ملتقى قبيلة حرب الرسمي

ملتقى قبيلة حرب الرسمي (http://www.m-harb.net/vb/index.php)
-   ملتقى المقتطفات الشعريه والشعر الفصيح والزواميل واالقصائد المنقولة (http://www.m-harb.net/vb/forumdisplay.php?f=99)
-   -   اعزائي أدخلوا وخذوا ما يفيد وأحذفوا ما لا يفيد (http://www.m-harb.net/vb/showthread.php?t=5877)

محمد سعد اليوبي 05-12-06 09:12 PM

اعزائي أدخلوا وخذوا ما يفيد وأحذفوا ما لا يفيد
 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعض القصائد لعلها تكون مشاركة موفقة
وما أحسن ما نظم النسب النبوي الإمام أبو العباس عبد الله بن محمد الناشىء في قصيدته المشهورة المنسوبة إليه وهي قوله:
مدحت رسول الله أبغي بمدحه * وفور حظوظي من كريم المآرب
مدحت امرءاً فاق المديح موحداً * بأوصافه عن مبعد ومقارب
نبيا تسامى في المشارق نوره * فلاحت هواديه لأهل المغارب
أتتنا به الأنباء قبل مجيئه * وشاعت به الأخبار في كل جانب
وأصبحت الكهان تهتف باسمه * وتنفي به رجم الظنون الكواذب
وأنطقت الأصنام نطقا تبرأت * إلى الله فيه من مقال الأكاذب
وقالت لأهل الكفر قولاً مبيناً * أتاكم نبي من لؤي بن غالب
ورام استراق السمع جن فزيلت * مقاعدهم منها رجوم الكواكب
هدانا إلى ما لم نكن نهتدي له * لطول العمى من واضحات المذاهب
وجاء بآيات تبين أنها * دلائل جبار مثيب معاقب
فمنها انشقاق البدر حين تعممت * شعوب الضيا منه رؤوس الأخاشب
ومنها نبوع الماء بين بنانه * وقد عدم الوراد قرب المشارب
فروى به جما غفيرا وأسهلت * بأعناقه طوعا اكف المذانب
وبئر طغت بالماء من مس سهمه * ومن قبل لم تسمح بمذقة شارب
وضرع مراه فاستدَّر ولم يكن * به درة تصغي إلى كف حالب
ونطق فصيح من ذراع مبينة * لكيد عدو للعداوة ناصب
وإخباره بالأمر من قبل كونه * وعند بواديه بما في العواقب
ومن تلكم الآيات وحي أتي به * قريب المآني مستجم العجائب
تقاصرت الأفكار عنه فلم يطع * بليغاً ولم يخطر على قلب خاطب
حوى كل علم واحتوى كل حكمة * وفات مرام المستمر الموارب
أتانا به لا عن رؤية مرتىء * ولا صُحْف مُسْتَمُل ولا وصف كاتب
يواتيه طوراً في إجابة سائل * وإفتاء مستفت ووعظ مخاطب
وإتيان برهان وفرض شرائع * وقص أحاديث ونص مآرب
وتصريف أمثال وتثبيت حجة * وتعريف ذي جحد وتوقيف كاذب
وفي مجمع النادي وفي حومة الوغى * وعند حدوث المعضلات الغرائب
فيأتي على ما شئت من طرقاته * قويم المعاني مستدر الضرائب
يصدق منه البعض بعضاً كأنما * يلاحظ معناه بعين المراقب
وعجز الورى عن أن يجيئوا بمثل ما * وصفناه معلوم بطول التجارب
تأتى بعبد الله أكرم والد * تبلج منه عن كريم المناسب
وشيبة ذي الحمد الذي فخرت به * قريش على أهل العلى والمناصب
ومن كان يستسقي الغمام بوجهه * ويصدر عن آرائه في النوائب
وهاشم الباني مشيد افتخاره * بغر المساعي وامتنان المواهب
وعبد مناف وهو علم قومه اشتطاط * الأماني واحتكام الرغائب
وإن قصياً من كريم غراسه * لفي منهل لم يدن من كف قاضب
به جمع الله القبائل بعد ما * تقسمها نهب الأكف السوالب
وحل كلاب من ذرى المجد معقلاً * تقاصر عنه كل دان وغائب
ومرة لم يحلل مريرة عزمه * سفاه سفيه أو محوبة حائب
وكعب علا عن طالب المجد كعبه * فنال بأدنى السعي أعلا المراتب
وألوى لؤي بالعداة فطوعت * له همم الشم الأنوف الأغالب
وفي غالب بأس أبي البأس دونهم * يدافع عنهم كل قرن مغالب
وكانت لفهر في قريش خطابه * يعوذ بها عند اشتجار المخاطب
وما زال منهم مالك خير مالك * وأكرم مصحوب وأكرم صاحب
وللنضر طول يقصر الطرف دونه * بحيث التقى ضوء النجوم الثواقب
لعمري لقد أبدى كنانه قبله * محاسن تأبى إن تطوع لغالب
ومن قبله أبقى خزيمة حمده * تليد تراث عن حميد الأقارب
ومدركة لم يدرك الناس مثله * أعف وأعلى عن دني المكاسب
وإلياس كان إلياس منه مقارناً * لأعدائه قبل اعتداد الكتائب
وفي مضر يستجمع الفخر كله * إذا اعتركت يوماً زحوف المقانب
وحل نزار من رياسة أهله * محلاً تسامى عن عيون الرواقب
وكان معد عدة لولية * إذا خاف من كيد العدو المحارب
ومازال عدنان إذا عد فضله * توحد فيه عن قرين وصاحب
وأد تأدي الفضل منه بغاية * وأرث حواه عن قروم أشايب
وفي أدد حلم تزين بالحجا * إذا الحلم أزهاه قطوب الحواجب
ومازال يستعلي هميسع بالعلى * ويتبع آمال البعيد المراغب
ونبت بنته دوحة العز وابتنى * معاقله في مشمخر الأهاضب
وحيزت لقيذار سماحة حاتم * وحكمة لقمان وهمه حاجب
هموا نسل إسماعيل صادق وعده * فما بعده في الفخر مسعى لذاهب
وكان خليل الله أكرم من عنت * له الأرض من ماش عليها وراكب
وتارح مازالت له أريجة * تبين منه عن حميد المضارب
وناحور نحار العدى حفظت له * مآثر لما يحصها عد حاسب
وأشرع في الهيجاء ضيغم غابة * يقد الطلى بالمرهفات القواضب
وأرغو ناب في الحروب محكم * ضنين على نفس المشح المغالب
وما فالغ في فضله تلو قومه * ولا عابر من دونهم في المراتب
وشالخ وأرفخشذ وسام سمت بهم * سجايا حمتهم كل ذار و عائب
و ما زال نوح عندي ذي العرش فاضلاً * يعدده في المصطفين الأطايب
ولملك أبوه كان في الروع رائعاً * جريئاً على نفس الكمي المضارب
ومن قبل لملك لم يزل متوشلخ * يذود العدى بالذائدات الشوازب
وكانت لإدريس النبي منازل * من الله لم تقرن بهمة راغب
ويارد بحر عند آل سراته * أبى الخزايا مستدق المآرب
وكانت لمهلاييل فهم فضائل * مهذبة من فاحشات المثالب
وقينان من قبل اقتنى مجد قومه * وفاد بشأو الفضل وخد الركائب
وكان أنوش ناش للمجد نفسه * ونزهها عن مرديات المطالب
ومازال شيث بالفضائل فاضلاً * شريفاً بريئاً من ذميم المعائب
وكلهم من نور آدم أقبسوا * وعن عوده أجنوا ثمار المناقب
وكان رسول الله أكرم منجب * جرى في ظهور الطيبين المناجب
مقابلة آباؤه أمهاته * مبرأة من فاضحات المثالب
عليه سلام الله في كل شارق * ألاح لنا ضوءاً وفي كل غارب
*******
لما خشي أبو طالب دهم العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانها منها، وتودد فيها أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في شعره أنه غير مسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تاركه لشيء أبداً حتى يهلك دونه، فقال:
ولما رأيت القوم لاودَّ فيهم * وقد قطعوا كلَّ العُرى والوسائل
وقد صارَحُونا بالعداوةِ والأذى * وقد طاوعوا أمر العدوِّ المزايل
وقد حالفوا قوماً علينا أظنّةً * يعضون غيظاً خلفنا بالأنامل
صبرت لهم نفسي بسمراء سمحةٍ * وأبيضٍ غضبٍ من تراث المقاول
وأحضرت عند البيت رهطي وأخوتي * وأمسكت من أثوابه بالوصائل
قياماً معاً مستقبلين رتاجه * لدى حيث يقضي حلفه كلَّ نافل
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم * بمفضى السيول من إسافٍ ونائل
موسمة الأعضاد أو قصراتها * مخيَّسة بين السديس وبازل
ترى الودْعَ فيها والرخامَ وزينةً * بأعناقها معقودةً كالعثاكل
أعوذ برب الناس من كلّ طاعنٍ * علينا بسوءٍ أو ملحٍ بباطل
ومن كاشح يسعى لنا بمعيبةٍ * ومن ملحقٍ في الدين مالم نحاول
وثورٍ ومن أرسى ثبيراً مكانه * وراقٍ ليرقى في حراءَ ونازل
وبالبيت حق البيت من بطن مكةٍ * وبالله إن الله ليس بغافل
وبالحجر المسودّ إذ يمسحونه * إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبةً * على قدميه حافياً غير ناعل
وأشواط بين المروتين إلى الصفا * وما فيهما من صورةٍ وتماثل
