عرض مشاركة واحدة
قديم 20-07-11, 11:46 PM   #4
مؤسس ملتقى قبيلة حرب الرسمي
 
الصورة الرمزية ابوفواز النويمي

 










 

ابوفواز النويمي غير متواجد حالياً

ابوفواز النويمي has a reputation beyond reputeابوفواز النويمي has a reputation beyond reputeابوفواز النويمي has a reputation beyond reputeابوفواز النويمي has a reputation beyond reputeابوفواز النويمي has a reputation beyond reputeابوفواز النويمي has a reputation beyond reputeابوفواز النويمي has a reputation beyond reputeابوفواز النويمي has a reputation beyond reputeابوفواز النويمي has a reputation beyond reputeابوفواز النويمي has a reputation beyond reputeابوفواز النويمي has a reputation beyond repute

افتراضي

كثيرة هي الفنون الشعرية التي تمثل الموروث الشعبي والثقافي للأمم ولكن تميز بعض الفنون الشعرية جعلها في مقدمة الناس واحاديثهم فمنذ العصر الجاهلي كانت الفنون الشعرية هي السجل الحقيقي لنهار الناس وليلهم، وتواصلت هذه المسيرة وامتدت حتى عصرنا الحاضر.
ولا ريب فالشعر الشعبي يمثل هذا التواصل على اختلاف يسير في (اللغة) اما معاني هذا الشعر الشعبي وصوره وتفاصيله الفنية وسمو موضوعاته فظلت كما هي بل لقد تمكن الشعر الشعبي من استيعاب هذه التفاصيل الفنية وتطويرها واضافة كثير من المعاني الجديدة كما وجد بعض (الرواة) حظمهم في تثبيت هذه الفنون وترسيخها عن طريق (لحنها) وتحويلها إلى اناشيد (منتقاة بصوت مطروق) ومطروق اي تواصلوا على وكرروا نغماتهم وتعاهدوا تشذيبه وتحسين مخارجه بل واستدال ما نشز من مفرداته ليكون سائغا للتناول وفي الوسيط طرق المعدن(ضربه ومدده) ثم تناقلتها الاجيال بصيغته اللحنية وبنفس الوتيرة (النغمية) وبالتالي تم تثبيتها في الذاكرة الشعبية ووجدت بعض الاصوات الجميلة بغيتها في طرق هذه الاهازيج الجميلة وصقلها وتطويرها مع تحسين مظهرها الشعري فقدمت خدمة كبيرة للموروث الشعري كونها وضعت النص الشعبي على محك الاختبار (يصلح او لا يصلح) فالجيد في وزنه ومعناه يستطيع ان يترسخ في الذاكرة اما الردئ فتطرده الذائقة وتقبل على غيره فها نحن نسمع حداة الابل يصوغون الحانهم جميلة يهونون بها وعثاء السفر كما نسمع الرعاة يتغنون خلف قطعانهم بأعذب الالحان وكلها مقطوعات شعرية لولا قوالب اللحن (الطرق) الجميل لم تحفظ... ولقد انفرد الشعر الشعبي بقبول (هذه الطروق).
ولكن المجارير لها من الاثر في النفس ما يفوق كل تصور واشتهرت بادية الحجاز في مكة وما حولها بهذا اللون فطوروه واهتموا به اهتماما بلغ حد الترف والدليل على ذلك كثرة الطروق وتنوعها وانسجامها مع ايقاعات جميلة تخلب اللب. ويأتي في طليعة هذه الفنون الانشادية الجميلة بلا شك بل وأربى عليهن جميعاً في معناها ومبناها وعراقتها حيث تفنن المنشدون في تعزيزها ودفعها نحو الافضل فأصبحت تلجلج بها بوادي مكة المكرمة وشعابها وما احاطها من جبال ووهاد وسهول وقرى فشكلت جزءاً مهما من الموروث الثقافي الشفاهي المكي الاصيل الضارب بجذوره في اعماق الثقافة العربية الاصيلة..
ولكن من المؤسف ان هذا اللون بدأ اليوم يتراجع تراجعاً خطيراً وظلت قواعده تتقلص واصبح مهدداً بالانقراض وكان لا بد من وضع (محمية بيئية) تحفظه من الانقراض وانقاذ بيئاتها من التدهور... فلماذا يموت هذا اللون وهو بهذه الحيوية وكيف نتساهل في هويته الثقافية والمعرفية في وقت تتسابق كثير من الشعوب لتدوين ثقافتها وموروثها الشعبي باعتباره رصيداً وكنزاً ثقافياً.. إذاً نحن مطالبون بوضع آلية علمية (معلوماتية) مؤصلة تضبط عناصر هذا اللون.

