عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-16, 12:45 AM   #18
كحيلة حرب
 
الصورة الرمزية الكحيلة

 











 

الكحيلة غير متواجد حالياً

الكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond repute

افتراضي

اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيينالشعبي

( الحلاَّمة ) يتلقون بشرى المطر في منامهم على صورة ناقة حلوب .؟



سعود المطيري
كان أهل القرى وسكان البوادي يعرفون بينهم رجالا أو نساء من المشهود لهم بالصلاح يطلق عليهم عند بعض أهل نجد ( الحلامة ) تتكرر عند هؤلاء أحلام سنوية تنبئ بحال سنتهم إن كانت ربيعا أو جدباً ويرون ذلك إما على شكل سبع يهاجم مواشيهم يتعاركون معه لإبعاده عنها فتأتي السنة على قدر الضرر الذي يخلفه السبع بالمواشي وان تمكن من ذبحه أو طرده كانت سنتهم سنة خير ورخاء وآخرون يرون الربيع والمطر على صورة خلفة ( ناقة حلوب ) يكون ربيعهم بقدر كمية الحليب الذي يملأ به الإناء وان لم يتمكن من حلبها كان عامهم جدباً فكانوا يتوجهون إليهم بالسؤال دوما عما إذا رأوا هذا العام ويتناقلون أحلامهم خصوصا إذا كانت تحمل بشرى خير وكان اغلب هذه الرؤى تأتي صادقة ولا تكاد قرية أو حي يخلو من شخص أو عدة أشخاص تتكرر عندهم مثل هذه الأحلام الصادقة كل عام وقد عرفت شخصا يدعى فرحان الرويلي -رحمه الله- كان يحلم كل عام بناقة تزوره بالمنام فيبشر من حوله بالمطر والربيع على قدر ما يأخذه من الحليب وفي احدى السنوات بشر معارفه وأهل قريته بربيع غير مسبوق وأبدى لهم خوفه من حلمه الذي جاء مختلفا هذا العام عندما تقدم إليه رجل بعد أن ملأ الإناء بالحليب وخطفه من يده بعد تنحيته عن الناقة وقد تنبأ انه سيأتي ربيع يموت قبله فحصل ما توقع وتوفي يرحمه الله مع بداية الربيع الذي جاء مختلفا بالفعل . لكنهم أيضا قد يرونها بصورة أخرى كما كانت مع المستشرق الانجليزي ديكسون في الحلقة الماضية والذي أكدها احد قراء الرياض ( النوخذه ) الذي أتمنى لو ظهر باسمه الحقيقي لأنه يمتلك مخزونا ثقافيا متنوعا جديرا بالظهور والذي أشار إلى أنها حدثت في أول رمضان الموافق 18 / 3 / 1934م وتعرف بسنة ( هدامة ) والتي رأى احداثها ديكسون في المنام وفسرتها ( أم مبارك ) العجوز التي شبهها بساحرة (أندور) وهي تفسر حلمه الثاني الذي قال عنه :
بالرغم من أنني شبهت مفسرة الأحلام العجوز بتلك الساحرة ( أندور ) التي كانت تشبهها في أكثر من جانب ليساعدني ذلك على التصديق إلا أنني بقيت أشك في الأمر على نحو مخجل ، ومن حسن الطالع أنني كنت أخبر شيخ الكويت وغيره من العرب البارزين بالحلم وتفسير أم مبارك قبل هطول الأمطار المفاجئ على المدينة وقبل وقوع الأحداث وقد ترك ذلك لديهم انطباعا خاصاً .




ولا ريب أن القراء يعرفون محاولة الاعتداء الغادر على حياة احد الزعماء العرب التي قام بها مجموعة من الوافدين العرب في المسجد الكبير في مكة عام 1934م ومما يدعو للاستغراب أنني قد حلمت بذلك قبل الحادثة بتسعة أيام . فقد رأيت في المنام أن الزعيم كان في الكويت ويقيم بقصر الشيخ مبارك القديم ، وكنت أقيم بالقرب منه في منزل الشيخ عبد الله السالم وفي منتصف تلك الليلة سمعت وأنا نائم على السطح سبع طلقات تخرج من منزل الزعيم المذكور تلاها نواح وعويل شديد فأيقظت الشيخ عبد الله وانطلقنا إلى المكان بسرعة ولكن حرس القصر منعونا من الدخول رغم أننا كنا نسمع الزعيم يصرخ من الداخل قائلا بأنه قد أصيب بجرح خطير ويطلب حضوري وسرعان ما أدركته المنية عند ما خرج حاجب القصر معلناً موت سيده دون القبض على القتلة ، وعند ما تذكرت حلمي السابق أخبرت الشيخ ثانية بالحلم الجديد فتملكه الاستغراب ، ثم إنني اطلعت أم مبارك العجوز على حلمي ورجوتها أن تفسره . وكان كل ما قالته إن ذلك الزعيم ( سمته باسمه ) له أعداء سوف يحاولون الغدر به إلا أن الله سينقذه من كيدهم ويفتضح أمرهم ثم يقبض عليهم ويعدمون خلال سبعة أيام ( الطلقات السبع ) وبعد تسعة أيام من ذلك جرت محاولة اغتيال الزعيم نفسه لكنه لم يصب بأذى وقام رجاله بمطاردة المعتدين وقبضوا عليهم وأعدموهم . ضاعف هذا الحلم من عجب الشيخ ورواه لعدد كبير من أصدقائه ، وسرعان ما انتشرت القصة انتشار النار بالهشيم وأخذ الناس في الكويت ينظرون إلي بإكبار ويهتمون بأحلامي ويقدرونها حق تقدير . لكنني كنت حريصا على الاحتفاظ بمعظمها لنفسي
-يتبع -

اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين

الرحالة ( داوتي ) يتركه الدليل ويعلق بين بريدة وعنيزة (2-3 )


داوتي
سعود المطيري
قرأنا في حلقة سابقة كيف خرج الرحالة الانجليزي ( داوتي ) مطرودا من بريدة إلى عنيزة عام 1878م وكيف تخلى عنه الدليل المتعهد بنقله عند ما تركه مع حقائبه وعكف راجعا إلى بريدة على ظهر الناقة التي كانت تحمل أشيائه بعد ما قبض أجرته كاملة الأمر الذي جعله يقوم بتمزيق خرائطه نتفاً لئلا يتعرض للاستجواب من المواطنين المتعلمين قبل أن يخرج بحثا عن منقذ وسط أحراش واد الرمة معتبرا هذا الموقف أتعس ما حل به وسط نجد المتعصبة كما قال ووصف بقية الرحلة في كتابة رحلات داوتي قائلا:
بعدئذ جاء رجل زنجي وزوجته من النخيل، يحملان الحطب باتجاه عنيزه. كان قد شاهدانا نمر، وسألاني ببساطة (اين رفيقك والناقة؟ ) بعد ذلك تابعت سيري تحت الجدران الطينية نحو صوت السواني، ورأيت أرض نخيل وبيت بستان كان الباب مغلقاً بإحكام وجدت بيتاً آخر بعده، ومن خلال الشقوق، نظرت إلى الداخل، ولمحت صاحب البيت يكدح، كان وجها ذا طبيعة بسيطة، فتحت بوابته ودخلت مع عبارة (السلام عليكم) وطلبت شربة ماء. تريث الرجل الطيب قليلاً ليرى الغريب. ثم أمر ابنته الصغيرة بأن تجلب الطاسة، وربط جماله ليتكلم معي (اشرب إذا كنت تريد ) قال لكن ليس لدينا ماء صالح، كان طعم الماء مراً وفاسداً لكن حتى هذا الكأس من الماء سيكون رباطاً بيننا.
سألته أن يعيرني جملاً أو حماراً، ليحمل أشيائي إلى البلدة، وسأدفع له الأجرة. حكيت له كيف أتيت إلى هنا، مع سائق جمل من بريده ألذي تركني في حين كنت أرتاح في الحر قرب بوابته وإذا كان ثمة أي مرضى في هذا المكان فأنا لدي أدوية لشفائهم.









حسناً، تفضل حتى يعود غلامي بجمل، قال لابنته أنا ذاهب مع هذا الرجل، خذي عصاي وسوقي، ولا تدعي الجمل يقف . ما هي أشياؤك، أيها الغريب، وأين تركتها؟ ما كان عليك أن تدعها تغيب عن نظرك وبدون حراسة، كيف إذا لم نجدها ؟ كانت بأمان، وأنا آخذ الحقائب الكبيرة على كتفي، خطوت عائداً فوق النفود إلى بوابه الرجل الطيب، مبتهجاً في سري أنني يمكن الآن أن أحمل كل ما أملك في العالم . دعاني إلى الجلوس هناك ( في الخارج ) في حين ذهب ليحضر حماراً. هل ستدفع قرشاً ونصف ( ثلاث بنسات ) ؟ هناك جاء ثلاثة أو أربعة رجال أكبر سناً من الحقول ودخلوا في البوابة التالية ليشربوا قهوة بعد الظهر استبقاهم الرجل الطيب وقال : ( هذا غريب لا يمكنه أن يبقى هناك ، ولا نستطيع استقباله في بيتنا، يسأل عن وسيلة نقل إلى البلدة )
فأجابوا، بأنه سيفعل حسنا ً بأن يجلب الحمار ويرسلني إلى عنيزة وماذا تكون. ( قالوا لي ) سندخل الآن إلى القهوة، هل سمع أحد الآذان ؟
قال آخر : لقد نادوا إلى الصلاة في البلدة، لكننا لا نستطيع سماعة دائماً الآن ألم تهبط الشمس نحو العصر؟ إذا نصلي هنا معاً..
اتخذوا وضعيتهم بتقوى، وانضم مضيفي بنفسه إلى الصف، دعوني أيضاً ( تعال وصل تعال )
( لقد صليت للتو )
تعجبوا من كلماتي، وهكذا رضخت لتلاواتهم الرسمية وركعاتهم عندما نهضوا، جاء مضيفي إلىّ بنظرات وقال : ( انت لا تصلي همم ) فهممت عن طريق محيا أولئك الرجال الوقورين أنهم كانوا مقتنعين بأنني لا يمكن أن أكون مسلماً صحيحاً ( حسنا أرسله ) قال زعيمهم , ودخلوا البوابة .
كانت حقائبي موضوعة الآن على الحمار . انطلقنا، وبعد الأذان الأول بقليل، كما أخبرني حسن مسبقاً، كانت بداية حقول الذرة وظهرت أشجار النخيل والفاكهة، وبعض بيوت البساتين الممتدة قال رفيقي ( وكان خائفاً) المسافة بعيدة إلى البلدة، ولا يمكنني الذهاب إلى هناك الليلة، لكنني سأتركك مع واحد هناك هو أبن جود وكرم وفي الصباح سيرسلك إلى عنيزة ) تابعنا مسيرنا في طريق عريض وغير مسور، إلى ان توقف حماره عند مدخل بوابة بدائية، كان ثمة بيت بستان، فطرق الباب بصوت عال، ونادى إبراهيم . جاء رجل عجوز إلى البوابة، وفتحها إلى المنتصف ومكث وهو يرى ثيابي ممزقة ( من قبل اللصوص في .. ) وغير عارف أي شخص غريب يمكن أن أكون لكنه خمن أنني جندي هارب من الحرمين أو اليمن، نظراً إلى أن البعض منهم قد مر بعنيزة مؤخراً. تحدث عن الحمار من أجلي ومن ثم استقبلني رب البيت أخلوا حقائبي على بيته الطيني، وأقفل عليها في مستودع هكذا بدون كلام أومأ بيده وقادني إلى الخارج في بستانه إلى الديوان ( مكان الجلوس النظيف المفروش بالرمل في الحقل .وهناك تركني
.. ( يتبع )