ومن حج بيت الله من كل راكب * ومن كل ذي نذرٍ ومن كل راجل
وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له * الإل إلى مفضي الشراج القوابل
وتوقافهم فوق الجبال عشيةً * يقيمون بالأيدي صدور الرواحل
وليلة جمعٍ والمنازل من منى * وهل فوقها من حرمةٍ ومنازل
وجمعٍ إذا ما المقربات أجزنه * سراعاً كما يخرجن من وقع وابل
وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها * يؤمون قذفاً رأسها بالجنادل
وكندةَ إذ هم بالحصاب عشية * تجيز بهم حجَّاجُ بكرِ بن وائل
حليفانِ شدَّا عقد ما احتلفا له * وردَّا عليه عاطفات الوسائل
وحطمهمُ سُمرَ الرماحِ وسرحه * وشبرقه وخدُ النعامِ الجوافل
فهل بعدَ هذا من معاذٍ لعائذ * وهل من معيذٍ يتقي الله عادل
يطاع بنا أمر العدا ودّ أننا * يسد بنا أبواب ترك وكابل
كذبتم وبيت الله نترك مكةً * ونظعن إلا أمركم في بلابل
كذبتم وبيت الله نبذي محمداً * ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرَّع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وينهض قومٌ بالحديد إليكم * نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل
وحتى نرى ذا الضغن يركب ردعه * من الطعن فعل الأنكب المتحامل
وإنا لعمر الله إن جدَّ ما أرى * لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
بكفي فتى مثل الشهاب سميْدعٍ * أخي ثقةً حامي الحقيقة باسل
شهوراً وأياماً وحولاً محرماً * علينا وتأتي حجة بعد قابل
وما تركُ قوم -لا أبالك - سيداً * يحوط الذمار غير ذرب مواكل
وأبيضُ يستسقي الغمام بوجهه * تمالِ اليتامى عصمةٍ للأرامل
يلوذُ به الهلاك من آل هاشمٍ * فهم عنده في رحمةٍ وفواضل
لعمري لقد أجرى أسيد وتكره * إلى بغضنا وجزآنا لآكل
وعثمانُ لم يربَع علينا وقنفذٌ * ولكن أطاعا أمرَ تلك القبائل
أطاعا أبيّاً وابن عبدِ يغوثِهم * ولم يرقبا فينا مقالةَ قائل
كما قد لقينا من سبينع ونوفلٍ * وكل تولى معرضاً لم يجامل
فإن يلفيا أو يمكِن الله منهما * نكل لهما صاعاً بصاع المكايل
وذاك أبو عمرو أبي غير بغضنا * ليظعننا في أهل شاءٍ وجامل
يناجي بنا في كل ممسى ومصبحٍ * فناجِ أبا عمرٍو بنا ثم خاتل
ويؤلي لنا بالله ما أن يغشنا * بلى قد تراه جهرةً غير خائل
أضاق عليه بغضنا كل تلعةٍ * من الأرض بين أخشبٍ فمجادل
وسائل، أبا الوليد ماذا حبوتنا * بسعيك فينا معرضاً كالمخاتل
وكنت امرءاً ممن يعاش برأيه * ورحمته فينا ولست بجاهل
فعتبة لا تسمع بنا قولَ كاشحٍ * حسودٍ كذوبٍ مبغض ذي دغاول
ومرَّ أبو سفيان عني معرضاً * كما مرَّ قيل من عظام المقاول
يفرُّ إلى نجدٍ وبرد مياهه * ويزعم أني لست عنكم بغافل
ويخبرنا فعل المناصح أنه * شفيقٌ ويخفي عارماتِ الدواخل
أمطعمُ لم أخذلك في يوم نجدةٍ * ولا معظمٍ عند الأمور الجلائل
ولا يومَ خصمٍ إذ أتوك ألدة * أولى جدلٍ من الخصومِ المساجل
أمطعم إن القوم ساموك خطةً * وإني متى أوكل فلست بوائل
جزى الله عنا عبدُ شمس ونوفلا * عقوبة شرٍ عاجلاً غير آجل
يميران قسطٍ لا يخيس شعيرةً * له شاهدَ من نفسهِ غيرُ عائل
لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا * بني خلفٍ قيضاً بنا والغياطل
ونحن الصميمُ من ذؤابةِ هاشم * وآل قصي في الخطوب الأوائل
وسهمٍ ومخزوم تمالوا وألَّبوا * علينا العِدى من كل طملٍ وخامل
فعبدُ منافٍ أنتم خيرُ قومكم * فلا تشركوا في أمركم كل واغل
لعمري لقد وهنتم وعجزتم * وجئتم بأمرٍ مخطئٍ للمفاصل
وكنتم حديثاً حَطبَ قدْرٍ وأنتم * الآن أحطابُ أقدرٍ ومراجل
ليهن بني عبد مناف عقوقنا * وخذلاننا وتركنا في المعاقل
فإن نك قوماً نتَّئر ما صنعتم * وتحتلبوها لقحة غير باهل
فأبلغ قصياً أن سينشرَ أمرُنا * وبشِّر قصياً بعدنا بالتخاذل
ولو طرقتُ ليلاً قصياً عظيمةٌ * إذا ما لجأنا دونهم في المداخل
ولو صدقوا ضرباً خلال بيوتهم * لكنَّا أسىً عند النساء المطافل
فكل صديقٍ وابن أختٍ نعدَّه * لعمري وجدنا غُبَّةً غير طائل
سوى أن رهطاً من كلاب بن مرة * براء إلينا من معقَّةِ خاذل
ونعم ابن أختِ القوم غير مكذب * زهير حساماً مفرداً من حمائل
أشمَّ من الشمِّ البهاليلِ ينتمي * إلى حسب في حومةِ المجد فاضل
لعمري لقد كلفِّتُ وجداً بأحمد * وإخوته دأب المحبِّ المواصل
فمن مثلُه في الناس أي مؤمَّل * إذا قاسه الحكَّام عند التفاضل
حليمٌ رشيد عادل غير طائش * يوالي إلهاً ليس عنه بغافل
كريمُ المساعي ماجدٌ وابن ماجد * له إرثُ مجدٍ ثابتٍ غير ناصل
وأيَّده ربُّ العباد بنصره * وأظهر ديناً حقه غير زائل
فوالله لولا أن أجيء بسُبَّةٍ * تجرُّ على أشياخِنا في المحافل
لكنّا تبعناه على كل حالةٍ * من الدهر جداً غير قول التهازل
لقد علموا أن ابننا لا مكذبٌ * لدينا ولا يعنى بقولِ الأباطل
فأصبح فينا أحمدٌ في أرومةٍ * يقصر عنها سورةُ المتطاول
حدبت بنفسي دونه وحميته * ودافعت عنه بالذَّرى والكلاكل
***********
أبو قيس صرمة بن أبي أنس واسم أبي أنس قيس بن صرمة بن مالك بن عدي بن عمرو بن غنم بن عدي ابن النجار قال قصيدة يعظم فيها الحرمة وينهى قريشاً فيها عن الحرب ويذكر فضلهم وأحلامهم ويذكرهم بلاء الله عندهم ودفعه عنهم الفيل وكيده ويأمرهم بالكف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أيا راكباً إما عرضت فبلغن * مغلغلةً عني لؤي بن غالب
رسولَ امرئٍ قد راعه ذاتُ بينكم * على النأي محزون بذلك ناصب
وقد كان عندي للهموم معرّس * ولم اقض منها حاجتي ومآربي
نُبِيتُكم شرجين، كل قبيلة * لها أزمل من بين مُذْكٍ وحاطب
أعيذكم بالله من شر صنعكم * وشر تباغيكم ودسِّ العقارب
وإظهار أخلاقٍ ونجوى سقيمة * كوخز الأشافي وقعها حق صائب
فذكرهم بالله أول وهلة * واحلال إحرام الظباء الشوازب
وقل لهم والله يحكم حكمه * ذروا الحرب تذهب عنكم في المراحِب
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً * هي الغول للأقصين أو للأقارب
تقطع أرحاماً وتهلك أمة * وتبري السديف من سنام وغارب
وتستبدلوا بالأتحمية بعدها * شليلاً وأصداء ثيابَ المحارب
وبالمسك والكافور غُبراً سوابغا * كأن قتيريها عيونُ الجنادب
فإياكم والحرب لاتعلقنكم * وحوضاً وخيم الماء مرَّ المشارب
تزين للأقوام ثم يرونها * بعاقبةٍ إذ بيّتت أمُّ صاحب
تحرق لا تشوي ضعيفاً وتنتحي * ذوي العز منكم بالحتوف الصوائب
ألم تعلموا ما كان في حرب داحس * فتعتبروا أو كان في حرب حاطب
وكم ذا أصابت من شريف مسود * طويل العماد ضيفه غير خائب
عظيم رماد النار يحمد أمره * وذي شيمة محض كريم المضارب
وماء هُريق في الضلال كأنما * أذاعت به ريح الصبا والجنائب
يخبركم عنها امرؤ حقَّ عالمٍ * بأيامها والعلمُ علمُ التجارب
فبيعوا الحراب ملمُحارب واذكروا * حسابكم والله خير محاسب
وليُّ امرئ فاختار ديناً فلا يكن * عليكم رقيبٌ غير رب الثواقب
أقيموا لنا ديناً حنيفاً فأنتموا * لنا غاية، قد يهتدى بالذوائب
وأنتم لهذا الناس نورٌ وعصمة * تؤمون والأحلام غير عوازب
وأنتم إذا ما حصَّل الناس جوهرٌ * لكم سرة البطحاء شمُّ الأرانب
تصونون أنساباً كراماً عتيقةً * مهذبة الأنسابِ غير أشائب
يرى طالبُ الحاجات نحو بيوتكم * عصائبَ هلكى تهتدي بعصائب
لقد علم الأقوام أن سُراتكم * على كل حال خير أهل الجباجب
وأفضله رأياً وأعلاه سُنةً * وأقولُه للحقِّ وسط المواكب
فقوموا فضلوا ربكم وتمسحوا * بأركان هذا البيت بين الأخاشب