مصطلح المجرور:

جاءت هذه اللفظة من جر الصوت أي مده واطال فيه وفي الوسيط: (جرجر البعير أي ردد صوته) واما ما نعرفه اليوم فهي قصائد شعرية تنشد بأوزان تقليدية تم تكييفها كي تناسب (الطروق) وتلحن تلحيناً معيناً بحيث تصبح قابلة للانشاد واوزانها والحانها واسعة ولكل قبيلة ما تتميز به من لحن.
وتميل في الغالب للاغراض الغزلية ذات الطابع الانساني، لذا نلمس في الحانها نوعاً من الرقة والعذوبة المحببة للنفس وتؤدي في الاعياد والمناسبات السعيدة وليس الغزل شرطاً فأحياناً تظهر الاغراض الاخرى كالقصائد الحربية، وهنا يمكن ان تميل نحو اهازيج الحرب ورقصاته، ولكن المهم هو اللحن الجميل المستساغ وقد اشتهرت قبائل الحجاز بمكة والمحيطة بها بهذا اللون الذي استمر إلى اليوم. ولا نستبعد ان تكون عناصر الطبيعة قد اثرت في صياغة هذه الطروق وشكلت بدايات مهمة في تكوينها.

دورها في الحفظ:

ولقد استطاعت هذه المجارير من حفظ كثير من القصائد الشعرية في وقت انعدمت فيه الكتابة المدونة للشعر وظلت دعاءً يحفظها من الضياع ولولاها لضاع كثير من القصائد الشعرية، كما ساهم لحنها في ربطها بالذاكرة فأصبح اللحن مرتبطاً بشكل قوي بالذاكرة اللحنية فما ان يصل المنشد للحن حتى تنهار القصيدة بكاملها، وتتداعى تداعي السبحة مما يؤكد عمقها في الذاكرة وقدرة الطرق على استدعاء الذهنية.
تاريخ المجارير:
لا نملك تاريخاً محدداً لنشأة هذا الفن وتطوره، ولكنه جاء نتاجاً طبيعياً لتكوينات ثقافية مختلفة نشأت من داخل بيئة الحجاز حيث لا نجد له مثيلاً في بقية المناطق بالجزيرة العربية، وربما تكون هناك اصول قديمة جداً تمثل طفولة مبكرة لهذا الفن، ولكن الذي امامنا اليوم هو فن مكتمل العناصر الفنية والجمالية والوظيفية، ولا نستبعد ان تكون له جذور ثقافية عميقة تعود للعصر الجاهلي خاصة عند تحليل فن (الرفيحاء) الذي كانت النساء ينشدنه وهو من نفس اللون ولكنه يخص النساء. وسنأتي على ذلك.

* نماذج نصية

ومن اشهر نصوص المجارير التي تناقلتها القبائل الحجازية ورددتها بشكل متواصل هذا المجرور:

هيض عليه وانا بادي الحجا=من صبح بادي حجا المزبانية
في قنة لا تغشاها الحيا=عسى مطرها دم الغربانية
ولا عساها بحنان الدبا=ياكل ثمرها مع الورقانية
هذي هلالين والثالث بدا=ما جتني اعلام عن صدقانية
قلبي عليهم كما القوس انحنى=ودموع عيني لها غشانية

ويمكن أن تتجلى بوضوح روعة البيت الأخير عند تأمل مخارجه البلاغية (كما القوس انحنى) فمن الواضح ان المبدع شبه قلبه بالقوس في انحنائه وهو شعر لم أعثر له على شبيه في الشعر واعتبره بلا جدال ابتكارا هائلا وظفه الشاعر بالسليقة (الطبع) دون ان يتكلف الصنعة الشعرية.

