الموضوع: البحتري
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-06, 01:00 AM   #1
عضو ماسي

 










 

ماجد بن تركي الحربي غير متواجد حالياً

ماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished road

افتراضي البحتري

عاش البحتري فيما بين سنة 206 ، 285 هـ أي في القرن الثالث الهجري من مفتتحه إلى قريب من نهايته ، في أيام الدولة العباسية التي بدأت منذ عام 132 هـ فبلغتْ أوْجَها ، نفوذاً في السياسة ، وعروجاً في مراقي العلم ، على أيام الرشيد والمأمون ابنه . ولكنها لم تكن بعد ذلك في أيام البحتري بتلك المثابة ، إذ كان الموالي قد صار لهم في الدولة شأن عظيم ، وقوة قاهرة ، فجعلوا يتحكمون في الخلفاء عزلاً وتنصيباً ، وكانت موارد الدولة في أيديهم يتصرفون بها فيما يرضي رغباتهم ويشبع نهمهم .

بقي العرب إلى أواخر الدولة الأموية مستمسكين بالأخلاق العربية الكريمة من إباء وعزة نفس ، وحياطة للعرض ، وترفع عن الدنايا ، كما كانوا مستمسكين بدينهم مقيمين في الغالب لمناسكه ، لا يجاهرون بمعصية ولا يستهترون بموبقة ، حتى كانت الخلطة الشاملة بالأمم المجاورة (خصوصاً الفرس) في أيام الدولة العباسية فاستبيحت المحرمات ، وجاهر الناس بالمعاصي ، وتبعوا الفرس في كثير من عاداتهم ( والفرس إباحيون في كثير من أمورهم ) . فكان من نتائج ذلك أن شاع الفسق وأحلت المحارم ، وتبجح مرتكبوها بها ، ووصفت الدعارات في الشعر ، مما تراه مستفيضاً فيما تقرأ لأهل هذا العصر ، ولا ترى له مثيلا في شعر أهل الدولة السابقة .

هذه هي جناية هذه المدينة الفارسية على السذاجة العربية ، جعلت حياة المدن في المملكة الإسلامية موبوءة بكل ما استطاع الشيطان أن يغري به بني آدم .

تلك هي البيئة التي كان يعيش فيها البحتري ، جنت عليه بلا شك ، فرأينا في شعره عُهراً وإن قلّ ، ورأيناه لا يستحي أن يتغزل في غلامه «نسيم» وما كان عربي يفعل ذلك قبل الإسلام ولا بعده ، لولا عدوى هذه المدينة الفارسية .

كذلك كان من أثر هذه الخلطة أن ذلت نفس العربي حين رأى المال يستولي عليه الحكام وأصحاب السلطان ، فلا يستطيع استخلاص قوته من أيديهم إلا بالملق . فكثر ذلك من الشعراء الذين لم يعرفوا لهم مرتزقاً غير استجداء العظماء ، ورأينا منهم تهافتاً في هذا الباب وإسرافاً في إجلال ممدوحيهم حتى خرجوا بالمبالغة إلى حد الكفر أو قريب منه .

كما كان من أثر تهافت الشعراء على العظماء وكثرتهم حولهم أن قبض هؤلاء أيديهم عنهم قليلاً ، فكثر الهجاء وبالغوا فيه حتى أفحشوا وتناولوا الأعراض بما لم يكن له نظير في العصور السابقة .

وكذلك كان البحتري أحد شعراء هذه الفترة التي نصفها ، يمدح ويهجو من أجل المال ، وذلك هو الشأن فيه وفي غيره من الشعراء من أمد بعيد ، وإن كان الحال في هذه الفترة أشد وأشنع .

حياة البحتري الخاصة

نسبه : هو الوليد بن عُبَيْد الله ينتهي نسبه إلى بُحْتُر ثم إلى طيء ثم إلى قحطان . وهو عربي صميم لأن أمه كما ذكر في شعره عربية كذلك . قال :

بَني ناهلٍ مهلا فإن ابن أختكم *** له عَزَمات هَزْل آراءها جِدّ

وقد كان البحتري يفخر بآبائه ، فمن ذلك قوله :

وإذا ما عدَدْتُ يحيى وعَمْراً *** وأباناً وعامرا والوليدا

وعُبَيداً ومُسْهِراً وجُدَيَّا *** وتَدُولاً وبُحْتراً وعَتُودا


لم أدع من مناقب المجد ما يقْنع من هَم أن يكون مَجيدا

ذهبتْ طيءٌ بسابقة المجد على العالمين بأساً وجوداً

نشأته وتصرفه

ولد بمدينة مَنْبِج سنة 206 هـ . ومنبج هذه تقع بين حلب والفرات . وكان يضرب على شواطئ الفرات كثير من قبائل طيء ، فكان يختلف إليهم ، فنشأ عربي اللهجة كما هو عربي النسب .

ومنبج التي كانت منشأة وحلب التي كان يتردد عليها ، والصقع كله الذي كان مسترداه ومذهبه ، ومَرَاحه ومَغْداه ، كل ذلك كان له في نفسه منزلة كبيرة ، فلم يَفْتُر عن ترديد ذكر هذه البلاد في شهره ، بعد أن صار إلى العراق ، ومدح الخلفاء ونادمهم .

وإنك لتظفر بأسباب تعلقه بموطنه الأول مما ردده في شعره من الحنين إليه . ومرجع ذلك إلى حسن الهواء ، وطيب الماء ، وفتنة الطبيعة ، وما كان له فيه من هوى يجذبه إليه ، إذ عشق عَلْوَة بنت زُرْعة الحلمية ، ولعلها كانت الحبيب الأول ؛ فإنه لم يفتر عن ذكرها والنسيب بها في قصائده التي مدح بها المتوكل وغيره .

ثم يظهر أنه كان يعيش بمنبج في عزة من قومه ، وشرف قديم لبيته . وتلك أسباب لا يَعْدِلالوطن معها شيء .

فأما فتنته بجمال بلاده فيدل عليها قوله :

حنَّتْ رِكابي بالعراقِ وشاقنى *** في ناجر بَرْد الشام وريفها

وقوله :

ذكَّرْتنا بَرْد الشام وعيشنا *** بين القباب البيض والهضبات

وأما ما يدل على أن الشام مسكن هواه فقوله :

وقد حاولتُ أن تَخِد المطايا ** إلى حيّ على حلب حُلول

ولو أنى ملكت إليك عزمي ** وصلتُ النص فيها بالذميل


وقوله :

جفوتُ الشامَ مَرْتبعي وأنسي ** وعلوَةُ خُلتي وهوى فؤادي

وأما كرم محتده وعراقة مجده ففي قوله :

جَدِّي الذي رفع الأذان بمنبج *** وأقام فيها قِبلة الصلوات

مبلغ الحقيقة في دعاوى البحتري

والحق أن للخيال الشعري والدعوة الكاذبة من الشعراء أثراً في بعض تلك الحقائق التي أحب البحتري أن يلزمنا الاعتراف بها . فقد أرانا أنه كان في بلاده في أرغد عيش وأكرم منزلة ، حتى لقد جعل ذلك مضرب المثل في قوله لأبي نَهْشَل مادحاً شاكراً :

لا أنسَيْنْ زمناً لديك مهذبا ** وظلالَ عيش كان عندك سَجْسَج

في نِعْمَةٍ أُوطِنْتُها فأقمت في ** أفيائها فكأنني في منبج


ويقول في قصيدته في وصف إيوان كسرى :

واشتر أبي العراقَ خُطَّةُ غَبْنٍ ** بعد بيعي الشام بيْعة وِكْس

وليس أحد يعقل أن البحتري كان في مَنْبِج في أرفه ومن عيشه بالعراق ، وقد اقتنى المال الكثير ، وصار يركب في جملة من عبيده ، واتخذ قهارِمَة وكتابا ، وخلف لأنبائه ثروة جعلتهم إلى زمن بعيد من الرؤساء والسادة المذكورين . هل يعقل أن يكون شأن البحتري في مَنْبِج كما وصف ، وقد ذُكر أنه كان يتنقل في أسواقها ويمدح باعة الباذنجان والبصل ؟ فهب أن انطباعه على قول الشعر جعله يتحدر من فمه ، ولكن الشرف وسمو المكانة كما يزعم كان جديراً أن يجعل موضوع شعره شيئاً غير مدح الباعة ، وهل يمدحهم إلا من يطمع في شيء من دراهمهم أو مما يبيعونه غالباً .

وإذا قيس الغائب بالشاهد حكمنا بأن علْوة هذه عروس من عرائس الشعر لم يدَّعِ البحتري عشقها إلا ليصبغ خياله بلون الحقيقة ، حتى يستطرفه سامعوه .

ولعل صبابته بها وتحرُّقه عليها كانا كصبابته بغلامه «نسيم» الذي باعه يوماً فاشتراه إبراهيم بن الحسن بن سهل ، فأكثر البحتري من الأسف عليه وإظهاره اللهفة والحسرة إلى فقده ، حتى رده إليه إشفاقاً عليه . ثم باعه ، فأعاد السيرة في الحنين إليه وهكذا . فجعل من كذب غرامه بغلامه وسيلة للحصول على المال .

اتصال البحتري بأبي تمام

سمع البحتري بشاعر عظيم القدر نابه الشأن أخمل شعراء عصره وحرمهم العطاء طول مدته ، ذلك هو أبو تمام الطائي وقد كان بحِمْص ، دخلها في جولة من جولاته التي ذرع بها المملكة الإسلامية شرقاً وغرباً فقصده ليعرض عليه شعره في جملة الشعراء الذين جعلوا من أبي تمام حَكَما يرجعون إليه ، كما كان النابغة الذبياني بين أهل الجاهلية . فلما سمع أبو تمام من البحتري أقبل عليه من بين سائر من حضر واستبقاه بعد انصرافهم . فلما تفرقوا عنه فقال له : أنت أشعر من أنشدني ، فكيف حالك ؟ فشكا إليه الخلَّة . فكتب إلى أهل مَعَرَّة النُّعمان ( يصل كتابي هذا على يد الوليد بن عُبيد الله الطائي وهو على بذاذته شاعر فأكرموه ) وسلمه البطاقة وأمره أن يمدحهم فأكرموه بهذه الوصية ، ووظّفوا له أربعة آلاف درهم فكان ذلك أول مال أصابه البحتري كما يقول .

وقد ذكر صاحب الأغاني راوي هذا الحديث ، حديثاً آخر في أول اجتماع كان بين أبي تمام والبحتري . قال محدثاً عن لسان البحتري :

أول ما رأيت أبا تمام أني دخلت على أبي سعيد محمد بن يوسف وقد مدحته بقصيدتي :

أأفاق صب من هوى فأفيقا ** أو خان عهداً أو أطاع شفيقاً

فسر بها أبو سعيد وكان في مجلسه رجل نبيل رفيع المجلس تكاد تمس ركبته ركبة أبي سعيد . فقال يا فتى : أما تستحي مني !!؟ هذا شعري وإنما تنتحله ، وتنشده بحضرتي . قال أبو سعيد أحقاً ؟ قال : نعم . ثم اندفع فأنشد أكثر القصيدة ، حتى شككني في نفسي . فجعلت أحلف له بكل مُحْرِجة من الأيمان أن الشعر لي ما سبقني إليه أحد ولا سمعته منه ولا انتحلته . فلم ينفع ذلك شيئاً . فأطرق أبو سعيد ، وفَظِع بي حتى تمنيت أني سُخت في الأرض . فقمت أجر رجليّ فما هو إلا أن بلغت الباب حتى خرج الغلمان فردوني فأقبل على الرجل (الذي ادعى أن الشعر له) فقال : الشعر لك يا بني والله ما قلته قط ولا سمعته إلا منك . قال ثم دعاني (هو أبو تمام) وضمني إليه وعانقني وأقبل يقرظني ولزمته بعد ذلك وأخذت عنه واقتديت به .

تلمذة البحتري لأبي تمام في الشعر

ويعترف البحتري بأنه تلميذ أبي تمام ، وأنه يحذو مذهبه ، وينحو نحوه ، ويراه أماما ، ويقدمه على نفسه . وكان إذا سئل عن نفسه وأبي تمام قال : جيده خير من جيدي ورديئي خير مـن رديئه .

وقال له يوماً أبو العباس المبرَّد ، وقد أنشد شعراً كان أبو تمام قال في مثل موضوعه : أنت والله أشعر من أبي تمام في هذا الشعر ، فقال : كلا والله ، إن أبا تمام للرّئيسُ والأستاذ ، والله ما أكلت الخبز إلا به . فقال له المبرَّد : لله درك يا أبا الحسن ، فإنك تأبى إلا شرفاً من جميع نواحيك.

وقال بعضهم للبحتري : إن الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام ، فقال : والله ما ينفعني هذا القول ولا يضر أبا تمام ، والله ما أكلت الخبز إلا به ، ولوددت أن الأمر كما قالوا ، ولكني والله تابع له ، آخذٌ منه ، لائذ به ، نسيمي يركد عند هوائه ، وأرضي تنخفض عند سمائه .

والذي يثبت لك أن البحتري تلمذ لأبي تمام تلك الوصية التي حفظها عنه في كيفية معالجة الشعر . ومنها :

« فإن أردت النسيب فاجعل اللفظ رقيقا ، والمعنى رشيقا ، وأكثر فيه من بيان الصبابة ، وتوجع الكآبة ، وقلق الأشواق ، ولوعة الفراق . وإذا أخذت في مدح سيد ذي أيادٍ فأشهر مناقبه ، وأظهر مناسبه ، وأين فعاله ، وشرف مقامه ، وتقاضَ المعاني ، واحذر المجهول منها ، وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ وكن كأنك خياط يقطع الثياب على مقادير الأجسام .

ثم يقول له : وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من شعر الماضين ، فما استحسنه العلماء فاقصده ، وما تركوه فاجتنبه ، ترشد إن شاء الله » .




التوقيع :
    رد مع اقتباس