فعندكم منه بلاءٌ ومصدقٌ * غداةَ أبي يكسوم هادي الكتائب
كتيبته بالسهل تمشي ورجله * على القاذفات في رءوس المناقب
فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم * جنود المليك بين سافٍ وحاصب
فولّوا سراعاً هاربين ولم يؤب * إلى أهله مِلحُبشِ غيرُ عصائب
فإن تهلكوا نهلِكْ وتهلكْ مواسمٌ * يعاشُ بها قول امرئٍ غيرِ كاذب
*******
أبو قيس صرمة بن أبي أنس واسم أبي أنس قيس بن صرمة بن مالك بن عدي بن عمرو بن غنم بن عدي ابن النجار
يقول أبو قيس وأصبح عادياً * ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا
فأوصيكم بالله والبر والتقى * وأعراضِكم والبرِّ بالله أول
وإن قومُكم سادوا فلا تحسدنهم * وإن كنتم أهل الرئاسة فاعدلوا
وإن نزلت إحدى الدواهي بقومكم * فأنفسكم دون العشيرة فاجعلوا
وإن ناب غُرْمٌ فادحُ فارفقوهم * وما حمَّلوكم في الملمات فاحملوا
وإن أنتم أمعزتم فتعففوا * وإن كان فضل الخير فيكم فأفضلوا
وقال أبو قيس أيضاً:
سبحوا الله شرقَ كل صباح * طلعت شمسُه وكلِّ هلال
عالم السر والبيان جميعاً * ليس ما قال ربنا بضلال
وله الطير تستزيد وتأوي * في وكور من آمنات الجبال
وله الوحشُ بالفلاةِ تراها * في حقافٍ وفي ظلال الرمال
وله هوّدت يهودُ ودانت * كلَّ دينٍ مخافةً من عُضال
وله شمس النصارى وقاموا * كلَّ عيدٍ لربهم واحتفال
وله الراهبُ الحبيسُ تراه * رهنَ بؤسٍ وكان أنعمَ بال
يا بني الأرحام لا تقطعوها * وصِلُوها قصيرةً من طوال
واتقوا الله في ضعاف اليتامى * وبما يستحلّ غير الحلال
واعلموا أن لليتيم ولياً * عالماً يهتدي بغير سؤال
ثم مال اليتيم لا تأكلوه * إن مال اليتيم يرعاه والي
يا بني التخوم لا تخزلوها * إن جزل التخوم ذو عقّال
يا بني الأيام لا تأمنوها * واحذروا مكرهاً ومرَّ الليالي
واعلموا أن مرها لنفاد * الخلق ما كان من جديدٍ وبالي
واجمعوا أمركم على البر والتقـ * ـوى وتركِ الخنا وأخذِ الحلال
********
حسان بن ثابت يبكي حمزة ومن أصيب من المسلمين يوم أحد، وهي على روي قصيدة أمية بن أبي الصلت في قتلى المشركين يوم بدر.
قال ابن هشام: ومن أهل العلم بالشعر من ينكر هذه لحسان والله أعلم:
يا ميُّ قومي فاندبي بسحيرة شجو النوائح * كالحاملات الوقر بالثقل الملحات الدوالح
المعولات الخامشات وجوه حرات صحائح * وكأن سيل دموعها الأنصاب تخضب بالذبائح
ينقضن أشعاراً لهن هناك بادية المسائح * وكأنها أذناب خيل بالضحى شمس روامح
من بين مشرور ومجزور يذعذع بالبوارح * يبكين شجو مسَّلبات كدحتهن الكوادح
ولقد أصاب قلوبها مجل له جلب قوارح * إذ أقصد الحدثان من كنا نرجي إذ نشايح
أصحاب أحد غالهم دهر ألم له جوارح * من كان فارسنا وحامينا إذا بعث المسالح
يا حمزُ لا والله لا أنساك ما صرَّ اللقائح * لمناخ أيتام وأضياف وأرملة تلامح
ولما ينوب الدهر في حرب لحرب وهي لافح * يا فارساً يا مدرهاً يا حمز قد كنت المصامح
عنا شديدات الخطوب إذا ينوب لهن فادح * ذكرتني أسد الرسول وذاك مدرهنا المنافح
عنا وكان يعد إذ عد الشريفون الجحاجح * يعلو القماقم جهرة سبط اليدين أغر واضح
لا طائش رعش ولا ذو علة بالحمل آنح * بحر فليس يغب جاراً منه سَيْبُ أو منادح
أودى شباب إلى الحفائظ والثقيلون المراجح * المطعمون إذا المشاتي ما يصفقهن ناضح
لحم الجلاد وفوقه من شحمه شطب شرائح * ليدافعوا عن جارهم ما رأم ذو الضغن المكاشح
لهفي لشبان رُزئناهم كأنهم المصابح * شم بطارقة غطارفة خضارمة مسامح
المشترون الحمد بالأموال أن الحمد رابح * والجامزون بلجمهم يوماً إذا ما صاح صائح
من كان يرمي بالنواقر من زمان غير صالح * ما أن تزال ركابه يرسمن في غبر صحاصح
راحت تَبارى وهو في ركب صدورهم رواشح * حتى تؤوب له المعالي ليس من فوز السفائح
يا حمز قد أوحدتني كالعود شذبه الكوافح * أشكو إليك وفوقك الترب المكور والصفائح
من جندل يلقيه فوقك إذ أجاد الضرح ضارح * في واسع يحشونه بالترب سوته المماسح
فعزاؤنا أنا نقول وقولنا برح بوارح * من كان أمسى وهو عما أوقع الحدثان جانح
فليأتنا فلتبك عيناه لهلكانا النوافح * القائلين الفاعلين ذوي السماحة والممادح
وقال كعب بن مالك يبكي حمزة وأصحابه:
طرقت همومك فالرقاد مسهَّد * وجزعت أن سلخ الشباب الأغيد
ودعت فؤادك للهوى ضمرية * فهواك غوري وصحوك منجد
فدع التمادي في الغواية سادراً * قد كنت في طلب الغواية تفند
ولقد أتى لك أن تناهى طائعاً * أو تستفيق إذا نهاك المرشد
ولقد هُددتُ لفقد حمزة هدة * ظلت بنات الجوف منها ترعد
ولو أنه فجعت حراء بمثله * لرأيت رأسي صخرها يتبدد
قِرم تمكن في ذؤابة هاشم * حيث النبوة والندى والسؤدد
والعاقر الكوم الجلاد إذا غدت * ريح يكاد الماء منها يجمد
والتارك القِرنَ الكميَّ مجدلاً * يوم الكريهة والقنا يتقصد
وتراه يرفل في الحديد كأنه * ذو لِبدة شَثن البراثن أربد
عم النبي محمد وصفيه * ورد الحمام فطاب ذاك المورد
وأتى المنية معلماً في أسرة * نصروا النبي ومنهم المستشهد
ولقد إخال بذاك هنداً بشرت * لتميت داخل غصة لا تبرد
مما صبحنا بالعقنقل قومها * يوماً تغيب فيه عنها الأسعد
وببئر بدر إذ يرد وجوههم * جبريل تحت لوائنا ومحمد
حتى رأيت لدى النبي سراتهم * قسمين نقتل من نشاء ونطرد
فأقام بالعطن المعطن منهم * سبعون عتبة منهم والأسود
وابن المغيرة قد ضربنا ضربة * فوق الوريد لها رشاش مزبد
وأمية الجمحي قوم مَيْلَه * عضب بأيدي المؤمنين مهند
فأتاك فل المشركين كأنهم * والخيل والخليل تثفنهم نعام شرد
شتان من هو في جهنم ثاوياً * أبداً ومن هو في الجنان مخلد
وقال عبد الله بن رواحة يبكي حمزة وأصحابه يوم أحد. قال ابن هشام: وأنشدنيها أبو زيد لكعب بن مالك، فالله أعلم:
بكت عيني وحق لها بكاها * وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا * أحمزةُ ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعاً * هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدت * وأنت الماجد البر الوصول
عليك سلام ربك في جنان * مخالطها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبراً * فكل فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم * بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا من مبلغ عني لؤياً * فبعد اليوم دائلة تدول
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا * وقائعنا بها يشفى الغليل
نسيتم ضربنا بقليب بدر * غداة أتاكم الموت العجيل
غداة ثوى أبو جهل صريعاً * عليه الطير حائمة تجول
وعتبة وابنه خرّا جميعاً * وشيبة عضه السيف الصقيل
ومتركنا أمية مجلعبا * وفي حيزومه لدن نبيل
وهام بني ربيعة سائلوها * ففي أسيافنا منها فلول
ألا يا هند فابكي لا تملي * فأنت الواله العبرى الهبول
ألا يا هند لا تبدي شماتاً * بحمزة إن عزكم ذليل
قال ابن إسحاق: وقالت صفية بنت عبد المطلب تبكي أخاها حمزة بن عبد المطلب، وهي أم الزبير عمة النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين:
أسائلة أصحاب أحد مخافة * بنات أبي من أعجم وخبير
فقال الخبير إن حمزة قد ثوى * وزير رسول الله خير وزير
دعاه إله الحق ذو العرش دعوة * إلى جنة يحيا بها وسرور
فذاك ما كنا نرجي ونرتجي * لحمزة يوم الحشر خير مصير
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا * بكاء وحزناً محضري ومسيري
على أسد الله الذي كان مِدرها * يذود عن الإسلام كل كفور
