خبر الهدهد مع سليمان
إن سليمان عليه الصلاة والسلام بدا له ذات يوم أن يتفقد جيشه، قال الله جل وعلا: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ [النمل:20].
وهذا يدل على أن المرء إذا أوكل إليه عمل إما أن يأخذه بقوة أو يتركه، ولا يحسن بالعاقل أن يتولى عملاً ثم يقصر في أدائه، قال الله جل وعلا: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12]، وقال الله جل وعلا: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26].
وسليمان عليه السلام رغم ما أورثه الله جل وعلا من العصمة والنبوة والملك إلا أنه كان حريصاً على أن يتفقد ملكه، فقال الله: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ، أي: موقع الطير من الجند، فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ، ثم توعده حتى لا يضعف غيره فقال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ [النمل:21].
يقال: إنه قيل له: يا نبي الله، وأي عذاب هذا الذي يوازي الذبح؟ قال: أضعه مع قوم لا يعرفون قدره. والأحرار لا يقتلهم شيء مثل أن يوضعوا في موضع لا يعرف من حولهم فيه قدرهم، ولهذا فإن إخوة يوسف، وأولئك الذين وجدوا يوسف في البئر -وهو نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله- لم يأبهوا له وبيع بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20].
هنا قال نبي الله: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ، لكن العاقل يضع لنفسه خط رجعة، لهذا قال سليمان: أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [النمل:21]، أي: أن يأتي بعلوم، فلا ذبح ولا عذاب.