أحاديث في الأدب الشعبي

أوصيك عن سوق العرب روِّح هناك


أسواق مكة خلال موسم الحج قبل ستين عام
عبدالرحيم الأحمدي
سوق العرب إحدى أسواق منى في موسم الحج، وأهل مكة المكرمة هم من أطلق عليها هذا الاسم، لتميز هذه السوق بروادها من حجاج البادية وبخاصة النساء اللائي يجدن فيها كل ما يهمهن من البضائع والاحتياجات من مستحضرات طبية وأعشاب وحلي وملابس وأقمشة وحناء وأدوات الزينة والتجميل وهدايا الكبار والصغار من مكسرات وحلوى وعطور وبخور، وفيها يباع البن والهيل والبهارات والحبوب والتمور ومعدات مضارب البادية وأواني المنزل، وفيها يعرض البدو نتاج البادية من سمن وإقط وعسل وبسط وغيرها من المشالح والعباءات والفرش الوثيرة المعدة من جلود الخراف كالجواعد والأوعية الأخرى.
لقد أدركت هذه السوق في الناحية الشمالية من منى، فإذا ما أقبلت إليها أرشدتك إليها روائح البخور وعطور ليالي باريس والبهارات، وملامح أهل البادية رجالاً ونساء يتدافعون إلى السوق جماعات وأفراداً، وإذا ما توسطت السوق بهرك الجمال البدوي المجرد من المحسنات الصناعية، وسحرتك البراءة والثقة التي تتجلى في أولئك البدويات لا يترفقن في الحديث مع الفضولين إلا بقدر التعجب من لهجات المتمعكين بالتحدث إليهن استجلا بالردود الفعل التي غالباً ما تكون مصحوبة بالتجاهل أو النزق لصعوبة فهم لهجات المتحادثين إلا بقدر محدود يصطبغ بالطرافة وحسن الظن.
وأهل مكة المكرمة مركز الثقافة والأدب حينها مفتونون بقصيدة المتنبي التي تغريهم بالذهاب إلى هذه السوق لمشاهدة ما خلعته القصيدة على نساء البادية من صفات تمجد جمالهن وتجسد المجتمع البدوي، هذه القصيدة ذات المطلع المثير:
من الجآذر في زي الأعاريب
حمر الحلي والمطايا والجلابيب
وهم يصغون إلى الجدل الذي يدور بين الباعة وبينهن، فتبهرهم طلاقة ألسنتهن، وتلقائية صادرة عن ثقة في النفس، وتجرد من العبث إلا بقدر ما يدركن من تعليقات المثارين من حولهن فيتبادلن بلهجاتهن عبارات التعجب متندرات بما يبلغ فهمهن مما يتردد على أسماعهن من عبارات الاعجاب.
والواقع أن ما تنقله كتب الأدب عن حياة البدويات جمالاً صافياً وطهراً وعفة شغل أولئك المبهورين بما يقرؤون، فيتلمسون الواقع في هذه المشاهد التي لا يتكرر حدوثها كثيراً ولذا كانت هذه السوق أكثر ازدحاماً بالباعة والمتسوقين والمتطلعين إلى رؤية ملامح البادية التي يصعب الوقوف عليها في مضاربهم ومرابعهم، والسوق لا تخلو مشاهدها من طرافة والتقاط عبارات غير مألوفة للطرفين الحاضرة والبادية، تتمثل في اللهجات التي لا يبقى في الأذهان منها غير النزر اليسير مثل كلمة «علامك» التي التقطها الشاعر أحمد إبراهيم الغزاوي رحمه الله من فتاة من وادي «لية» أحد ضواحي مدينة الطائف فقال:
بأبي من رأيتها فاسترابت
نظرتي نحوها فقالت: «علامك؟»
قلت صب أصيب بالعين قالت:
روع الله من على الحب لامك
أنتِ من «لية» بدارة عوف
حيث فرط العفاف يذكي غرامك
إن فيها من الظباء لحوراً
يتناجين في المروج مرامك
فاغضض الطرف إن علقت وخالس
نظرة الحب واستذم أثامك
لا تغُرَّنْك بسمة من كعاب
فتواتي على اغترار حمامك
أما شاعرنا البدوي فقد كان متوسماً في الحج إما في النقل أو في التجارة ولذا لم يكن معنيا بسوق العرب ومن يرتادها، ومع ذلك فسوق العرب مكان جذاب لكثير من الحجاج والمتوسمين، وقد أثار شاعرنا هذا الانشغال بسوق العرب فقال:
أوصيك عن سوق العرب روِّح هناك
سوق العرب ينصاه واحد فضاوي
طُرْقَة تجي منها سلَمْ ذيك تكفاك
مالك وما للزَّنْزَنة والدعاوي
لقد لاحظ الشاعر استئسار سوق العرب لروادها المتفرجين، واستلابها لألبابهم ولا جدوى من ذلك.
ولاشك في أن شعراء آخرين تغنوا بهذه السوق التي اختفت مشاهدها القديمة وإقبال الناس إليها، وحل مكانها فيما أظن شارع الجوهرة، فإن كان كذلك فإننا لم نذهب بعيداً عن الأثر فقد احتفظنا لهذه السوق بشيء من جمالها.
أيها الناس! إننا ندفن تراثنا ومظاهره وجمالياته تحت ركام الاسفلت والاسمنت ولا نرمز له حتى بشيء من الدلالة التي تحفظ شيئاً من ملامحه أو تذكرنا به، سوق العرب من معالم منى ومن مظاهر الحج الثقافية، ونحن عندما نشاهد مسجد الخيف في منى نستحضر مشاهد قديمة، أفواجا تؤم المسجد وشعراء تغنوا به وبمن حوله عبر العصور، فهل نرى معلماً تجارياً بمنى يحمل اسم «سوق العرب»؟ لن يعجز اللجان المسؤولة عن المشاعر المقدسة أن تطلق على جهة من منى «سوق العرب» تخصص لما كان يباع بهذه السوق.


