|
|
اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين..
فيلبي ينطلق للربع الخالي بعد نحره جربوعا..
=========
إعداد - سعود المطيري
============
تعد رحلة هاري سانت جون فيلبي (عبد الله فيلبي) الى مجاهل الربع الخالي واحدة من أشهر الرحلات العلمية والاستكشافية وأكثرها إثارة بدأها في العام 1918م واستكملها بعد أربعة عشر عاما من المحاولة الأولى عند ما نجح في الأخيرة من الوصول الى أبعد نقطة، عودة الى وادي الدواسر الذي أنهى عنده الرحلة الاولى.. هاهو ينطلق مرة أخرى وهذه المرة من الإحساء بدعم ومساندة من الملك عبد العزيز طيب الله ثراه يقول فيلبي واصفا الليلة التي سبقت انطلاق الرحلة :
==========
اتفقت مع سعود بأن يتحرك الرجال والجمال الذين تم اختيارهم للمغامرة الكبرى في اليوم التالي (السادس من يناير) الى آبار الدليقية والانتظار هناك حتى الحق بهم غدا بالسيارة. وانصرفت أنا لإعداد برنامج دقيق مرض للرحلة وكان من حظي والشكر هنا يعود لإبراهيم بن معمر وهو صديق قديم منذ عام 1918م ان عثرت على بديل ممتاز لمرافقي عبد اللطيف في شاب يدعى سعد بن عثمان من المجمعة في سدير له بعض الخبرة في السفر لبلاد أجنبية إذ زار مدينة بومباي والبصرة ورافق ابراهيم في الحملة كما شارك في الأحداث التاريخية فقد كان سعد نشطا ذا عقل راجح وطموحا وكان ينظر إلى كهبة إلهية يمكن ان يحقق من خلالها بعض تلك الطموحات كما كان يعد الثروة وتعدد الزوجات بمثابة منتهى السعادة البشرية وكنت ابادله اطراء مشوباً بالتملق لشخصي في اطار انه فعلا كان رجلا غير عادي.
=======
سعى سعدان.. تدليلاً لاسمه الذي عرف به في الغالب منذ البداية الى خلق انطباع جيد عنه فقد نقب مستفيدا من اطلاعه مع سيده السابق في مخازن الحكومة عن كل شئ يمكن ان يضمن لي وله الراحة من مال وملابس وصابون وبسكويت ومربى وماء كولونيا وما شاكل ذلك وبحلول مساء السادس من يناير تمت تعبئة ثمانية صناديق خشبية مزودة بأقفال وأغطية ذات مفصلات بكل ممتلكاتي الضرورية منها وغير الضرورية وقد بذل سعدان جهدا كبيرا في ذلك مما يؤكد كفاءته واستمتاعه بصخب وأهمية دوره الجديد ومع ذلك كان صوته يهتز خوفا وتهبط معنوياته كلما تحدث عن الربع الخالي. كان قد ترك زوجته وصغيره في مكة منذ فترة طويلة عندما رافق ابراهيم في مهمة في الإحساء وربما كان يتوجس خيفة بأنه لن يراهما ثانية.
