله شيئاً كائناً ما كان؛ لأن أي عمل سيُحبط إن لم يكن مصحوباً بتوحيد الله جل وعلا، كما أن كل عمل لا ينفع إذا كان مقروناً بالشرك بالله، قال الله في حق أوليائه الصالحين من عباده المتقين ورسله: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] لكن كلمة التوحيد ليست متناً يُحفظ فقط، ولا شيئاً تتطاول به على الناس وترقى منبراً فتقوله، بل يجب أن يقر في قلبك أن الله جل وعلا عظيم لا رب غيره ولا إله سواه، وأنك لا يجوز لك أن تضع جبهتك لأحد غيره جل وعلا، وحين تضع جبهتك له تذكر أنك تضعها بفضل منه ورحمة، وأن الذي هداك لأن تسجد له هو الذي ترجوه أن يقبل منك هذا السجود، وكلما رأيت شيئاً في الدنيا عظيماً فتذكر أن عظمة الله أعظم، وكلما رأيت في الكون شيئاً ناقصاً دلك ذلك على كمال ربك تبارك وتعالى، واستصحاب هذا الأمر في حياة الإنسان غدواً ورواحاً، ذهاباً ومجيئاً يزيد من رقة قلبه، ويزيده علماً بربه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (أحق الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه) والإنسان لا يدري أي ساعة يكون فيها مقبولاً عند الله، فكلما انقلب على جنبه أو ركب دابته، أو مكث منفرداً بنفسه يُردد هذه الكلمة، ويحاول أن تكون ممزوجة بالإخلاص يواطئ فيها قلبه لسانه، حتى يكون ذلك مقبولاً عند الله، قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة) قال أبو ذر : وإن زنا وإن سرق؟! فقال: (وإن زنا وإن سرق)؛ لأن (لا إله إلا الله) كلمة جليلة عظيمة كريمة على الله، وكل الذي ذكره الله جل وعلا من آيات سلفت، وما سيأتي من آيات في هذا المقام في سورة الأنعام خاصة، كل ذلك ورد في قضية أن هؤلاء القوم ضُربت عليهم الذلة، وسينالون ما سينالون في الآخرة بسبب أنهم أشركوا مع الله آلهة أخرى، وقد قال تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى [الأنعام:19] فأمر الله نبيه أن يقول: قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام:19]، فيجب استصحاب الكفر بالطاغوت، وألا يقع في القلب -ولو مثقال ذرة- أن الله جل وعلا معه شريك أو له ند، وينجم عن هذا ويلزم منه استصحاب أن الله جل وعلا لا رب غيره ولا إله سواه، وهذه نفحات إيمانية يضعها الله جل وعلا في قلب من يشاء من عباده، ثم إن مضى إنسان في مسيره وفي حياته وفي مقابلته للناس غدواً ورواحاً فسيأتيه من الأحداث والوقائع والصنائع ما يُختبر فيه توحيده لربه تبارك وتعالى، فسيشفى من مرض، فهل سيشكر الله أم يظن أن هذا عائد لنجابة الطبيب؟ وسيُحرم من خير، فهل سيلجأ إلى ربه لعلمه أنه لا يقدر على إعطائه إلا الله؟ وسيرى نعمة من الله على غيره، فهل سيحسدهم ظناً أن هؤلاء الناس نالوها بقوتهم فينازعهم فيها، أم يعلم أن هناك رباً لا رب غيره ولا إله سواه يُعطي ويمنع فيغبط الناس ويلجأ إلى ربه يسأله من خيري الدنيا والآخرة؟ وسيرى ملوكاً يتوفون، ويرى دولاً تتهدم، ويرى قبور في أسفاره فيتدبر، ويعلم أن هناك رباً عظيماً جليلاً لا يحول ولا يزول، وفي ذات الوقت أنعام سيقع بعين بصيرته على أقوام أوتوا حظاً كبيراً من متاع الدنيا، فيقر في قلبه أن الله جل وعلا أخبر أن ذلك إلى فناء، وأن منتهاه إلى زوال، وأنه مهما عظم وجل في العينين فإن ما عند الله جل وعلا خير وأعظم، قال تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا [الكهف:45] فالله جل وعلا يخاطب الناس في واقعهم، ثم يقول: الْمَالُ وَالْبَنُونَ [الكهف:46] ولم يقل الله: ذلك كذب وافتراء، بل قال: زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:46]، وهذا حق لا يماري فيه أحد، ولكن الله لما أوجد عباده لعبادته قال: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46] . هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده، وأعان العلي الكبير على قوله، وصلى الله على محمد، وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
![]() |
![]() |
#73 |
![]() |
![]() |
#74 |
![]() تفسير قوله تعالى: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله...)