فياليت شلوي عند ذاك وأعظمي * لدى أضبع تعتادني ونسور
أقول وقد أعلى النعي عشيرتي * جزى الله خيراً من أخ ونصير
وقالت نُعم، امرأة شماس بن عثمان تبكي زوجها، والله أعلم، ولله الحمد والمنة:
يا عين جودي بفيض غير إبساس * على كريم من الفتيان لباس
صعب البديهة ميمون نقيبته * حمّال ألوية ركاب أفراس
أقول لما أتى الناعي له جزعاً * أودى الجواد وأودى المطعم الكاسي
وقلت لما خلت منه مجالسه * لا يبعد الله منا قرب شماس
قال فأجابها أخوها أبو الحكم بن سعيد بن يربوع يعزيها فقال:
اقني حياءك في ستر وفي كرم * فإنما كان شماس من الناس
لا تقتلي النفس إذ حانت منيته * في طاعة الله يوم الروع والباس
قد كان حمزة ليث الله فاصطبري * فذاق يومئذ من كأس شماس
وقالت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين رجعوا من أحد:
رجعت وفي نفسي بلابل جمّـة * وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي
من أصحاب بدر من قريش وغيرهم * بني هاشم منهم ومن أهل يثرب
ولكنني قد نلت شيئاً ولم يكن * كما كنت أرجو في مسيري ومركبي
نورد شعر الكفار لنذكر جوابها من شعر الإسلام، ليكون أبلغ في وقعها من الأسماع والأفهام،
قال هبيرة بن أبي وهب المخزومي، وهو على دين قومه من قريش فقال:
ما بال همٍّ عميدٍ بات يطرقني * بالود من هند إذ تعدو عواديها
باتت تعاتبني هندٌ وتعذلني * والحربُ قد شَغلت عني مواليها
مهلاً فلا تعذليني إن من خُلُقي * ما قد علمتِ وما إن لستُ أُخفيها
مساعفٌ لبني كعبٍ بما كلفوا * حمال عبءٍ وأثقال أعانيها
وقد حملتُ سلاحي فوق مُشترفٍ * ساطٍ سبوحٍ إذا يجري يباريها
كأنه إذ جرى عَيرٌ بفدفدةٍ * مكدّمٌ لاحقٌ بالعون يحميها
من آل أعوجَ يرتاح النديُّ له * كجذع شعراءَ مستعلٍ مراقيها
أعددته ورقاقَ الحدّ منتخِلاً * ومارناً لخطوبٍ قد ألاقيها
هذا وبيضاءُ مثلُ النُّهيِ محكمةٌ * لظَّت عليَّ فما تبدو مساويها
سُقْنا كنانة من أطراف ذي يمَنٍ * عرضَ البلادِ على ما كان يزجيها
قالت كنانةُ أنى تذهبون بنا * قلنا: النخيل فأموها ومن فيها
نحن الفوارس يوم الجرّ من أحد * هابتْ معدٌّ فقلنا نحن نأتيها
هابوا ضراباً وطعناً صادقاً خذِماً * مما يرون وقد ضُمَّت قواصيها
ثمتَّ رحنا كأنا عارض برد * وقام هام بني النجار يبكيها
كأن هامهم عند الوغى فلقٌ * من قيضِ ربدٍ نفتْه عن أداحيها
أو حنظلٌ ذعذعته الريحُ في غصن * بالٍ تعاوَرُه منها سوافيها
قد نبذل المالَ سحاً لا حساب له * ونطعنُ الخيل شزراً في مآقيها
وليلةٍ يصطلي بالفرث جازرُها * يختص بالنَّقَرى المثرين داعيها
وليلةٍ من جمادى ذات أندية * جرباً جمُاديةٍ قد بتُّ أسريها
لا ينبحُ الكلب فيها غيرَ واحدةٍ * من القَريس ولا تسري أفاعيها
أوقدت فيها لذي الضراء جاحمةً * كالبرق ذاكيةَ الأركان أحميها
أورثني ذلكم عمروٌ ووالده * من قبله كان بالمشتى يُغاليها
كانوا يُبارونَ أنواء النجوم فما * دنت عن السَوْرة العَليا مساعيها
فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه فقال
سقتم كنانة جهلاً من سفاهتكم * إلى الرسول فجندُ الله مخزيها
أوردتموها حياضَ الموت ضاحيةً * فالنار موعدُها والقتل لاقيها
جمعتموهم أحابيشاً بلا حسب * أئمة الكفرِ غرَّتكم طواغيها
ألا اعتبرتم بخيلِ الله إذ قتلت * أهل القليب ومن ألقيتَه فيها
كم من أسير فككناهُ بلا ثمنٍ * وجزِّ ناصيةٍ كنا مواليها
قال كعب بن مالك يجيب هبيرة بن أبي وهب المخزومي أيضاً:
ألا هل أتى غسان عنا ودونهم * من الأرض خرقٌ سيرُهُ متنعنع
صحارى و أعلام كأنّ قتامها * من البعدِ نقعٌ هامدً متقطع
تظل به البُزْلُ العراميس رُزَّحاً * ويحلو به غيثُ السنين فيمرع
به جيفُ الحسرى يلوحُ صَليها * كما لاح كَتّان التِّجار الموضع
به العين والآرام يمشين خُلفةً * وبيض نعام قيضُه يتقلّع
مجالدنا عن ديننا كل فخمةٍ * مذرَّبةٍ فيها القوانس تلمع
وكلُّ صموتٍ في الصِّوان كأنها * إذا لبست نهي من الماء مُترع
ولكن ببدرٍ سائلوا من لقيتمُ * من الناس والأنباءُ بالغيب تنفع
وأنا بأرض الخوف لو كان أهلها * سوانا لقد أجلوا بليل فأقشعوا
إذا جاء منا راكبٌ كان قولُه * أعِدّوا لما يزجي ابنُ حربٍ ويجمع
فمهما يهمُّ الناس مما يكيدنا * فنحن له من سائر الناس أوسع
فلو غيرُنا كانت جميعاً تكيدُه * البرِيَّة قد أعطوا يداً وتوزَّعوا
نُجالد لا تبقى علينا قبيلةٌ * من الناس إلا أن يهابوا ويفظعوا
ولما ابتنوا بالعِرضِ قالت سراتنا * علام إذا لم نمنع العرض نزرع
وفينا رسول الله نتبع أمره * إذا قال فينا القول لا نتظلع
تدلى عليه الروح من عند ربه * ينزَّل من جوّ السماء ويُرفع
نشاوره فيما نريد وقصرُنا * إذا ما اشتهى أنا نطيع ونسمع
وقال رسول الله لما بدوا لنا * ذروا عنكمُ هول المنيّات وأطعموا
وكونوا كمن يشري الحياة تقرُّباً * إلى ملك يحيا لديه ويُرجَع
ولكن خُذوا أسيافكم وتوكلوا * على الله إن الأمر لله أجمع
فسرنا إليهم جهرةً في رحالهم * ضُحيّا علينا البيضُ لا نتخشع
بملمومةٍ فيها السنوَّر والقَنا * إذا ضربوا أقدامها لا تورّع
فجئنا إلى موجٍ من البحر وسطه * أحابيش منهم حاسر ومُقنَّع
ثلاثة آلاف ونحن نصيَّة * ثلاث مئين إن كثرنا فأربع
نغاورهم تجري المنية بيننا * نشارعهم حوض المنايا ونشرع
تهادي قسي النبع فينا وفيهم * وما هو إلا اليثربي المقطع
ومنجوفة حرمية صاعدية * يذر عليها السم ساعة تصنع
تصوب بأبدان الرجال وتارة * تمر بأعراض البِصَار تُقعقع
وخيل تراها بالفضاء كأنها * جراد صبا في قرة يتريع
فلما تلاقينا ودارت بنا الرحا * وليس لأمر حمه الله مدفع
ضربناهم حتى تركنا سراتهم * كأنهم بالقاع خشب مصرع
لدن غدوة حتى استفقنا عشية * كأن ذُكانا حر نار تلفع
وراحوا سراعاً موجعين كأنهم * جهام هراقت ماءه الريح مقلع
ورحنا وأخرانا بطاء كأننا * أسود على لحم ببشة ضُلّع
فنلنا ونال القوم منا وربما * فعلنا ولكن ما لدى الله أوسع
ودارت رحانا واستدارت رحاهم * وقد جعلوا كل من الشر يشبع
ونحن أناس لا نرى القتل سبة * على كل من يحمي الذمار ويمنع
جلاد على ريب الحوادث لا نرى * على هالك عينا لنا الدهر تدمع
بنو الحرب لا نعيا بشيء نقوله * ولا نحن مما جرت الحرب نجزع
بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحش * ولا نحن من أظفارنا نتوجع
وكنا شهابا يتقي الناس حره * ويُفرِج عنه من يليه ويسفع
فخرت علي ابن الزِّبَعْري وقد سرى * لكم طلب من آخر الليل متبع
فسل عنك في عليا معد وغيرها * من الناس من أخزى مقاما وأشنع
ومن هو لم يترك له الحرب مفخرا * ومن خده يوم الكريهة أضرع
شددنا بحول الله والنصر شدة * عليكم وأطراف الأسنة شرع
تكر القنا فيكم كأن فروعها * عزالى مزاد ماؤها يتهزع
عمدنا إلى أهل اللواء ومن يَطِر * بذكر اللواء فهو في الحمد أسرع
فحانوا وقد أعطوا يداً وتخاذلوا * أبى الله إلا أمره وهو أصنع
قال عبد الله بن الزبعري في يوم أحد وهو يومئذ مشرك بعد:
يا غراب البين أسمعت فقل * إنما تنطق شيئاً قد فعل
إن للخير وللشر مدى * وكلا ذلك وجه وقبل
والعطيات خساس بينهم * وسواء قبر مثر ومق
كل عيش ونعيم زائل * وبنات الدهر يلعبن بكل
أبلغا حسان عني آية * فقريض الشعر يشفي ذا الغلل
كم ترى بالجر من جمجمة * وأكف قد أترت ورجل
وسرابيل حسان سريت * عن كماة أهلكوا في المنتزل
كم قتلنا من كريم سيد * ماجد الجدين مقدام بطل
صادق النجدة قِرْم بارع * غير ملتاث لدى وقع الأسل