ومن تلك الروائع النصية هذا المجرور:

هاضني يوم أغني وابدع القيفان=في سفر ليلة اربعطشر واغنى
كنت الم الحطب واشب في النيران=واتقرب من المحماس والبني
يوم سويتها ما بي صلف دوخان=مير اقصر بها ليل مسهرني
في الخلا يا عويض ما ش رود سكان=غير ورع يصيح وحسه ازعلني
قلتله لاتصيح تجمع العربان = والعرب كان تدري عنك تقتلني

وكل نص شعري له (مطروق) يناسبه ويخضع لمفهوم التجاوب النفسي وصيغة اللحن الذاتية فمجرورنا السابق له طرق ولهذا طرق ولا يمكن تجاوز هذه القوالب اللحنية بشكل عشوائي بل لو حذفنا كلمة مثل كلمة (الحطب) من البيت الثاني لتعثر الطرق وتلجلج المنشد وانكسر (النظام اللحني) وعلى المنشد ان يعيد البيت وهو ما يدخلنا في قضية الوزن والقافية مباشرة.
وللمجارير دورها في حفظ اللغة والتاريخ، فعندما نستعرض هذا النص:


هاض بالي محمل الشامي عشي مر الهنية=ثم بنى بالخيامي ثم بنى بالخيامي
بين أبو عروة وبين الدوح في هاك النحية =في الديار اللي محامي في الديار اللي محامي
والله إن يا ديرة البدوان مالك مشنوية =مير الاشيا بالقسامي مير الاشيا بالقسامي
وا وجودي يا طويرات العنب حتى عليه =نزحوك أهل المرامي نزحوك أهل المرامي
ليتني من عسكر السلطان لو يوحف عليه =بالرطين وبالكلامي بالرطين وبالكلامي

وعند تمعين الروية نجد أبعاداً تاريخية تعود لما يزيد عن مئة عام على الأقل فمعلوم أن المحامل المصرية والشامية كانت تمر بمحطات طرق الحج ويتأملها الناس تأملاً شعرياً، ولقد أغرم الناس كثيراً بمشاهدة تلك المحامل وهيبتها وما عليها من جمال خاصة (المحمل الشامي) ويسميها الشعراء في مجروراتهم بـ (محمل السلطان) نسبة إلى السلطنة العثمانية حتى بلغ بهم الأمر ان يصفوا المرأة (بمحمل السلطان). ولعلنا نلمس في الأبيات الماضية تلك الأوصاف الجميلة للمحمل الشامي يوم أن كانت الدولة العثمانية تسير هذا المجمل.
كما نجد وصفاً للمكان وتثبيتاً لأسماء بعض المواقع التي يمكن أن نستجليها عند مراجعة هذه النصوص الشعرية. ونحصل على ثروة لغوية جميلة، كان الناس يتداولونها وما يمكن أن نسميه (تاريخ اللغة) فكلمة (يوحف) كانت شانعة ويستخدمها الناس بشكل عادي فيقال (فلان حاف عليه) أي ظلمني ثم تلاشت من الذاكرة الجميلة إلا أن المجرور أثبتها ليعطينا مدلولا قويا لهذه المفردة ذات البعد اللغوي، وقس عليها كثيراً من المفردات العتيدة ذات المدلول اللغوي الفصيح.
ولم ينفرد الرجال بهذا اللون بل تناوله النساء بشكل مماثل وما يتناسب مع طبيعتهن طروقا خفيفة ورقيقة جدا قريب من تلك الطروق ولكنه أرق ويسمينه (رفيحاء) وتشبه المجارير إلى حد كبير ولكنها تخص النساء دون غيرهن وأصلها (الرفياء) ولكن العرب تبدل إحدى الهمزتين عند تواليها للتخلص من ثقلها المزعج فأبدلت الهمزة الأولى حاء فقيل (الرفيحاء) وأصلها بالرفاء والبنين أي الدعاء للمتزوج قال الفيروز أبادي: ( ورفحه ترفيحا قال له: بالرفاء والبنين، قلبوا الهمزة حاء) المحيط ص281. والذي يرجح عندي أنها امتداد لتلك الأناشيد والممزوجة بالدعوات التي كان النساء العربيات يقلنها في مناسبات الزواج منذ العصر الجاهلي فتحولت إلى الحان منظمة بشكل منسق حتى وصلت إلى عصرنا وفق تطورات لغوية ودلالية مهدت السبيل بلا شك لنشوء هذا الفن. قال ابن منظور عن ابن الاثير: (وفي الحديث: كان إذا رقح انسانا قال: بارك الله عليك، ارد رقأ أي دعا له بالرفاء، فأبدل الهمزة حاء، وبعضهم يقول: رقح، بالقاف...) اللسان ج2 ص 451. ويتميز لحنها (طرقها) بالبساطة الشديدة وسهولة الانشاد وترديده ومن أشهرها هذه المجرور:

يا طوير لقيته فوق عين الركاني
اسقني يا سقاك الله ترى الموت جاني
يا ظبيات خمس وست وأربع ولايف
ترتعي في المخومس من ورى خبت جده
اليوم يا ثلاب يسعد صباحك
يا صباح الرضا في الشام والا هنيه

تلحظ معي أن القوافي ليست مستوية في تركيبها وظهر اختلال في مساحة الروي، وكما نعلم فالنص قديم جداً فداخلت نصوصه مع نصوص أخرى ضمن بوتقة (الطرق) فنجح الطرق في صهر الشتات الشعري وتثبيته، وهذا ليس عيبا فقد ثبت هذا التداخل حتى في عصر التدوين وهو ما أشار إليه النقاد الأوائل، فمن المتفق عليه أن الشعر العربي شعر غنائي لم يخضع للوحدة الموضوعية وشعر المجرور لم يخرج عن هذا الإطار.
اخيراً نستطيع ان نقول إن هذا الفن جدير بأن يحفظ ويوثق توثيقا علميا يليق به، فما زال يمثل عمقا ثقافيا ورصيداً معرفيا بالنسبة للثقافة الشفوية، فلم تعد أمامنا اعذار نتلمسها ولهذا نوصي بأن يحفظ هذا اللون الجميل حفظاً كتابياً وصوتياً وصورياً وتثبيته وتصنيفه ولقد حاولنا في ملتقانا الأول المنعقد في 9/4/1427هـ تحت عنوان (الملتقى الأول لمشروع حفظ وتوثيق المجارير) ان نضع بعض الخطوط الرئيسية لتوثيق هذا المشروع ولم نعبأ كثيراً بتلك المشاق التي اعترتنا عند بدء هذا الملتقى فتمكنا من توثيق أحد عشرا طرقا علما بأن الملتقى أقيم بجهود فردية من قبل بعض محبي هذا اللون وما قدم من دراسات يثبت أي عمق تاريخي ونصي تحمله هذا التواشيح الجميلة نعم واجهتنا مشاكل كأي مشروع يكون في بدايته ولكنها لم تحل بيننا وبين تنفيذه.
وسوف نحاول في الملتقى الثاني ان نقدم دراسات أكثر جدية مع توثيق وهو ما اتفقنا عليه من توصيات، وأرجو من إخواننا المهتمين تزويدنا بما لديهم من نصوص أو دراسات تخدم هذا السياق وأن يكتبوا لنا فنحن في انتظارهم وسنسعد كثيرا بالتعرف على أي دراسة تخدم مشروعنا وتدعم قاعدة معلوماتنا خاصة واننا نعد لإصدار نقدي كما سوف ندشن موقعا بهذا الخصوص ونحتاج إلى كم وفير من المواد المتنوعة.
منقول




التوقيع :
أبــدع فـي مــواضيـعــك , وأحســن فـي ردودك , وقــدم كــل مــا لــديــك ,
ولا يغــرك فهمــك , ولا يهينــك جهــلك , ولا تنتظــر شكــر أحـــد ,
بــل اشكــر الله على هذه النعمــة ,
ولله الحمــد والشكــر
    رد مع اقتباس