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فقد كنا قد انتهينا في تفسير سورة الأنعام إلى قول الله جل وعلا: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ [الأنعام:30]. ثم قال الله بعدها: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31]. إن التكذيب بلقاء الله ينجم عنه عدم استعداد للقائه، فيصاب الإنسان الكافر بالخسران؛ لأنه جاء له يوم لم يرقبه ولم يقدم له، قال الله: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24]. والآية زاخرة بالكثير من المعاني التي يمكن الإبحار فيها، ولكنها في الجملة تبين ندامة أهل الشرك يوم القيامة، وهذا ظاهر في هذه الآية وفي الآيات التي قبلها، وهو ظاهر في الآيات التي بعدها، ولهذا قد لا تحتاج إلى مزيد بيان لمعناها الإجمالي. و(قد) حرف تحقيق إذا جاء بعده الماضي اتفاقاً، ولكن الاختلاف فيما إذا جاء بعده المضارع، والصواب أن يقال: إذا كان الكلام عن الله فهي حرف تحقيق لا محالة في الماضي والمضارع، أما إذا كان عن غير الله فهي في الماضي للتحقيق وفي المضارع للظن. |
|
![]() |
![]() |
#75 |
![]() بيان المراد بالساعة
يقول تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَة [الأنعام:31]، والساعة في اللغة: الوقت القصير المعين، وتطلق على موت الإنسان نفسه، وتسمى قيامة صغرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات فقد قامت قيامته) ، وتطلق على اليوم الذي قدر الله فيه فناء الخلق، وتطلق كذلك على البعث والنشور، وهذه الأحوال الثلاثة -موت الإنسان، وفناء الناس، وبعثهم- من الغيبيات التي استأثر الله جل وعلا بها. والساعة لا تأتي إلا بغتة، قال تعالى: ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187]. يقول تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا [الأنعام:31]، أي: أهل الكفر يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا [الأنعام:31]، والحسرة: أشد الندامة. |
|
![]() |
![]() |
#76 |
![]() ذكر ما في الآية من حيث الصناعة النحوية
وسنبحر هنا إيجازاً نحوياً وبلاغياً ولغوياً بقدر الإمكان. أما من حيث الصناعة النحوية فالياء: حرف نداء، والمنادى هو الحسرة، والتقدير: يا حسرة أحضري، أو يا حسرة هذا أوانك. وهذا قول سيبويه ، وتبعه أكثر الناس عليه. والعرب في النداء يأتون بحرف نداء، وقد يحذفونه ويقدرونه، ومن أحرفهم الشهيرة: الياء و(هيا) و(أي) و(الهمزة)، ثم إن المنادى يقسمونه في إعرابه وبنائه، فيجعلون منه المفرد، ويقصدون به ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، مثل قول الله جل وعلا: يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود:48]، وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]، فهذا يسمونه منادى مفرداً، ولا يقصدون بالمفرد أنه لا ثاني له ولا جمع. ويجعلون منه المضاف، كما في الآية التي بين أيدينا: يَا حَسْرَتَنَا [الأنعام:31]، فكلمة (حسرة) مضافة إلى (نا) الدالة على الفاعلين. ويجعلون منه الشبيه بالمضاف، كقول الشاعر: أيا راكباً إما أعرضت فبلغن نداماي من نجران أن لا تلاقيا فقوله: (راكباً) نكرة غير مقصودة، ومنه قولك: يا راكباً إبلاً، أو يا طالعاً جبلاً، فهذا يسمونه شبيها بالمضاف. وإذا كانت النكرة محددة فإن النحاة يسمونها نكرة مقصودة، فيبنونها على الضم تشبيهاً لها بالمنادى المفرد، ومنه قول الله تعالى: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فبنيت على الضم؛ لأن النكرة هنا نكرة مقصودة، وهي النار التي كانت قد أعدت لإحراق إبراهيم، ولو قال الله: (يا نارً) على العموم لأطفئت حينها كل نار، ولم تنفع. فهذا بيان في علم النحو، وينبغي لطالب العلم الناظر في القرآن السائر في ركب الفقهاء أن يكون على دراية بهذه الأمور. |
|
![]() |
![]() |
#77 |
![]() .