فسل المهراس ما ساكنه * بين أقحاف وهام كالحجل
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباء بركها * واستحر القتل في عبد الأشل
ثم خفوا عن ذاكم رقصا * رقص الحفان يعلو في الجبل
فقتلنا الضعف من أشرافهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
لا ألوم النفس إلا أننا * لو كررنا لفعلنا المفتعل
بسيوف الهند تعلو هامهم * عَلَلاً تعلوهم بعد نهل
قال ابن إسحاق: فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه:
ذهبت بابن الزبعري وقعة * كان منا الفضل فيها لو عدل
ولقد نلتم ونلنا منكم * وكذاك الحرب أحياناً دُول
نضع الأسياف في أكتافكم * حيث نهوى عَللاً بعد نهَل
نخرج الأصبح من أستاهكم * كسلاح النِّيب يأكلن العصل
إذ تولون على أعقابكم * هرباً في الشعب أشباه الرِسَل
إذ شددنا شدة صادقة * فاجأناكم إلى سفح الجبل
بخناطيل كأشداق الملا * من يلاقوه من الناس يهل
ضاق عنا الشِّعب إذ نجزعه * وملأنا الفرط منه والرجل
برجال لستم أمثالهم * أيدوا جبريل نصرا فنزل
وعلونا يوم بدر بالتقى * طاعة الله وتصديق الرسل
وقتلنا كل رأس منهم * وقتلنا كل جحجاج رفل
وتركنا في قريش عورة * يوم بدر وأحاديث المثل
ورسول الله حقاً شاهداً * يوم بدر والتنابيل الهبل
في قريش من جموع جمعوا * مثل ما يجمع في الخصب الهمل
نحن لا أمثالكم وُلْد آستِها * نحضر البأس إذا البأس نزل
وقال كعب يبكي حمزة ومن قتل من المسلمين يوم أحد رضي الله عنهم:
نشجت وهل لك من منشج * وكنت متى تدكر تلجج
تذكر قوم أتاني لهم * أحاديث في الزمن الأعوج
فقلبك من ذكرهم خافق * من الشوق والحزن المنضج
وقتلاهم في جنان النعيم * كرام المداخل والمخرج
بما صبروا تحت ظل اللواء * لواء الرسول بذي الأضوج
غداة أجابت بأسيافها * جميعاً بنو الأوس والخزرج
وأشياع أحمد إذ شايعوا * على الحق ذي النور والمنهج
فما برحوا يضربون الكماة * ويمضون في القسطل المرهج
كذلك حتى دعاهم مليك * إلى جنة دوحة المولج
وكلهم مات حر البلاء * على ملة الله لم يحرج
كحمزة لما وفى صادقاً * بذي هبة صارم سلجج
فلاقاه عبد بني نوفل * يبربر كالجمل الأدعج
فأوجره حربة كالشهاب * تلهب في اللهب الموهج
ونعمان أوفى بميثاقه * وحنظلة الخير لم يحُنج
عن الحق حتى غدت روحه * إلى منزل فاخر الزبرج
أولئك لا من ثوى منكم * من النار في الدرك المرتج
قال ضرار بن الخطاب بن مرداس أخو بني محارب بن فهر في يوم الخندق، قلت: وذلك قبل إسلامه:
ومشفقة تظن بنا الظنونا * وقد قدنا عرندسة طحونا
كأن زهاءها أحد إذا ما * بدت أركانه للناظرينا
ترى الأبدان فيها مسبغات * على الأبطال واليلب الحصينا
وجردا كالقداح مسومات * نؤم بها الغَواة الخاطئينا
كأنهم إذا صالوا وصُلنا * بباب الخندقين مصافحونا
أناسٌ لا نرى فيهم رشيداً * وقد قالوا ألسنا راشدينا
فأحجرناهم شهراً كريتاً * وكنا فوقهم كالقاهرينا
نُراوحهم ونغدو كل يوم * عليهم في السلاح مدججينا
بأيدينا صوارم مرهفات * نقدُّ بها المفارق والشئونا
كأن وميضهن معرِّيات * إذا لاحت بأيدي مصلتينا
وميضُ عقيقةٍ لمعت بليلٍ * ترى فيها العقائق مستبينا
فلولا خندق كانوا لديه * لدمرنا عليهم أجمعينا
ولكن حال دونهم وكانوا * به من خوفنا متعوذينا
فإن نرحل فأنا قد تركنا * لدى أبياتكم سعداً رهينا
إذا جن الظلام سمعت نوحاً * على سعدٍ يرجعن الحنينا
وسوف نزوركم عما قريبٍ * كما زرناكم متوازرينا
بجمعٍ من كنانة غير عُزلٍ * كأسد الغاب إذ حمَت العرينا
قال: فأجابه كعب بن مالك أخو بني سلمة رضي الله عنه فقال:
وسائلةٍ تسائل ما لقينا * ولو شهدتُ رأتنا صابرينا
صبرنا لا نرى لله عدلاً * على ما نابنا متوكلينا
وكان لنا النبي وزير صدقٍ * به نعلو البرية أجمعينا
نقاتلُ معشراً ظلموا وعقوا * وكانوا بالعداوة مرصدينا
نعالجهم إذا نهضوا إلينا * بضرب يعجل المتسرعينا
ترانا في فضافض سابغاتٍ * كغُدران الملا مُتَسَرْبلينا
وفي أيماننا بيض خفاف * بها نشفي مِراح الشاغبينا
بباب الخندقين كأن أسداً * شوابكهن يحمين العرينا
فوارسنا إذا بكروا وراحوا * على الأعداء شوساً معلمينا
لننصر أحمداً والله حتى * نكون عبادَ صدقٍ مخلصي
ويعلم أهل مكة حين ساروا * وأحزاب أتوا متحزبينا
بأن الله ليس له شريك * وأن الله مولى المؤمنينا
فأما تقتلوا سعداً سفاهاً * فإن الله خير القادرينا
سيدخله جناتاً طيباتٍ * تكون مقامة للصالحينا
كما قد ردَّكم فلا شريداً * بغيظكم خزايا خائبينا
خزايا لم تنالوا ثم خيراً * وكدتم أن تكونوا دامرينا
بريحٍ عاصف هبتْ عليكم * فكنتم تحتها متكمِّهينا
وقال عبد الله بن الزبعري السهمي في يوم الخندق، ذلك قبل أن يسلم:
حيِّ الديار محا معارفَ رسمها * طولُ البلى وتراوحُ الأحقاب
فكأنما كتب اليهودُ رسومها * ألا الكنيف ومعقد الأطناب
قفراً كأنك لم تكن تلهو بها * في نعمةٍ بأوانس أتراب
فاترك تذكُّر ما مضى من عيشةٍ * ومحلَّة خلقِ المقام يباب
واذكر بلاء معاشرٍ واشكرهمُ * ساروا بأجمعهم من الأنصاب
أنصاب مكةَ عامدين ليثرب * في ذي غياطلَ جحفلٍ جبجاب
يدع الحرُون مناهجاً معلومة * في كل نشْزٍ ظاهرٍ وشِعاب
فيها الجيادُ شوازبٌ مجنوبةٌ * قُبَّ البطون واحقُ الأقراب
من كل سلهبةٍ وأجردَ سلهب * كالسيدِ بادر غفلةَ الرقاب
جيشُ عيينةُ قاصد بلوائه * فيه وصخرُ قائد الأحزاب
قرمان كالبدرين أصبح فيهما * غيث الفقير ومعقلُ الهرّاب
حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا * للموت كل مجرَّب قضَّاب
شهراً وعشراً قاهرين محمداً * وصحابُهُ في الحرب خيرُ صحاب
نادوا برحلتهم صبيحةَ قلتم * كدنا نكون بها مع الخيَّاب
لولا الخنادقُ غادروا من جمعهم * قتلى لطيرٍ سُغّب وذئاب
قال: فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه فقال:
هل رسم دراسة المقام يباب * متكلم لمحاورٍ بجواب
قفر عفا رهمُ السحاب رسومَه * وهبوب كل مطلةٍ مرباب
ولقد رأيتُ بها الحلول يزينُهم * بيض الوجوه ثواقبُ الأحساب
فدع الديارَ وذكر كل خريدةٍ * بيضاءَ أنسةِ الحديث كَعاب
واشكُ الهموم إلى الإله وما ترى * من معشرٍ ظلموا الرسول غضاب
ساروا بأجمعهم إليه وألَّبوا * أهل القرى وبواديَ الأعراب
جيشٌ عيينةُ وابن حربٍ فيهم * متخمطون بحلبةِ الأحزاب
حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الأسلاب
وغدوا علينا قادرين بأيدهم * رُدوا بغيظهم على الأعقاب
بهبوبِ معصفةٍ تُفرِّق جمعهم * وجنودُ ربك سيد الأرباب
فكفى الإله المؤمنينَ قتالهم * وأثابهم في الأجر خير ثواب
من بعد ما قنطوا ففرَّق جمعهم * تنزيل نصر مليكنا الوهاب
وأقر عين محمدٍ وصحابه * وأذل كل مكذِّب مرتاب
عاتي الفؤاد موقعٌ ذي ريبة * في الكفر ليس بطاهر الأثواب
عِلَق الشقاءُ بقلبه ففؤاده * في الكفر آخر هذه الأحقاب
قال: وأجابه كعب بن مالك رضي الله عنه أيضاً فقال:
أبقى لنا حدثُ الحروب بقية * من خير نحلةِ ربنا الوهاب
بيضاءَ مشرفة الذُرى ومعاطناً * حُمَّ الجذوع غزيرة الأحلاب
كاللوب يُبذل جمُّها وحفيلها * للجار وابن العمِّ والمنتاب
ونزائعاً مثل السراج نمى بها * علفُ الشعير وجزَّة المقضاب
عرَّى الشَّوى منها وأردف نحضها * جردُ المتون وسائر الأراب
قَوْداً تُراح إلى الصباح إذا غدت * فعلَ الضِّراء تُراحُ للكلاب
وتحوط سائمة الديار وتارةً * تُردي العدى وتئوبُ بالأسلاب
حوشُ الوحوش مطارةً عند الوغى * عبسُ اللقاء مبينة الأنجاب