اغتنمت فرصة انشغال الرجال بالإعداد للرحلة وتحميل الجمال وقمت بزيارة محطة التلغراف اللاسلكي الجديد المتنقلة في قلعة ابراهيم باشا لضبط ساعاتي نصف (الكرونومترية) عن طريق مؤشر الوقت الصادر من مقديشو ثم اتصلت بعد ذلك بالأمير عبد الله بن جلوي للسماح لي بالمغادرة وعندما ذهبت اليه وجدت عنده القائد المعين للحملة ونائبه وشرع الأمير في حضورنا جميعا في كتابة مسودات خطابات معينة تفيدنا في الصحراء وبينما كان السكرتير يعد نسخا من هذه الخطابات على الآلة الكاتبه تمهيدا للتوقيع عليها انكب الأمير على أولئك الذين كان على وشك تسليمي لهم خلال الرحلة حتى عودتنا سالمين الى حيث المدنية ويبدو انه ناقش معهم كل شيء بالتفاصيل قبل مجيئي ولذلك كان حديثه الحالي مجرد شكليات لإفادتي بما دار من قبل ولكنه كان مؤثرا على نحو مميز قال الأمير (انتبه ياأنت) موجهاً حديثه الى زايد المنخس وهو رجل من قبيلة بني هاجر عاش كثيرا في المدن وخدم الحكومة طويلا انتبه جيدا هذا الرجل مشيرا إليَّ: له مكانة عزيزة لدى الملك ولدينا جميعا تيقن من ان توليه كل عنايتك وان تلبي كل احتياجاته بقدر ما تستطيع ستأخذه الى الجافورة وحتى الى سلوى والسكك ونباك حتى تصل الى يبرين واخدمه في كل الحالات كما لو كنت تخدمني ومن هنا ستذهب الى مقينمة وما بعد ذلك لا اعرفه فهو يتحدث عن وبار فخذه الى هناك فلديك مرشدون يعرفون الصحراء هناك. ويمكنك ان تأخذه الى حضرموت اذا ما عثرت على الأشخاص الذين خاطبتهم في رسائلي.. سيف بن طناف وابن جالوت - لقد نسيت اسمه وآخرين تجنب المخاطر ولكن خذه الى حيث يريد، حياته تفديها بحياتك ولا تنسى هذا وعند عودتك عليك ان تأتي عبر الصحراء وحتى عبر الربع الخالي الى وادي الدواسر فقد سبقك رفقاؤك الى الدليقية وستذهب أنت مع الرجل بالسيارات وفي حفظ الله ولكن تيقن من تنفيذ كل أوامري وأكثر وعندما انتهى من حديثه دخل رجلان المجلس موفدان من قبل الملك عبد العزيز وإذا بهما شخصان اعرفهما حق المعرفة هما إبراهيم بن جميعه وسعد اليميني اللذان رافقاني الى وادي الدواسر عام 1918م انه لفأل حسن تذكرت ذلك وأنا أقوم بتوديع الأمير واقبل رأسه وأمسك محييا بشدة على يده التي أطلقتنا في طريق المغامرة الكبيرة التي كنت احلم بها
خرجنا من المجلس وافترقنا بعد ان تواعدنا على اللقاء غدا فقد كان كل شيء معدا وجاهزا وقبل ان اخلد الى النوم قمت بسلخ جربوع كنت قد اصطدته في العقير ثم أويت الى فراشي ونمت نوما متقطعا احلم أحلاما مزعجة عن الجرابيع المسلوخة ومزواة مقاومة للصدأ فقد كانت هذه آخر ليلة اقضيها تحت سقف.
اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين..
===========
فوردر يشهد عملية إفاقة (جمل سكران) أوقف رحلتهم !!
اعداد / سعود المطيري
=========
ارتشيبالد فوردر رحالة انجليزي انطلق من القدس محاولا دخول الجزيرة العربية في مهمة استكشافية ولم يتمكن من ذلك الا في المحاولة الرابعة التي بدأها في العام 1900م ومثل اغلب الرحالة الذين سبقوه فقد بدأ رحلته من خلال منطقة الجوف الا انه ضمن القلائل الذين تمسكوا بنصرانيتهم مما عرضه لضغوط وتهديد كاد ان يودي بحياته، كان فوردر يشق طريقه مع القافلة عند ما تعرض جمله لحالة سكر جعلته يترنح ثم يبرك رافضا مواصلة الرحلة مما جعله يستنجد بأهل الخبرة من أعضاء رحلته الذين استطاعوا تشخيص الحالة وإبداء براعة فائقة في محاولة إفاقة الجمل السكران ومن ثم استئناف الرحلة التي تحولت بعد ذلك الى مهام إنقاذ بعض المقطوعين في الصحراء إليكم الحادثة الطريفة كما رواها فوردر ضمن يومياته المثيرة:
==========
سافرنا في الصحراء أربعة ايام دون ان نجد ماء كنا نتوقع ان نعثر على مياه سطحية ولكن خاب أملنا وعند غروب الشمس في الرابع وجدنا الماء في حوض كبير بين الصخور التي دخلنا بينها وكان الماء متسخا ولاذع الطعم لأن الجمال شربت منه وأقامت فيه واستحمت ليوم كامل، وقبل ان نملأ القرب من الماء وجدت جمالنا طريقها إليه مما زاد الماء عكرا واتساخا. وكنا شاكرين لله فضله بان أعطانا الماء لنصنع خبزنا ونشرب منه.
==========
في اليوم الثاني ونحن نتحرك أنهار جملي من تحتي ورفض التحرك، والنهوض واستدعيت بعض الرجال وعندما رأوا الدموع تنساب من عينيه قالوا لي: ان جملك ثمل ولا يستطيع الحركة لأنه (سكران) لقد أكل نوعا من العشب فانتشى وتخدر. احضروا ماء وبلوا فيه بعض العشب وربطوه على عنق الحيوان، وجهزوا عصارة للتمر وخلطوها بالملح والدقيق وعندما تم تحضير هذه الخلطة فتحوا فم الجمل وقذفوا بالخلطة الى حلقه وفي حوالي نصف ساعة توقفت الدموع واستعاد الحيوان وعيه وانطلق مع الآخرين. في تلك الليلة عثرنا على ينبوع من الماء أسوأ من الذي وجدناه قبله، وعسكرنا قريبا منه وفي اليوم التالي أخذتنا المفاجأة عندما رأينا عن بعد رجلا يتجه إلينا فتحرك بعض رجالنا لمقابلته ولم يعرفوا ماذا كان كشافا لعدو أم صديق، جاءوا بذلك الشخص إلينا ولم يكن قادرا على الكلام، واشار في طلب الماء، فأعطيناه الماء وقال انه واحد من تسعة أشخاص تحركوا عبر الصحراء على ظهور جمالهم وكانوا مزودين بالماء والطعام ولكن اعترضهم قطاع الطرق ونهبوا منهم كل شيء ولثمانية ايام ظلوا بلا ماء او غذاء وان زملاءه مرتمون على الرمال بلا حراك على مسافة غير بعيدة من هنا، وعبرت قافلتنا من بعيد فرأوها وكان هو الأقدر على الحركة فجاء إلينا وأعطيت الرجل قربة ماء وشيئا من دقيق وتمر وغادرناه مبتهجا بحظه السعيد.
=========
في ذلك المساء وبينما كنا نعسكر في الوادي وكان مليئا بالأحجار والشجيرات استشعرنا خطرا ولكنه انتهى بسلام. كان الرجال يجلسون حول النار عندما انتقل الهمس بينهم بان اصواتا تأتي من الوادي وأطبق على الجميع صمت وفي هدأة الليل أمكن استماع أصوات رجال يتحدثون بشكل واضح ومن معه سلاح هب إليه على الفور واستعد لملاقاة أي شيء ولما لم يظهر شيء تحرك بعض رجالنا لاستجلاء الخبر وبعد قليل سمعنا أصوات البنادق وتخيلنا ان الأصوات التي سمعنا أصوات أعداء ولكن بتتبعنا لأصوات البنادق سمعنا صرخات ترحيب أصدقاء... أصدقاء وبعد عشرة دقائق عاد رجالنا ومعهم 12رجلا من ذوي الوجوه المتوحشة التي يندر ان يراها الإنسان.
===========
بنظرة واحدة في تلك الوجوه الكالحة يدرك المرء ان أصحابها عانوا الحرمان والإرهاق وتم إعادة إشعال النيران وابتدأ السمر واعدت القهوة للضيوف الجدد حيث اخبرونا بقصتهم وهي باختصار: لقد تحركوا من الجوف قبل أسبوعين بهدف الوصول الى دمشق للبحث عن عمل ولم يكن لديهم جمال ولكن معهم طعام يكفي لفترة اذا استمر الحال على ما يرام، ومعهم قِرَبٌ للماء فارغة ليملأوها اذا وجدوا ماء في طريقهم، حيث كانوا يفترضون وجوده. جلد القرب هذه كان جافا فتشققت ولم يشربوا ماء لفترة طويلة. كما ان عدم معرفتهم بالطريق جعلهم يتوهون في الصحراء. فانتهى الطعام والشراب الذي كان معهم واستمروا يضربون في الصحراء بلا هدي لمدة خمسة ايام جوعى وعطشى ومرهقين. وفي ذلك اليوم وقعوا على أثر أقدام جمالنا فتابعوها حتى وصلوا إلينا حيث نعسكر، أعدننا لهم الخبز وبينما يتم خبزه أعطيتهم كمية جديدة من التمر الذي احمل معي فشكروني وفي اليوم التالي سافروا معنا.
===========
* الرحالة الأوربيون في شمال الجزيرة
|