ذكر ما في الآية من حيث الصناعة البلاغية وهنا إشكال يجيب عنه البلاغيون، وهو أنه جرى في العادة أن الذي ينادى هو الذي يعقل، ليجيبك، والحسرة لا تعقل، ومع ذلك نوديت، فلا يقبل البلاغيون أن يقولوا: إن هذا على الحقيقة، بل يقولون: نوديت على المجاز، ويسمون ذلك مجازاً مرسلاً؛ لأن الحقيقة تدل على أن غير العاقل لا ينادى، فإذا نوديت مع الاتفاق على أنها غير عاقل كان ذلك من المجاز، وقد تقتنع بأن في القرآن مجازاً، وقد لا تقتنع بأن في القرآن مجازاً، ولكن الذي يعنيني هنا أن أبين لك الرأي وأنسبه إلى قائله، أما قناعتك بهذه الآراء فهذه مسألة أخرى. فهذا من حيث الصناعة البلاغية، وقد تكلمنا على الصناعة النحوية. |
|
![]() |
![]() |
#78 |
![]() ذكر ما في الآية من حيث الصناعة اللغوية
وبقي هنا ذكر الصناعة اللغوية، فقد قلنا: إن الحسرة أشد الندامة، والندامة منها ندامة يوم، كمن خرج والنداء في بيته غداء فقال: سأمر في الطريق على زيد أو عمرو وسأتغدى عنده، فلم يجد زيداً ولا عمراًن فهذا يندم يوماً كاملاً؛ لأنه لن يتغدى إلا في اليوم التالي، فهذه ندامة يوم. وهناك ندامة عام، ويضربون لها مثلاً فيقولون: غالب الزروع لها مواسم فيها تزرع ومواسم فيها تحصد، فيزرعون في وقت معين ويحصدون في وقت معين، ولذلك تجد المزارعين يطرأ عليهم الكدح والتعب والنصب وهم يزرعون، فتكون أيام الحصاد بالنسبة لهم أيام عيد؛ لأنهم يجنون فيها ثمرة جهدهم، وهي صورة للحياة الدنيا والآخرة تماماً: أنا لست أنسى قرية السمراء في عيد الحصاد والسنبل المتجمد الشرقي يحلم بالرقاد وخطى الكماة الكادحين تروح تضرب في ... هي ذكريات لم تزل محفورة في خاطري هي ذكريات لم تزل تسقي خريف الشاعر يا واحة العمر الجديد على الطريق الساحلي أنا عائد يوماً إليك مع الربيع الزاخر في نسمة الشمس الوضيئة في النسيم العابر في لهفة خفقت بها روح المحب الذاكر فالذي لم يقدر له أن يزرع إذا جاء الناس يحصدون سيشعر بالندامة، فعليه أن ينتظر عاماً كاملاً حتى يلحق بركب الحاصدين. وهناك ندامة عمر، وهي في حق من تزوج امرأة لا تلائمه، فما يزال يشتكي منها ولا يجرؤ على طلاقها والفكاك منها، فيبقى نادماً، فهذه ثلاث ندامات وكلها هينة لينة؛ لأنها تدور في فلك التعويض، والندامة الحقيقية هي ندامة الكافر والفاسق، وإذا لقيا الله جل وعلا، وهي المقصودة بالآية: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا [الأنعام:31]، أي: يا أشد ندامتنا. والعرب قد تسمي الشيء بأشده، فأشد الجزع يسمونه هلعاً، قال الله: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، فالهلع اشد الجزع، كما أن الحسرة أشد الندامة، والحس: أشد القتل، قال الله: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [آل عمران:152]، يعني: تقتلونهم قتلاً شديداً بإذنه، والنصب: أشد التعب، قال تعالى عن موسى عليه السلام: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا [الكهف:62]. |
|
![]() |
![]() |
#79 |
![]() بيان معنى قوله تعالى (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم)
قال تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا [الأنعام:31] أي: قصرنا فيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ [الأنعام:31]، والمقصود بالأوزار الذنوب اتفاقاً، وعبر الله عنها بأنها تحمل على الظهر لأن العرب تسند كل شيء من الأفعال إلى بعض الجوارح، فالكسب يسندونه إلى اليد، كما قال تعالى: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، والحمل يسندونه إلى الظهر، ولهذا قال الله: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ [الأنعام:31]، فإذا كان مكشوفاً قيل له: حمل بكسر الحاء، وإذا كان مخفياً قيل له: حَمل بفتح الحاء، فالجنين في بطن أمه لا يرى، فيقال له: حمل؛ لأنه شيء مخفي، والرطب إذا كان في أكمامه يقال له: حمل؛ لأنه لا يرى، فإذا كان الحمل ظاهراً يقال له: (حِمل)، ومنه قوله تعالى: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ [يوسف:72]؛ لأنه شيء ظاهر على متن الدابة. |