عُلفت على دَعَةٍ فصارت بُدناً * دُخْسُ البضيع خفيفة الأقصاب
يغدون بالزغف المضاعف شكَّه * وبمترصاتٍ في الثَّقاف صياب
وصوارمٍ نزعَ الصياقلُ عُلبها * وبكل أروعَ ماجدِ الأنساب
يصلُ اليمين بمارنٍ متقارب * وكلت وقيعته إلى خَباب
وأغرّ أزرق في القناة كأنه * في طُيْخة الظلماء ضوءُ شهاب
وكتيبةٍ ينفي القران قتيرُها * وتردُّ حد قواحِزِ النشاب
جأوى ململمةً كأن رماحها * في كل مجمعةٍ صريمة غاب
تأوي إلى ظل اللواء كأنه * في صعدة الخطي فيءُ عُقاب
أعيت أبا كربٍ وأعيت تبعاً * وأبت بسالتها على الأعراب
ومواعظٍ من ربنا نهدي بها * بلسان أزهر طيب الأثواب
عرضت علينا فاشتهينا ذكرها * من بعد ما عرضت على الأحزاب
حكماً يراها المجرمون بزعمهم * حرجاً ويفهمها ذوو الألباب
جاءت سخينةُ كي تغالب ربها * فليغلبن مغالبُ الغلاب
وقال كعب بن مالك أيضاً:
من سرَّه ضربٌ يمعمع بعضه * بعضاً كمعمعة الإناء المحرق
فليأت مأسدة تسن سيوفها * بين الذاد وبين جذع الخندق
دربوا بضرب المعلّمين وأسلموا * مهجات أنفسهم لربِّ المشرق
في عُصبةٍ نصرَ الإله نبيَّه * بهمُ وكان بعبده ذا مرفق
في كل سابغةٍ تخطّ فُضُولها * كالنهي هبَّتْ ريحه المترقرق
بيضاءَ محكمةٍ كأن قتيرها * حدق الجنادب ذات شك موثق
جدلاء يحفرها نجاد مهندٍ * صافي الحديدة صارمٍ ذي رونق
تلكم مع التقوى تكون لباسَنا * يوم الهياج وكل ساعة مصدق
نصلُ السيوف إذا قصرن بخطونا * قدماً ونلحقها إذا لم تلحق
فترى الجماجم ضاحياً هاماتها * بُله الأكف كأنها لم تخلق
نلقى العدو بفخمةٍ ملمومةٍ * تنفي الجموع كقصد رأس المشرق
ونعدُّ للأعداء كل مقلص * ورد ومحجول القوائم أبلق
تردى بفرسان كأن كماتهم * عند الهياج أسودُ طل ملتق
صُدقٍ يعاطون الكماة حتوفهم * تحت العماية بالوشيج المزهق
أمر الإله بربطها لعدوه * في الحرب إن الله خير موفق
لتكون غيظاً للعدو وحيِّطاً * للدار إن دلفت خيول النزق
ويعيننا الله العزيز بقوة * منه وصدق الصبر ساعة نلتقي
ونطيع أمر نبينا ونجيبه * وإذا دعا لكريهة لم نسبق
ومتى ينادى للشدائد نأتها * ومتى نرى الحومات فيها نعتق
من يتبع قول النبي فإنه * فينا مطاع الأمر حق مصدق
فبذاك ينصرنا ويظهر عزنا * ويصيبنا من نيل ذاك بمرفق
إن الذين يكذبون محمداً * كفروا وضلوا عن سبيل المتقي
وها أنا أذكر القصيدة الأرمنية المخذولة الملعونة، وأتبعها بالفريدة الإسلامية المنصورة الميمونة.
قال المرتد الكافر الأرمني على لسان ملكه لعنهما الله
ومن خط ابن عساكر كتبتها، وقد نقلوها من كتاب صلة الصلة للفرغاني:
من الملك الطهر المسيحي مالك * إلى خلف الأملاك من آل هاشم
إلى الملك الفضيل المطيع أخي العلا * ومن يرتجى للمعضلات العظائم
أما سمعت أذناك ما أنا صانع * ولكن دهاك الوهن عن فعل حازم
فإن تك عما قد تقلدت نائماً * فإني عما همني غير نائم
ثغوركم لم يبق فيها - لوهنكم * وضعفكم - إلا رسوم المعالم
فتحنا الثغور الأرمنية كلها * بفتيان صدق كالليوث الضراغم
ونحن صلبنا الخيل تعلك لجمها * وتبلغ منها قضمها للشكائم
إلى كل ثغر بالجزيرة آهل * إلى جند قنسرينكم فالعواصم
ملطية مع سميساط من بعد كركر * وفي البحر أضعاف الفتوح التواخم
وبالحدث الحمراء جالت عساكري * وكيسوم بعد الجعفري للمعالم
وكم قد ذللنا من أعزة أهلها * فصاروا لنا من بين عبد وخادم
وسد سروج إذ خربنا بجمعنا * لنا رتبة تعلوا على كل قائم
وأهل الرها لاذوا بنا وتحزبوا * بمنديل مولى علا عن وصف آدمي
وصبح رأس العين منا بطارق * ببيض غزوناها بضرب الجماجم
ودارا وميافارقين وأزرنا * أذقناهم بالخيل طعم العلاقم
واقريطش قد جازت إليها مراكبي * على ظهر بحر مزبد متلاطم
فحزتهم أسرى وسقيت نساؤهم * ذوات الشعور المسبلات النواعم
هناك فتحنا عين زربة عنوة * نعم وأبدنا كل طاغ وظالم
إلى حلب حتى استبحنا حريمها * وهدم منها سورها كل هادم
أخذنا النسا ثم البنات نسوقهم * وصبيانهم مثل المماليك خادم
وقد فر عنها سيف دولة دينكم * وناصركم منا على رغم راغم
وملنا على طرسوس ميلة حازم * أذقنا لمن فيها لحزّ الحلاقم
فكم ذات عز حرة علوية * منعمة الأطراف ريا المعاصم
سبينا فسقنا خاضعات حواسراً * بغير مهور، لا ولا حكم حاكم
وكم من قتيل قد تركنا مجندلاً * يصب دماً بين اللها واللهازم
وكم وقعة في الدرب أفنت كماتكم * وسقناهم قسراً كوسق البهائم
وملنا على أرياحكم وحريمها * مدوخة تحت العجاج السواهم
فأهوت أعاليها وبدل رسمها * من الأنس وحشاً بعد بيض نواعم
إذا صاح فيها البوم جاوبه الصدى * وأتبعه في الربع نوح الحمائم
وإنطاك لم تبعد علي وإنني * سأفتحها يوماً بهتك المحارم
ومسكن آبائي دمشق فإنني * سأرجع فيها ملكنا تحت خاتمي
ومصر سأفتحها بسيفي عنوة * وآخذ أموالاً بها وبهائمي
وأجزي كافوراً بما يستحقه * بمشط ومقراض وقص محاجم
ألا شمروا يا أهل حمدان شمروا * أتتكم جيوش الروم مثل الغمائم
فإن تهربوا تنجوا كراماً وتسلموا * من الملك الصادي بقتل المسالم
كذاك نصيبين وموصلها إلى * جزيرة آبائي وملك الأقادم
سأفتح سامرا وكوثا وعكبرا * وتكريتها مع ماردين العواصم
وأقتل أهليها الرجال بأسرها * وأغنم أموالاً بها وحرائم
ألا شمروا يا أهل بغداد ويلكم * فكلكم مستضعف غير رائم
رضيتم بحكم الديلمي ورفضه * فصرتم عبيداً للعبيد الديالم
ويا قاطني الرملات ويلكم ارجعوا * إلى أرض صنعا راعيين البهائم
وعودوا إلى أرض الحجاز أذلة * وخلوا بلاد الروم أهل المكارم
سألقي جيوشاً نحو بغداد سائراً * إلى باب طاق حيث دار القماقم
وأحرق أعلاها وأهدم سورها * وأسبي ذراريها على رغم راغم
وأحرز أموالاً بها وأسرّة * وأقتل من فيها بسيف النقائم
وأسري بجيشي نحو الأهواز مسرعاً * لإحراز ديباج وخزّ السواسم
وأشعلها نهباً وأهدم قصورها * وأسبي ذراريها كفعل الأقادم
ومنها إلى شيراز والري فاعلموا * خراسان قصري والجيوش بحارم
إلى شاس بلخ بعدها وخواتها * وفرغانة مع مروها والمخازم
وسابور أهدمها وأهدم حصونها * وأوردها يوماً كيوم السمائم
وكرمان لا أنسى سجستان كلها * وكابلها النائي وملك الأعاجم
أسير بجندي نحو بصرتها التي * لها بحر عجاج رائع متلازم
إلي واسط وسط العراق وكوفة * كما كان يوماً جندنا ذو العزائم
وأخرج منها نحو مكة مسرعاً * أجر جيوشاً كالليالي السواجم
فأملكها دهراً عزيزاً مسلماً * أقيم بها للحق كرسي عالم
وأحوي نجداً كلها وتهامها * وسراً واتهام مذحج وقحاطم
وأغزو يماناً كلها وزبيدها * وصنعاءها مع صعدة والتهائم
فاتركها أيضاً خراباً بلاقعاً * خلاء من الأهلين أهل نعائم
وأحوي أموال اليمانين كلها * وما جمع القرماط يوم محارم
أعود إلى القدس التي شرفت بنا * بعز مكين ثابت الأصل قائم
وأعلو سريري للسجود معظماً * وتبقى ملوك الأرض مثل الخوادم
هنالك تخلو الأرض من كل مسلم * لكل نقي الدين أغلف زاعم
نصرنا عليكم حين جارت ولاتكم * وأعلنتمو بالمنكرات العظائم
قضاتكم باعوا القضاء بدينهم * كبيع ابن يعقوب ببخس الدراهم
عدو لكم بالزور يشهد ظاهراً * وبالإفك والبرطيل مع كل قائم
سأفتح أرض الله شرقاً ومغرباً * وأنشر ديناً للصليب بصارمي
فعيسى علا فوق السموات عرشه * يفوز الذي والاه يوم التخاصم
وصاحبكم بالتراب أودى به الثرى * فصار رفاتاً بين تلك الرمائم
تناولتم أصحابه بعد موته * بسبّ وقذف وانتهاك المحارم
هذا آخرها لعن الله ناظمها وأسكنه النارإن كان مات كافراً.
وهذا جوابها لأبي محمد بن حزم الفقيه الظاهري الأندلسي قالها ارتجالاً حين بلغته هذه الملعونة غضباً لله ولرسوله ولدينه كما ذكر ذلك من رآه، فرحمه الله وأكرم مثواه وغفر له خطاياه.
من المحتمي بالله رب العوالم * ودين رسول الله من آل هاشم
محمد الهادي إلى الله بالتقى * وبالرشد والإسلام أفضل قائم
عليه من الله السلام مردداً * إلى أن يوافي الحشر كل العوالم
إلى قائل بالإفك جهلاً وضلة * عن النقفور المفتري في الأعاجم
دعوت إماماً ليس من أمرائه * بكفيه إلا كالرسوم الطواسم
دهته الدواهي في خلافته كما * دهت قبله الأملاك دهم الدواهم
ولا عجب من نكبة أو ملمة * تصيب الكريم الجدود الأكارم
ولو أنه في حال ماضي جدوده * لجرعتم منه سموم الأراقم
عسى عطفة لله في أهل دينه * تجدد منه دارسات المعالم
فخرتم بما لو كان فيكم حقيقة * لكان بفضل الله أحكم حاكم
إذن لاعترتكم خجلة عند ذكره * وأخرس منكم كل فاه مخاصم
سلبناكم كراً ففزتم بغرة * من الكر أفعال الضعاف العزائم
فطرتم سروراً عند ذاك ونسوة *كفعل المهين الناقص المتعالم
وما ذاك إلا في تضاعيف عقله * عريقاً وصرف الدهر جم الملاحم
ولما تنازعنا الأمور تخاذلاً * ودانت لأهل الجهل دولة ظالم
وقد شعلت فينا الخلائف فتنة * لعبدانهم مع تركهم والدلائم
بكفر أياديهم وجحد حقوقهم * بمن رفعوه من حضيض البهائم
وثبتم على أطرافنا عند ذاكم * وثوب لصوص عند غفلة نائم
ألم تنتزع منكم بأعظم قوة * جميع بلاد الشام ضربة لازم
ومصراً وأرض القيروان بأسرها * وأندلساً قسراً بضرب الجماجم
ألم ننتزع منكم على ضعف حالنا * صقلية في بحرها المتلاطم
مشاهد تقديساتكم وبيوتها * لنا وبأيدينا على رغم راغم
أما بيت لحم والقمامة بعدها * بأيدي رجال المسلمين الأعاظم
وسر كيسكم قسراً برغم أنوفكم * وكرسيكم في القدس في أدرثاكم
ضممناكم قسراً برغم أنوفكم * وكرسي قسطنطينية في المعادم
ولا بد من عود الجميع بأسره * إلينا بعز قاهر متعاظم
أليس يزيد حل وسط دياركم * على باب قسطنطينية بالصورام
ومسلمة قد داسها بعد ذاكم * بجيش تهام قد دوى بالضراغم
وأخدمكم بالذل مسجدنا الذي * بنى فيكم في عصره المتقادم
إلى جنب قصر الملك من دار ملككم * ألا هذه حق صرامة صارم
وأدى لهارون الرشيد مليككم * رفادة مغلوب وجزية غارم
سلبناكم مصراً شهود بقوة * حبانا بها الرحمن أرحم راحم
إلى بيت يعقوب وأرباب دومة * إلى لجة البحر المحيط المحاوم
فهل سرتم في أرضنا قط جمعة * أبى لله ذا كم يا بقايا الهزائم
فما لكم إلا الأماني وحدها * بضائع نوكي تلك أحلام نائم
رويداً بعد نحو الخلافة نورها * وسفر مغير وجوه الهواشم
وحينئذ تدرون كيف قراركم * إذا صدمتكم خيل جيش مصادم
على سالف العادات منا ومنكم * ليالي بهم في عداد الغنائم
سبيتم سبايا يحصر العد دونها * وسبيكم فينا كقطر الغمائم
فلو رام خلق عدها رام معجزاً * وأني بتعداد لرش الحمائم
بأبناء بني حمدان وكافور صلتم * أراذل أنجاس قصار المعاصم
دعي وحجام سطوتهم عليهما * وما قدر مصاص دماء المحاجم
فهلا على دميانة قبل ذاك أو * على محل أربا رماة الضراغم
ليالي قادوكم كما اقتادكم * أقيال جرجان بحز الحلاقم
وساقوا على رسل بنات ملوككم * سبايا كما سيقت ظباء الصرائم
ولكن سلوا عنا هرقلاً ومن خلى * لكم من ملوك مكرمين قماقم
يخبركم عنا التنوخ وقيصر * وكم قد سبينا من نساء كرائم
وعما فتحنا من منيع بلادكم * وعما أقمنا فيكم من مآتم
ودع كل نذل مفتر لا تعده * إماماً ولا الدعوى له بالتقادم
فهيهات سامراً وتكريت منكم * إلى جبل تلكم أماني هائم
منى يتمناها الضعيف ودونها * نظائرها... وحز الغلاصم
تريدون بغداد سوقاً جديدة * مسيرة شهر للفنيق القواصم
محلة أهل الزهد والعلم والتقى * ومنزلة يختارها كل عالم
دعوا الرملة الصهباء عنكم فدونها * من المسلمين الغر كل مقاوم
ودون دمشق جمع جيش كأنه * سحائب طير ينتحي بالقوادم
وضرب يلقي الكفر كل مذلة * كما ضرب السكي بيض الدراهم
ومن دون أكناف الحجاز جحافل * كقطر الغيوم الهائلات السواحم
بها من بني عدنان كل سميدع * ومن حي قحطان كرام العمائم
ولو قد لقيتم من قضاعة كبة * لقيتم ضراماً في يبيس الهشائم
إذا أصبحوكم ذكروكم بما خلا * لهم معكم من صادق متلاحم
زمان يقودون الصوافن نحوكم * فجئتم ضماناً أنكم في الغنائم
سيأتيكم منهم قريباً عصائب * تنسيكم تذكار أخذ العواصم
وأموالكم حل لهم ودماؤكم * بها يشتفي حر الصدور الحوايم
وأراضيكم حقاً سيقتسمونها * كما فعلوا دهراً بعدل المقاسم
ولو طرقتكم من خراسان عصبة * وشيراز والري الملاح القوائم
لما كان منكم عند ذلك غير ما * عهدنا لكم ذل وعض الأباهم
فقد طالما زاروكم في دياركم * مسيرة عام بالخيول الصوادم
فأما سجستان وكرمان بالـ * ـأولى وكابل حلوان بلاد المراهم
وفي فارس والسوس جمع عرمرم * وفي أصبهان كل أروع عارم
فلوا قد أتاكم جمعهم لغدوتم * فرائس كالآساد فوق البهائم
وبالبصرة الغراء والكوفة التي * سمت وبآدي واسط بالعظائم
جموع تسامى الرمل عداً وكثرة * فما أحد عادوه منه بسالم
ومن دون بيت الله في مكة التي * حباها بمجد للبرايا مراحم
محل جميع الأرض منها تيقناً * محلة سفل الخف من فص خاتم
دفاع من الرحمن عنها بحقها * فما هو عنها رد طرف برائم
بها وقع الأحبوش هلكى وفيلهم * بحصباء طير في ذرى الجو حائم
وجمع كجمع البحر ماض عرمرم * حمى بنية البطحاء ذات المحارم
ومن دون قبر المصطفى وسط طيبة * جموع كمسود من الليل فاحم
يقودهم جيش الملائكة العلى * دفاعاً ودفعاً عن مصل وصائم
فلو قد لقيناكم لعدتم رمائماً * كما فرق الإعصار عظم البهائم
وباليمن الممنوع فتيان غارة * إذا ما لقوكم كنتم كالمطاعم
وفي جانبي أرض اليمامة عصبة * معاذر أمجاد طوال البراجم
نستفينكم والقرمطيين دولة * تقووا بميمون التقية حازم
خليفة حق ينصر الدين حكمه * ولا يتقي في الله لومة لائم
إلى ولد العباس تنمي جدوده * بفخر عميم مزبد الموج فاعم
ملوك جرى بالنصر طائر سعدهم * فاهلاّ بماضي منهم وبقادم
محلهم في مسجد القدس أو لدى * منازل بغداد محل المكارم
وإن كان من عليا عدي وتيمها * ومن أسد هذا الصلاح الحضارم
فاهلاً وسهلاً ثم نعمى ومرحباً * بهم من خيار سالفين أقادم
هم نصروا الإسلام نصراً مؤزراً * وهم فتحوا البلدان فتح المراغم
رويداً فوعد الله بالصدق وارد * بتجريع أهل الكفر طعم العلاقم
سنفتح قسطنطينية وذواتها * ونجعلكم فوق النسور القعاشم
ونفتح أرض الصين والهند عنوة * بجيش لأرض الترك والخزر حاطم
مواعيد للرحمن فينا صحيحة * وليست كآمال العقول السواقم