حضر مناسبة ختان في بلدة البيضين بحلي ووجد «الثلابة» و «المزمارة» «والزلفة»..

الرحالة «ولفرد ثسيجر» في رحلته التي تجاوزت دراسة أوضاع الجراد إلى المجتمعات في تهامة


جمال تهامه يصيبها الحفا اذا مشت فوق الصخور
القنفذة – عبده احمد الناشري
ولد هذا الرحالة البريطاني ولفرد ثسيجر في أديس أبابا عام 1328ه، ودرس في جامعة أكسفورد وفي عام 1365ه قام برحلة عبر تهامة وعسير، ودوّن تفصيلات عن المجتمعات التي زارها ، وحصل على إذن من جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه- لدراسة أوضاع الجراد الذي اجتاح نواح عديدة من الجزيرة العربية ، وكان لذلك الإذن الأثر الكبير في تسهيل مهمته وحصوله على المساعدات والتسهيلات من أمراء وأعيان المناطق التي مر عليها ، وركز على تدوين المعلومات والمشاهدات العلمية المجردة ،وتجنب وصف الموائد في بيوت من استضافوه ، او الحديث عن نفسه كما فعل كثير من الرحالة الذين يسهبون في هذا الجانب .
وبدأ المستشرق يقول : بدأت رحلتي من وادي الأحسبة إلى الشمال من القنفذة ، وكان بصحبتي أحد أخوياء الإمارة، وهو شاب من الأشراف وجمالان ، واربعة من الجمال المستكراه التي تسير ، حسب العرف السائد في تهامة ، ورؤوسها مقطورة إلى ذيول بعضها البعض، حيث لايسمح لهذه الجمال بأن ترعى، بل إن أفواهها تكمم، بصفة مؤقته، بسلال على هيئة شبكة ذات فتحات يقدم من خلالها بواسطة اليد غذاء الجمال المكون من قصب الذرة الذي تحمله على هيئة حزمتين كبيرتين توضعان فوق الأحمال من الجانبين، وهي في الغالب لاتحصل على كفايتها من العلف لما في ذلك من الصعوبة وارتفاع التكلفة، وتستطيع جمال تهامة أن تنقل أحمالاً ثقيلة، ولكنها غير قادرة على الحركة فوق الصخور، وسرعان ما يصيبها الحفا عندما تسير على أرضية حجرية ، وهي ترد الماء يومياً وأحياناً مرتين في اليوم عندما يكون الجو حاراً، ويسافر هؤلاء الأعراب ليلاً خلال الصيف، وعندما ينامون يتكورون فوق الأحمال، وجمالهم تسلك الطريق دونما تردد.







لون العرضة والثلابة قديماً






وفي طريقنا إلى المخواة ، سلكنا وادي الأحسبة ، ولكنه سرعان ما يدخل الطريق في منطقة صخرية وعرة ، لاتوجد فيها الإ قرى قليلة ، وزراعة حقيرة ، وكانت تقع أمامنا بمسافة بعيدة أصدار جبال الحجاز ، وبالقرب منا تنتصب قمتان من الجرانيت يصل ارتفاعها 8 آلاف قدم هما شدا اليماني ، وشدا الشامي وهما أحد المعالم البارزة التي يسهل التعرف عليهما من بعيد ، وينمو شجر البن على هذين الجبلين.
وعند مغادرتنا المخواة ، سرنا عبر تلال جبلية ذات حوائط ذات حوائط عمودية شديدة الانحدار ، يبلغ ارتفاعها فوقنا 3 آلاف قدم ، وتتناثر المزارع على طول وادي بطاط ، حيث اكتضت ضفتاه بالزراعة التي تروى من الآبار والسيول معاً ، ثم اجتزنا وادي قنونا إلى الوراء من بطاط ودخلنا بلاد بلعريان وهي منطقة جرانيتية خصبة ، يقوم على حراستها العديد من أبراج المراقبة .
ووصلنا في اليوم التالي إلى مركز إمارة ثريبان الصغيرة التي احتفى بنا أميرها وأكرمنا ، ثم سافرنا من هنا في برد الصباح ، وسط حشد من القرويين المتجهين على الحمير، والجمال المحملة إلى سوق الثلاثاء الواقع على ضفتي وادي يبة ، ورأينا هناك محاصيل ممتازة من الذرة ، والسمسم، تسقى من جدول يتدفق في الوادي، وفي سوق عمارة الذي يقام كل يوم ثلاثاء .
وعندما اجتزنا الجدول كان ثمة راع شاب ، يشبه رمز الغابات أو الجمال عند الرومان ، وقد ملأ بساتين النخيل بترديده لأنغام موسيقية شجية تنبعث من مزماره ، ثم دخلنا أرضاً مجدبة تتكون من الصخور النارية ، والتلال الناتئة حيث توجد شجيرات متفرقة من السمر، ولو أنها عديمة الأوراق المزهرة ، وتستمر هذه المنطقة المهجورة حتى وصلنا وادي خاط .
ثم وصلنا إلى حلي ، حيث يوجد جدول صغير تدفق في الوادي ويحف به نبات الحلفا ، واحراش السلم ، والسمر وغيرها من الأشجار البرية مثل شجر الأراك ، والمرخ ، والمض ذي الزهر الأحمر ، وشجرة العدن بزهورها المحببة إلى النفس، وجذوعها العارية القبيحة، ولبنها الذي تدره من أغصانها ليتحول إلى صمغ ، ثم نبات الصبار الذي ينمو في التلال المكونة من الصخور النارية، ورأيت على طول مجرى الغيل كثيراً من الطيور .
والمحصولان الرئيسيان في تهامة هما الذرة التي تنمو في الأراضي الطينية الرسوبية ، وتنتج بذرة واحدة من ثلاث إلى خمس حصدات ، والدخن الذي يبذر بصورة عامة على المطر ،وينمو في الخبت أو الأراضي الرملية بين الأودية ، وتحصد الذرة بعد ثلاثة أشهر من بداية زراعتها ، ثم بعد ذلك كل شهرين ن بينما يصرم الدخن مرة واحدة بعد ثلاثة أشهر من تاريخ غرسة ، ويعتبر قصب الذرة علفاً جيداً حتى ولو كان يابساً .
وتوجد حول الآبار بساتين صغيرة تستنبت فيها الطماطم والباذنجان والبامية والحبحب والخربز، والنباتات ذات الروائح الزكية .
ويضيف الرحالة ثسيجر وصلت إلى البيضين ، قرية المشايخ ، لأجد الأهالي وجيرانهم يحتفلون بالختان ، وهذا الاحتفال ذو أهمية عظيمة بين هؤلاء القبائل ، وهو مناسبة للرقص الذي يستمر من أسبوعين إلى شهر ، وتتم عملية الختان لفتيان بين سن السادسة عشرة والخامسة والعشرين، وقد ختن في هذه المناسبة أربعة أولاد فقط رغم أن عدد المختونين يصل في بعض الأحيان من 8-10 أشخاص ، إنهم يرتدون ثياباً مميزة تتكون من سروال ذي طرفين مشغولين بخيوط حمراء تحيطان بأسفل الساقين تحت تنورة كاملة البياض مشدودة بحزام على الوسط ، ومعاطف حمراء براقة (سديرية) .
يتجمع الجمهور كل عصرية وفي المساء ، والثلابة يرقصون بينهم ، وادواتهم الموسيقية هي : الزلفة ، وهي طبل واسع يضرب باليدين، واثنان من الأزيار( مفرد زير) يدقان بواسطة المضاريب ، وزمارتان تدعى الواحدة منها صفريقة، تدار بواسطة الزلفة حركات الركض المعقدة التي تخضع لطابع معين، ويرقص الثلابة جماعة وفرادى ، وهم يجثمون ويحنجلون ( يهكعون ويقفزون)بينما يحملون في اياديهم خناجر مسلولة، يحركونها أمام أجسامهم ، وقد انظم إليهم طفلان صغيران ليتعلما الرقص ، وبقية الأطفال يتدربون خارج الحشد ، بينما يوجد خلفهم الجيش أو الفرسان في صف واحد ، وهم يهزون أنفسهم على وقع الطبول، ويحملون في أيديهم سيوفهم المسلولة والمشرعة إلى أعلى ، وتراهم في ضوء القمر متوجين بالزهور، ونصف عارين.
وقبل عملية إجراء الختان بيومين، انطلق الأولاد راكبين جملين ، وبصحبتهم أصدقاؤهم، وتتقدمهم راية ، ليدورا حول القرى المحيطة بهم ، حيث يحتفي بهم فيها ، ويرقصون في كل منها .
ويوم الختان يتجمع حشد كبير من المتفرجين ، وبعد ظهر هذا اليوم بوقت متأخر ، يرقص الأولاد ثم ينسحبون إلى عشة معدة لتغيير ملابسهم ، حيث يلبس الواحد منهم إزاراً من القماش ، ويصعدون على أكتاف آخرين ثم ينزل هؤلاء الثلاثة ، ويمشون بثبات أمام الجماهير ويقفون وايديهم مشدودة إلى صدورهم ، وعندئذ يتم تنفيذ الختان بواسطة رجلين، ثم يصعد الثلاثة مرة أخرى على ظهور رجال يأخذونهم إلى الفرقة الموسيقية ، ويدورون بهم بين الجماهير ، وهم يؤدون بأذرعهم وأكتافهم حركات راقصة ، وقد عرض أحد هؤلاء الثلاثة عن الركب ، وقدم عرضاً طويلاً ومدهشاً من الرقص ، ولم يظهر على أحدهم أي شيء من علامات الألم.


اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين

أم قاسية تدفع بابنها لتنفيذ حكم القصاص بابنها الآخر



سعود المطيري
في كتابه عرب الصحراء يعدد الانجليزي ديكسون مقدار الديات وديات المنافع في دولة الكويت في الثلاثينيات الميلادية كمقياس لقيمتها في الجزيرة العربية وينقل عن شيخ الكويت حينها والذي حصل عليه بدوره من كبير القضاة في الكويت كأساس لتحديد مقدار التعويض الذي تدفعه شركة الزيت المحلية للعاملين لديها في حال تعرضهم لحوادث تنتهي بالموت أو الاذى اثناء تأديتهم لمهام العمل وهي تعويض كامل بمقدار ثلاثة آلاف روبية في حالات الموت – الجنون – العمى التام – الطرش التام – فقد القدرة على الكلام – فقد لحاسة الذوق – فقد كلا اليدين – فقد كلا القدمين – فقد عين واحدة للاعور- فقد الاذنين – فقد جميع الانف – فقد الذكر ( العضو الجنسي ) اما الحالات التي يعوض بها بنصف الدية ومقدارها الف وخمسمائة روبية فهي اليد والقدم والعين والخصية ويذكر ان قانون العين بالعين والسن بالسن قانون يدركه الجميع ويعملون بمقتضاه في الجزيرة العربية غير ان هذا القانون يخضع لبعض التعديلات ليتناسب مع الظروف والبيئات المختلفة ففدية القتيل العادي لدى قبائل العراق تبلغ ثمانمائة ريال في حين ان دية السيد أو سليل الرسول صلى الله عليه وسلم بالف ومائة ريال ( وعند بعض القبائل ما يعادل ثمانمائة دولار نقدا وغلام مملوك وبندقية وذلول ) اما بين بدو نجد والاحساء والكويت فهي قرابة الف ومائتي ريال مشيرا إلى ان هذه الارقام تقل عن الارقام التي تحددها الشريعة بكثير استنادا إلى اسعار الابل القياس الشرعي للديات وتسمى بعض القبائل هذا النوع من المصالحة على دية القتيل ( بالفصل ) والتي يرافقها عادة تعويض شرف أو ( حشمة ) اذا كان الاعتداء يمس شرف القبيلة ويستشهد بحادثه تعرض لها شخصيا عام 1916م عندما وقع في كمين غادر وجرح قرب سوق الشيوخ في طريق عودته من احد الاعراس بصحبة رفيق اصطحبه لضمان سلامة العبور فقدم له شيخ القبيلة مبلغ خمسمائة ريال واربعمائة ريال اضافية الاولى تعويضا عن اراقة الدم والثانية تعويضا عن ( الحشم ) أو شرف القبيلة اما في موضوع القصاص فقد استعرض قصة بشعة ينسبها إلى شيخ الكويت الذي روها بكامل تفاصيلها اعتبرها مثالا حيا على تصميم واصرار عرب الصحراء على تنفيذ حكم القصاص مهما كان الامر فيقول عن تلك القصة الحقيقية :
كانت هناك امرأة ( .... ) من الصحراء تعيش في الكويت مع ابنائها الثلاثة وكان ابوهم قد توفي منذ زمن بعيد , وفي احد الايام تشاجر الاخ الاكبر مع اخيه الاوسط في سوق مدينة الكويت , وقتله في فورة الغضب برصاصة في صدره فمات بالحال وألقي القبض على القاتل ثم اودع في السجن , وعند سؤال الشيخ للام عن نوع العقوبة التي تريد ان يوقعها بابنها الاكبر طالبت بدمه حالا ورجته ان يرسل وراء ابنها الاصغر ليقتل اخاه الكبير بالرصاص ( حيث يقضي العرف ان ينفذ الحكم بنفس اداة القتل بواسطة احد اقارب القتيل ) , فامتلأ قلب الشيخ بالفزع من طلب المرأة الغريب وبخاصة رغبتها في تحويل ابنها الاصغر إلى قاتل لأخيه , وأخذ يرجوها لتغيير رأيها وظل يحاول ذلك عدة ايام باللجوء إلى جميع وسائل الاقناع , وقال! لها ان من غير الضروري ان تفقد اثنين من ابنائها في ضربة واحدة وبخاصة ان القتل قد تم دون سابق اصرار , ورجاها أن تسمح له أن يعالج الامر بالطريقة التي يراها مناسبة ’ غير أن المرأة أبت أن تتزحزح عن موقفها قيد أنملة , عندها أرسل الشيخ في طلب ابنها الصغير والذي كان محباً كل الحب لأخويه وأعطاه بندقية وطلب منه اطلاقها على قلب اخيه في السوق العام , غير أن الفتى رفض ذلك رفضا تاما والقى البندقية التي قدمت له على الارض عدة مرات , ولدى الضغط عليه ليفعل ذلك أرتمى على الارض فاقدا للوعي , واضطر حرس الشيخ عندئذ لتنفيذ حكم الاعدام بأيديهم , وكان الرأي البدوي العام يؤيد الام في موقفها وبالطريقة التي طلبت بها تنفيذ حكم الاعدام ولكن الام التعيسة بقيت مع ابنها الاخير الوحيد والذي انقلب ضدها لشدة قسوتها وابى ان يعيش معها أو يعيلها بعد ذلك .

اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين

مغامرة ال 12 يومًا بين آبار اللهابة والكويت لفتاتين من البادية


فيوليت وزوجها وولداها سعود وزهرة بالزي العربي امام الخيمة
سعود المطيري
نشأت صداقة بين أسرة الكولونيل ديكسون وفتاتين من الصحراء أثناء قدومهن عام 1935 م لشراء بعض اللوازم من سوق الكويت ثم ودعتا الكولونيل وزوجته أم سعود وابنتهما زهرة عندما كانت الأم وابنتها تستعدان للسفر لانجلترا لقضاء إجازتهن السنوية هناك ووعدتا الفتاتين ديكسون من أنهن سيعاودن الزيارة عندما يعلمن بعودة الأسرة قبل أن يسألهن بدهشة كيف سيعلمن بعودتها وهن يعشن بصحراء مقطوعة . ردت الأصغر سنا : سوف يصلنا النبأ حتى ولو كنا على مسافة تقطعها الجمال في عدة أيام ، ( أن أهل البادية شياطين لا يفوتهم شئ ) هكذا قالت بعدما أصرت أن يحكم بينها وبين أختها : ايهن الأكثر جمالا مظهرة أطراف جدائلها قائلة في زهو وخيلاء أختي ( ف ) ليس لديها قرونا مثل قروني ثم انصرفت قبل أن تنتظر منه أي إجابة وتركته في حيرة من أمره أثناء ما ردد : حقا إنها أميرة الصحراء والحق أن النساء البدويات يفضن بهجة من حولهن عندما يثقن ويتعرفن بك عن كثب ثم استطرد ضمن كتابه ( الكويت وجاراتها ) :
عندما عادت زوجتي من انجلترا أنجزت ( ع ) ما وعدت به وفجأة وجدناها أمامنا هي وشقيقتها ( ف ) وقد جاءتا مغامرتين من نواحي آبار ( اللهابة ) في الصمان على مسيرة ( 12 ) يوما يرافقهما حارس من أبناء القبيلة وقالتا إن زوجيهما سيحضران في أثرهما خلال أسبوع . وعندما سألتهما ما إذا كانتا لا تخشيان السفر طوال تلك الفترة بمفردهما ومعهما رجل لا تصحبه زوجته انفرجت أساريرهما وبدتا كأنهما أدركتا المعنى الذي اقصده فشرحتا لي الأمر قائلتين : فيما يتعلق بالبادية فليس هناك أي خطر لان بن سعود تكفل بذلك واستقر الأمن , وأما إن كنت تلمح إلى أن سيدتين يصاحبهما رجل للحراسة أثناء سيرهما منفردتين , فهذا أمر طبيعي تماما في البادية فالنساء آمنات دائما هناك , لأن البدو يتحلون بروح الفروسية , ولا يمكن أن يصيبوا أنثى بأذى حتى ولو كان ذلك مقابل كل ذهب العالم , والى جانب ذلك ألسنا بنات أصل وفصل وأميرات في موطننا الصحراء , أما بالنسبة لحارسنا فبعد أن يقوم بإعداد كل ما يلزمنا طوال الليلة , يضعه وراء حاجز الخيمة , ثم ينصرف لينام بعيدا بمفرده , ولا شك أن الرجال في بلادكم يفهمون أن لمس الأنثى حرام .






أميرة الصحراء




كانت ( ع ) و ( ف ) جميلتين إلى أبعد الحدود ولكن الهزل كان قد أخذ منهما كل مأخذ إلى درجة تبعث على الرثاء بعد رحلة الصيف الطويلة إن الحياة التي تعيشانها هي اشق وأقسى ما يمكن لإنسان أن يتحمله : الحد الأدنى من الطعام وهو طعام واحد لا يتنوع ولا وجود لأي رعاية صحية أو ملابس نظيفة وكل ذلك في مناخ تبلغ درجة الحرارة فيه في الظل وداخل الخيام 130 ( ف ) والصيف ينهك هؤلاء الناس فيتحولن عند نهايته إلى كائنات هزيلة كالأشباح ويبدو عليهن الشحوب والوهن كما هي حال ما يصاحبهما من أبل ولا غرابة أذن أن يصاب البدو بكل أعراض الشيخوخة المبكرة , ومن الناحية الأخرى وأيضا كما هي الحال مع إبلهم فهم سرعان ما يستردون صحتهم وحيويتهم إذا هطلت الأمطار وعند ما يتوفر لهم القدر الملائم من لبن الإبل الذي يفيض نتيجة لتحسن الأحوال , تمتلئ منها الأجساد وتكتسي لحما بشكل سريع يلفت الأنظار
بعد أربعة أيام أقمنا حفلا ساده المرح عند ما جاءت الشقيقتان تصاحبهما ابنة احد شيوخ البادية المعروفين ورحبت زوجتي بالضيفات الثلاث كل ترحيب وأيضا بعدد من السيدات من مطير في مأدبة نسائية بحتة في غرفة الاستقبال بالطابق السفلي المخصصة للزائرات من نساء البدو , وكانت بخيته هناك وجارية أخرى تدعى مبروكة وهن من الجواري اللاتي اعتقن مؤخرا من شيوخ احد القبائل ويعملن الآن في إدارة ما يشبه الفندق الصغير في الكويت ( هدية من الشيخ مبارك ) تنزل به قرينات شيوخ مطير عند ما يجئن إلى المدينة واشتملت قائمة الطعام على خروف كامل وبعض الدجاج المشوي ومرق الطعام وأكوام من الأرز وبعد انتهاء المأدبة انضممت إليهن بينما أقداح القهوة تدور عليهن ولم أنس أن أطلب من ( ف ) خاتمها لأحتفظ به كتذكار لهذه المناسبة وكان خاتما جميلا من الفضة وان كان بيضاوي الشكل مرصع ببعض من الفيروز الأخضر في حجم نصف بنس وأعطته لي وعلى وجهها ابتسامة جذابة تنم عن دلال أنثوي غامر وأدب رفيع يليق بأميرات البادية فأخذته وأضفته إلى مجموعة النفائس التي في حوزتي وغالبا ما كنت أدعها تراها كلما جاءت لزيارتنا .

اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين

الفرنسي هوبر يعبر الطرفية ويزور (عين بن فهيد) عام 1882 م


الصخرة التي شبهها الرحالة بالطاولة ويبدو في الخلف أطلال ما يسمى بقصر مارد
اعداد وتصوير:سعود المطيري
(عين بن فهيد) مدينة تاريخية تعد واحدة من أهم بلدات منطقة القصيم قديما وأكثرها شهرة اكتسبت مسماها من اسم باعثها محمد بن فهيد عام 1203ه تقريبا الذي استقطعها من الإمام عبدالعزيز بن محمد آل سعود وأعاد استنباط عيونها الشهيرة التي أكسبتها أهمية اقتصادية على مستوى المنطقة بزراعة أهم سلعتين رئيسيتين القمح والتمور وبكميات تجارية كان جزء منها يقدم للضيف والمحتاج وعابر السبيل وتعد حاليا العاصمة الإدارية لمحافظة الأسياح، زارها المستشرق الفرنسي تشارلز هوبر سنة 1882م مرورا ببلدة الطرفية وقدم وصفا سريعا لعين بن فهيد التي قدر عدد سكانها ب 600 نسمة تمنينا معه لو نقل لنا صورة متكاملة عن النشاط وعن الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تميزت بها هذه البلدة في تلك الفترة بدلا من الاستغراق في الوصف (الطبوغرافي ). وقال عن تلك الزيارة في كتابه رحلة في الجزيرة العربية الوسطى:
بعد وصولي بأربعة أيام قمت برحلة شمال بريدة إلى عين بن فهيد وهي بلدة قديمة جدا يغذي نخيلها خمسة ينابيع، إنما مياهها الصافية والجميلة غير صالحة للشرب لانها متخمة بأملاح الكلس والماغنيسيوم وفي منتصف الطريق توقفت ساعة خارج قرية فقيرة تعد 60 شخصا تدعى ( الطرفية ) فأثر اختفاء الماء من الآبار قبل أربع سنوات تفرق معظم سكانها في بلدات أخرى وماتت كل أشجار النخيل وظلت جذوعها المجردة من الورق منتصبة في الهواء على نحو محزن وكأنها غابة من عصي المكانس كانت جميلة فيما مضى فكلها أشجار نخيل يتراوح عمرها بين 100 – 120 سنة، يزرع السكان بالماء القليل المتبقي الشمام والبطيخ ويعملون على جمع الخشب في الصحراء ويبيعونه في بريدة، كما يبيعون الشمام والبطيخ في المقابل ( عين بن فهيد ) في ازدهار مطرد، وقد رأيت فيها عدة مزارع نخيل فتي تخص إحداها الأمير حسن المهنا وعلى مسافة 3 كم شمالا 76 درجة شرقا من البلدة أطلال قديمة تدعى قصر مارد عبارة عن مبنى كبير مربع ضخم جدا بني بالحصى والملاط الكلسي طول أضلاعه 40 مترا تقريبا وأضلاع الباحة الداخلية 30 مترا يواجه باب المدخل الغربي أي القرية الواقعة على قمة تلة صغيرة تشرف على المنطقة
على بعد خطوات من الجانب الشمالي للقصر صخرة على شكل طاولة يتراوح طولها بين 40-50 مترا وارتفاعها متران تحمل نقوشا حميرية عديدة ولكنها ممحوة ولم أتمكن من نسخ الا بعضها من الناحية المقابلة للقرية تقريبا على بعد 2كم إلى الشمال الغربي فوهة بركان قديمة تشير اليها كتل كبيرة من الحث منتشرة على مساحة 500 م وأحيانا مغطاة كليا بالنقوش ولكن هذه النقوش التي سمعت كثيرا عنها في بريدة وحائل تعود إلى حقبة حديثة نسبيا بأحرف عربية غير ان بعض آثار أحرف حميرية تدل على مرور فنانين أكثر قدما على غرار بلدات عديدة أخرى في الجزيرة بالأخص في نجد فقد تحملت عين بن فهيد نتائج كل الثورات التي هزت هذا البلد فأفرغت مرارا من سكانها وعادت آهلة، الإقامة الحالية ترقى إلى ثمانين سنة وبالطبع فان أحدا من السكان الحاليين لا يعرف شيئا عن الذين سبقوه في هذا المكان تأييدا لقدم عين بن فهيد، غاب عن بالي ذكر وجود كهفين مقببين في الطرف الشمالي الشرقي متلاصقين، ولكنني لم استطع تفحصهما عن كثب لأنهما مملوءان بكل أنواع الحطام وفي ذلك واقع لافت يستحق الذكر. ذلك انه من دمشق حتى غزة ومن الأحساء حتى البحر الأحمر لم أر مثيلا لهما ولا اعتقد انه يوجد غيرهما ويبلغ عرض النفود الممتد شرقي عين بن فهيد 65 ميلا بحسب إفادة العرب المخيمين قرب القرية لدى مروري في اليوم الثالث غادرت عين بن فهيد قبل الفجر بوقت طويل وبعد ساعتين قادتنا مسيرة عشرة كيلو مترات جنوبا 10 درجات شرقا إلى آبار (وسيطه) المهمة لأنها تزود عين بن فهيد بمياه الشرب
كل ليلة قرابة منتصف الليل يذهب رجلان يقودان خمسة عشر حمارا من القرية حاملة قرب السكان ويملئونها من آبار وسيطة ويسيرون مسافة 20كم للحصول على كمية المياه اليومية اللازمة وأي مياه ..! لم أر في حياتي ماء موحلة إلى هذه الدرجة أما مذاقها فباستثناء مياه الشقيق في النفود لا اذكر أني شربت ماء بهذه النتانة ومع ذلك يا للسخرية المرة. تجري ينابيع القرية تسقي النخيل صافية كمياه الصخور عندنا تقع مياه الآبار على عمق بين 4- 5 أمتار تحت طبقة من الأرض الصلصالية وبما ان جدران الآبار من التربة تنهار بسهولة، ان وضع هذه البلدة والطرفية الهش فيما يتعلق بمسألة حيوية يظهر بأن الصراع للبقاء في بعض مناطق الشرق يفوق الصراع عندنا في حدته بما لا يقاس.





امتداد إحدى العيون التاريخية حسب انسياب الماء






روضة عين ابن فيهد التي تسقيها العيون تبدو من أحد أقواس قلعة مارد الشهيرة وتبدو في الخلف عين ابن فيهد القديمة





التوقيع :

ادراك في نونها والنون=يدراك عن جفنها الساهر
لجلك كما الروح يالمضنون=منته. مجرد هوى عابر
    رد مع اقتباس