|
![]() |
![]() |
#80 |
![]() بيان معنى قوله تعالى (ألا ساء ما يزرون)
نعود فنقول: قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31]، ويقال للوزير: (وزير)؛ لأنه يتحمل أعباء عن كاهل الملك؛ إذ لم يكن للملوك قديماً إلا وزير واحد، والله جل وعلا يقول عن موسى: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي [طه:29]، وفي الحضارة المعاصرة الوزراء، ولكن في عهد بني العباس وفي عهد العثمانيين وما قبلهم من الدول ما كان للملك إلا وزير واحد، وكما كان هارون وزيراً لموسى كان هامان وزيراً لفرعون. وهؤلاء الوزراء على النمط القديم كانوا مطلعين اطلاعاً كثيراً على شخصية الملك، وهم أعرف الناس بالملك، ولهذا جاء في المثل الدارج: (على هامان يا فرعون) يقولون: أصله أن فرعون كان يكذب على الناس فيزعم أنه إله، فكلما طلب منه أحد طلباً قال: دعني حتى أخلقه لك، دعني حتى أصنعه لك، فذات طلب هامان وزيره منه طلباً، فنسي فرعون فقال له كما يقول للعامة: انتظر حتى أخلقه لك، فقال له هامان : على هامان يا فرعون؟! يعني: هذا المنوال في الحديث لا ينفع معي؛ لأنك بالنسبة لي شخص مكشوف. وهذا يقودنا إلى قضية، وهي أن خديجة رضي الله تعالى عنها كان سبب إيمانها أنها من أعلم الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام كان الله قد اصطنعه لنفسه قبل أن يبعثه، ففي الحديث: (إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمجندل في طينته)، فكان عليه الصلاة والسلام عظيم الخلق قبل أن يبعث، وخديجة رضي الله تعالى عنها وأرضاها كانت ترى هذه العظمة قبل النبوة، فلما جاءها وقال: إنني رأيت ملكاً فقال لي: إنني نبي، وحدثها بالقرآن الذي أنزل عليه لم تتعجب ولم تستغرب، بل قالت: والله لن يخزيك الله أبداً. ولكن الإنسان إذا كان -والعياذ بالله- بين خاصته وأهله وذويه له شأن، وله مع العامة شأن آخر فلا يمكن أن يكون يوماً من الأيام شخصاً مرضياً عند الله، فقد يغلب الناس بطريقة، ولكنه لا يستطيع أن يغلب ربه؛ لأن الله غالب وليس بمغلوب. وكون الإنسان لا يتحرج أمام خاصته في بعض ألفاظه أو عباراته أو حديثه وينزع الكلفة هو مما لا حرج فيه، ولا علاقة له بالعامة والخاصة، ولكن العبرة بالمبادئ والقيم التي يحملها المرء في نفسه، فمن كان يحمل مبادئاً وقيماً يصنعها في السراء كما يصنعها في الضراء، ويؤمن بها في السر كما يؤمن بها في العلانية كان من الذين يستحقون أن يقودوا الركب ويحتلوا المناصب العليا في الأمة، وقد تلقى النبي صلى الله عليه وسلم مبادئه وقيمه التي يحملها عليه من ربه، وهي دين قبل أن تسمى مبادئاً وقيماً، وكان عليه الصلاة والسلام يصنعها في الملأ كما يصنعها في الخلاء، وقد قال: (وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (فاطمة بنت محمد) يقطع الطريق على كل أحد يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بدين يطبق على قوم ولا يطبق على آخرين. قال الله تعالى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31]، هذا تبيين لعظمة وشناعة الأمر الذي تقلدوه. |
|
![]() |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |