عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-06, 01:08 AM   #1
عضو ماسي

 










 

ماجد بن تركي الحربي غير متواجد حالياً

ماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished roadماجد بن تركي الحربي is on a distinguished road

افتراضي محمود سامي البارودي

ولد محمود سامي البارودي بمصر لأبوين من الجراكسة في السابع والعشرين من شهر رجب سنة 1255 هجرية (1838 ميلادية ) . وكان أبوه حسن حسني بك البارودي من أمراء المدفعيّة ، ثم صار مديرا لبربر ودنقلة في عهد المغفور له محمد علي باشا والي مصر . وكان عبد الله بك الجركسي جدّه لأبيه . أما لقبه "البارودي" فنسبه إلى بلدة إيتاي البارود إحدى بلاد مديرية البحيرة . ذلك أن أحد أجداده الأمير مرادا البارودي بن يوسف شاويش ، كان ملتزما لها ، وكان كل ملتزم ينسب في ذلك العهد إلى التزامه . وكان أجداد البارودي يرقون بنسبهم إلى حكام مصر المماليك . وكان الشاعر شديد الاعتداد بهذا النسب في شعره وفي كل أعماله ، فكان له فيه أثر قوي في جميع أدوار حياته ، وفي المصير الذي انتهى إليه . ولقد حرم البارودي العطف الأبوي منذ نعومة أظفاره . مات أبوه بدنقلة وهو في السابعة من عمره ، فكفله بعض أهله وضموه إليهم . وقد تلقى في بيتهم دراسته الأولى من الثامنة إلى الثانية عشرة من عمره ، ثم التحق بالمدرسة الحربية مع أمثاله من الجراكسة والترك وأبناء الطبقة الحاكمة . فقد كانت الجندية مظهر السيادة والعزّة ، ومن ثم كان لزاما على أبناء هذه الطبقة أن يتعلّموا فنونها لينهضوا بالمناصب الرئيسية للدولة . هذا إلى أنّ مصر كانت يومئذ في أوج النشاط الذي بثّه فيها محمد علي ، والذي كان الجيش أسّه وقوامه . وخرج البارودي من المدرسة الحربية في أخريات سنة 1271 هجرية (1854 ميلادية) ، وهو في السادسة عشرة من عمره . ولسوء حظّه وحسن حظ الأدب كانت ولاية مصر قد آلت حينئذ إلى عباس الأوّل ثم إلى سعيد .وكان عباس قد عدل عن الخطة التي بدأها محمد على حين رأى الدولة العثمانية تنظر إلى جيش مصر بعين الريبة والقلق . لذا تعطلت النهضة التي كانت متصلة بالجيش في الصناعة والتعليم ، وبدأ يخيّم على مصر جوّ من الركود وإن دأبت الروح المصرية في توثّبها بعد الذي رأته من قوتها على غزو الشعوب وغزو المملكة العثمانية نفسها . وأظلّ عهد سعيد وخرج (الباشجاويش) محمود سامي البارودي من المدرسة الحربية في هذا الجوّ الراكد تستجنّ في حناياه أسباب اليقظة والقلق . ماذا تراه يصنع ؟ لقد سرِّح الجيش ، وأقفرت ميادين القتال من ألوية مصر ، وقسر هو وأمثاله من رجال السيف على عيش الخمول والدعة . وكان أكثر هؤلاء رجالا صغار الأحلام لم يلبثوا أن اطمأنوا إلى سكينتهم وسكنوا إلى خمولهم . ولعلّ كثيرا منهم قد سرّهم البعد عن مواطن القتال وخطره ، وطاب لهم عيش الدعة والتنادر بفارغ القول وهراء النميمة والنفاق . فأمّا هذا الشاب الذي لم يخض بعد عمار الحياة والذي يجري في عروقه دم الإمارة والمجد ، فقد أحسّ ثورة الشباب تهزّه هزَّاً عنيفا . تطلَّع إلى الماضي القريب وذكر مسيرة الأعلام المصرية إلى بلاد العرب وإلى سورية وإلى الأناضول ، فتمنّى لو أنه نعم بنعيم هؤلاء الغزاة وشاركهم في سرّائهم وضرائهم . وتطلَّع إلى ما قبل هذا الماضي ، فارتسمت أمامه صورة أجداده المماليك يحكمون على ضفاف الوادي ، فحنّ إلى عهدهم ، وتمنّى لو كان معهم . والمنى حلم مسعد ما اتّصل بمستقبل يرجو الإنسان فيه مجدا وسلطانا . لكنّها ألم لاذع حين يطلب إلينا الماضي أن نحققها فإذا المستقبل أمامنا مظلم عبوس . كيف يتسلّى الشابّ عن هذا الألم ؟ ألا سبيل إلى ميادين يخلقها وحروب يخوض غمارها مع الخائضين ؟ إنّ العرب أجدادنا الأوّلين – والعربيّ جدٌّ لكلّ من تكلّم العربية – قد سجّلوا في شعرهم وقائع الحرب ، وصوّروا ميادينها ، وبلغوا من قوّة تصويرهم أن أجروا فيها حياة لا تبلى ، حياة لا تعرف الركود ولا الضعف ولا الاستكانة . فليرجع الشابّ إلى ديوان الحماسة ، وليقرأ الشعراء الذين يطوون الزمن أمام بصائرنا ، ويجعلوننا ، على بعد ما بيننا وبينهم ، نسمع قعقعة السلاح ، ونرى نزال الأبطال ، ونشترك معهم في المعركة بقلوبنا وأرواحنا ، وإن لم نشترك فيها بدروعنا وسيوفنا . اندفع الشابّ يقرأ الشعر العربيّ القديم ، فتختزن ذاكرته القوية منه كلّ ما طاب لها ادّكاره . وألفى الباروديّ في هذا الشعر روعة وجمالا يأخذن باللبّ ، ويحرّكان اللسان إلى القول . وهذا الشعر لا يقف عند الحروب والميادين وما تخلعه على الأبطال من مجد ، بل يتناول الحياة كلّها : جدّها وهزلها ، وحلوها ومرّها ؛ ففيه الغزل والوصف والحكمة ، وكلّ ما يطمع الإنسان أن يجده فيه . وأنت كلّما ازددت إمعانا في قراءته وتدقيقا في معانيه ، انفسحت لك آماده ، فازددت به متاعا وبحفظه تعلُّقا . وتحرّكت نفس الشابّ لقول الشعر بعد أن توّفر على مطالعته واستظهاره . لكن ! أيّ شعر يقول ؟ وإلى أي الأغراض ينزع ؟ أفيمدح ؟ ولكن من ؟ ولماذا . أفيدعو ؟ ولكن من ؟ وإلى أي شيء ؟ وهل بين الأغراض أنبل مما يجول بنفسه من آمال وآلام ! أليس هو البارودي ، سليل المماليك ، الطموح إلى المجد وإلى الفخر بماض مؤثَّل ! والدم الذي يجرى في عروقه ، وإن فقد أباه طفلا وعاش يتيما ، يسمو به على أمثاله من أرباب السيف جميعا ، بل يسمو به على كلّ من في المملكة ، ويجعله وحده الجدير بأن يكون غرض شعره . هذه النزعة في شعر البارودي بدت منذ شبابه ، ومنذ بدأ قريضه يستقرّ لتحفظه الأجيال . والقصيدة التي رثى بها أباه وهو في العشرين من سنِّه تصرِّح بهذا المعنى واضحا جليا . فهو يقول فيها إنه فرد بين أنداده لا نظير له فيهم . وهو يكرر هذا المعنى في كل شعره طول حياته . وإيمانه بتفوّقه هو الذي سما به إلى الذروة من مناصب الدولة ، كما أنه هو الذي انتهى به إلى النفي وبشعره إلى الخلود . ولقد رضى البارودي عن شعره منذ قاله ، إذ رآه صورة نفسه وما تصبو إليه من مجد . لذلك لم ينصرف عنه حين عيره أبناء طائفته أنه يحاكى النظّامين الذين يلتمسون عطف حاكم أو عطاء أمير . وكيف يسمع لهم أم كيف يطيعهم وهو يقول الشعر سمواً بأغراضه عن أن تصاغ إلا في أجمل اللفظ وأروع العبارة ! . ولقد سبقه من الأمراء في الدول العربية شعراء مجيدون خلّد الدهر شعرهم وأثبت التاريخ في أمجد صحفه أسماءهم . كان ابن المعتزّ شاعرا ، وكان الشريف الرضى شاعرا ، وكان أبو فراس شاعرا ، وكان امرؤ القيس قبل هؤلاء جميعا شاعرا . ولقد قرأ البارودي شعرهم جميعا فطرب له واهتز لروعته . أفلم يقرأ من يعيرونه مثل ما قرأ ؟ وما ذنبه إذا قعد بهم جهلهم عن المتاع بجمال الشعر وقعدت بهم قرائحم عن صوغ مثله ! وهو في هذا المعنى يقول : تكلّمت كالماضين قبلى بما جرت *** به عادة الإنسان أن يتكلّما فلا يعتمدني بالإساءة غافل *** فلا بدّ لابن الأيك أن يترنما كانت دولة الشعر ناشئة إذ ذاك . فكان عبد الله فكرى ومحمود صفوت الساعاتي وعبد الله نديم وقليلون غيرهم يقولونه في أغراض شتّى . لكن البارودي الناشئ كان من طراز غير هؤلاء جميعا . كان غيرهم بنسبه ، وبتفكيره ، وبمثله الأعلى في الحياة ؛ ثم كان غيرهم بموهبته في الشعر . فهو لم يتعلّم النحو والصرف والعروض والقوافي ، وهو لم يقل الشعر يبتغي بقوله مأربا . إنما سجع به لأنه في سليقته ، ولابدّ لابن الأيك أن يترنّم ، وسجع به على عادة الأمراء الشعراء من قبله ليخلق من بحوره ميادين لمجد يعوّضه ممّا فات سيفه في ميادين القتال ، بعد أن ردّت الأقدار سيف مصر إلى غمده . على أن رأى الجوّ المحيط به لا يتسع لتحليقه ولا لطموحه . ولعلّه رأى كذلك أنّ هذا الشعر العربيّ الذي اتصلت أنغامه بروحه قد يضيق على سعته عمّا تصبو إليه روحه . لذلك سافر إلى الآستانة عاصمة الدولة ، والتحق بوزارة الخارجية ، وتعلّم اللغتين التركيّة والفارسية ، وعكف على آدابهما ، فاستظهر شعرهما وتغنى بأوزانه ، ودعته سليقة الشاعر إلى القول فقال بالتركية وبالفارسية ، كما قال من قبل بالعربية . على أن السليقة العربية كانت أصيلة في نفسه ، فلم يفتأ طوال السنين التي أقامها على ضفاف البسفور يقرأ دواوين الشعراء الأمويين والعباسيين ويدرسها ويستظهر منها ما يطيب له استظهاره . فلما كانت سنة 1279 هجرية (1863 ميلادية) سافر إسماعيل باشا بعد أن تولىّ أريكة مصر يرفع إلى متبوعه الأعظم بالآستانة آي الشكر على ولايته ، وأُلحق سامي البارودي بالحاشية التي صحبته أثناء مقامه بدار الخلافة ، فتوسّم إسماعيل فيه النجابة والطموح ، فعاد به إلى مصر في شهر رمضان من تلك السنة




التوقيع :
    رد مع اقتباس