ونملك أقصى أرضكم وبلادكم * ونلزمكم ذل الحرّ أو الغارم
إلى أن ترى الإسلام قد عم حكمه * جميع الأراضي بالجيوش الصوارم
أتقرن يا مخذول ديناً مثلثاً * بعيداً عن المعقول بادي المآثم
تدين لمخلوق يدين لغيره * فيا لك سحقاً ليس بخفي لعالم
أنا جيلكم مصنوعة قد تشابهت * كلام الأولى فيها أتوا بالعظائم
وعود صليب ما تزالون سجداً * له يا عقول الهاملات السوائم
تدينون تضلالاً بصلب إلهكم * بأيدي يهود أرذلين لائم
إلى ملة الإسلام توحيد ربنا * فما دين ذي دين لها بمقاوم
وصدق رسالات الذي جاء بالهدى * محمد الآتي برفع المظالم
وأذعنت الأملاك طوعاً لدينه * ببرهان صدق طاهر في المواسم
كما دان في صنعاء مالك دولة * وأهل عمان حيث رهط الجهاضم
وسائر أملاك اليمانين أسلموا * ومن بلد البحرين قوم اللهازم
أجابوا لدين الله لا من مخافة * ولا رغبة يحظى بها كف عادم
فحلوا عرى التيجان طوعاً ورغبة * بحق يقين بالبراهين فاحم
وحاباه بالنصر المكين إلهه * وصير من عاداه تحت المناسم
فقير وحيد لم تعنه عشيرة * ولا دفعوا عنه شتيمة شاتم
ولا عنده مال عتيد لناصر * ولا دفع مرهوب ولا لمسالم
ولا وعد الأنصار مالاً يخصم * بلى كان معصوماً لأقدر عاصم
ولم تنهنهه قط قوة آسر * ولا مكنت من جسمه يد ظالم
كما يفتري إفكاً وزوراً وضلة * على وجهه عيسى منكم كل لاطم
على أنكم قد قلتموا هو ربكم * فيالضلال في القيامة عائم
أبى لله أن يدعى له ابن و صاحب * ستلقى دعاة الكفر حالة نادم
ولكنه عبد نبي رسول مكرم * من الناس مخلوق ولا قول زاعم
أيلطم وجه الرب تباً لدينكم * لقد فقتم في قولكم كل ظالم
وكم آية أبدى النبي محمد * وكم علم أبداه للشرك حاطم
تساوى جميع الناس في نصر حقه * بل لكل في إعطائه حال خادم
فعرب وأحبوش وفرس وبربر * وكرديهم قد فاز قدح المراحم
وقبط وأنباط وخزر وديلم * و روم رموكم دونه بالقواصم
أبوا كفر أسلاف لهم فتمنعوا * فآبوا بحظ في السعادة لازم
به دخلوا في ملة الحق كلهم * ودانوا لأحكام الإله اللوازم
به صح تفسير المنام الذي أتى * به دانيال قبله حتم حاتم
وهند وسند أسلموا وتدينوا * بدين الهدى رفض لدين الأعاجم
وشق له بدر السموات آية * وأشبع من صاع له كل طاعم
وسالت عيون الماء في وسط كفه * فأروى به جيشاً كثيرا هماهم
وجاء بما تقضي العقول بصدقه * ولا كدعاء غير ذات قوائم
عليه سلام الله ماذر شارق * تعقبه ظلماء أسحم قاتم
براهينه كالشمس لا مثل قولكم * وتخليطكم في جوهر وأقائم
لنا كل علم من قديم ومحدث * وأنتم حمير داميات المحازم
أتيتم بشعر بارد متخاذل * ضعيف معاني النظم جم البلاعم
فدونكها كالعقد فيه زمرد * ودر وياقوت بإحكام حاكم
محمد بن سوار بن إسرائيل بن الخضر بن إسرائيل بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين نجم الدين أبو المعالي الشيباني الدمشقي
قصيدته الدالية المطولة التي أولها:
وافى لي من أهواه جهراً لموعدي * وأرغم عذالي عليه وحسدي
وزار على شط المزار مطولاً * على مغرمٍ بالوصل لم يتعود
فيا حسن ما أهدى لعيني جماله * ويا برد ما أهدى إلى قلبي الصدي
ويا صدق أحلامي ببشرى وصاله * ويانيل آمالي ويا نجح مقصدي
تجلى وجودي إذ تجلى لباطني * بجدٍ سعيدٍ أو بسعدٍ مجدد
لقد حق لي عشق الوجود وأهله * وقد علقت كفاي جمعاً بموجدي
ثم تغزل فأطال إلى أن قال:
فلما تجلى لي على كل شاهدٍ * وسامرني بالرمز في كل مشهد
تجنبت تقييد الجمال ترفعاً * وطالعت أسرار الجمال المبدد
وصار سماعي مطلقاً منه بدؤه * وحاشى لمثلي من سماع مقيد
ففي كل مشهود لقلبي شاهدٌ * وفي كل مسموع له لحن معبد
وصل في مشاهد الجمال
أراه بأوصاف الجمال جميعها * بغير اعتقاد للحلو المبعد
ففي كل هيفاء المعاطف غادةً * وفي كل مصقول السوالف أغيد
وفي كل بدر لاح في ليل شعره * على كل غصنٍ مائس العطف أملد
وعنه اعتناقي كل قدٍ مهفهفٍ * ورشفي رضاباً كالرحيق المبرد
وفي الدر والياقوت والطيب والحلا * على كل ساجي الطرف لدن المقلد
وفي حلل الأثواب راقت لناظري * بزبرجها من مذهبٍ ومورد
وفي الراح والريحان والسمع والغنا * وفي سجع ترجيع الحمام المغرد
وفي الدوح والأنهار والزهر والندى * وفي كل بستان وقصرٍ مشيد
وفي الروضة الفيحاء تحت سمائها * يضاحك نور الشمس نوارها الندى
وفي صفو رقراق الغدير إذا حكى * وقد جعدته الريح صفحة مبرد
وفي اللهو الأفراح والغفلة التي * تمكن أهل الفرق من كل مقصد
وعند انتشار الشرب في كل مجلسٍ * بهيجٍ بأنواع الثمار المنضد
وعند اجتماع الناس في كل جمعةٍ * وعيدٍ وإظهار الرياش المجدد
وفي لمعان المشرفيات بالوغى * وفي ميل أعطاف القنا المتأود
المظاهر العلوية
وفي الأعوجيات العتاق إذا انبرت * تسابق وفد الريح في كل مطرد
وفي الشمس تحكي وهي في برج نورها * لدى الأفق الشرقي مرآة عسجد
وفي البدر بدر الأفق ليلة تمه * جلته سماء مثل صرحٍ ممرد
وفي أنجم زانت دجاها كأنها * نثار لآلٍ في بساطٍ زبرجد
وفي الغيث روى الأرض بعد همودها * قبال نداء متهم بعد منجد
وفي البرق يبدو موهناً في سحابه * كباسم ثغر أو حسام مجرد
وفي حسن الخطاب وسرعة الجـ * ـواب وفي الخط الأنيق المجود
المظاهر المعنوية
وفي رقة الأشعار راقت لسامعٍ * بدائعها من مقصر ومقصد
وفي عود عيد الوصل من بعد جفوة * وفي أمن أحشاء الطريد المشرد
وفي رحمة المعشوق شكوى محبه * وفي رقة الألفاظ عند التودد
وفي أريحيات الكريم إلى الندى * وفي عاطفات العفو من كل سيد
وحالة بسط العارفين وأنسهم * وتحريكهم عند السماع المقيد
وفي لطف آيات الكتاب التي بها * تنسم روح الوعد بعد التوعد
المظاهر الجلالية
كذلك أوصاف الجلال مظاهر * أشاهده فيها بغير تردد
ففي سطوة القاضي الجليل وسمته * وفي سطوة الملك الشديد الممرد
وفي حدة الغضبان حالة طيشه * وفي نخوة القرم المهيب المسود
وفي صولة الصهباء جاز مديرها * وفي بؤس أخلاق النديم المعربد
وفي الحر والبرد اللذين تقسما الز* مان وفي إيلام كل محسد
وفي سر تسليط النفوس بشرها * علي وتحسين التعدي لمعتدي
وفي عسر العادات يشعر بالقضا * وتكحيل عين الشمس منه بأثمد
وعند اصطدام الخيل في كل موقفٍ * يعثر فيه بالوشيج المنضد
وفي شدة الليث الصؤول وبأسه * وشدة عيش بالسقام منكد
وفي جفوة المحبوب بعد وصاله * وفي غدره من بعد وعد مؤكد
وفي روعة البين المسيء وموقف الـ * ـوداع لحران الجوانح مكمد
وفي فرقة الألاَّف بعد اجتماعهم * وفي كل تشتيت وشمل مبدد
وفي كل دار أقفرت بعد أنسها * وفي طلل بال ودارس معمد
وفي هول أمواج البحار ووحشة الـ * ـقفار وسيل بالمزاييب مزبد
وعند قيامي بالفرائض كلها * وحالة تسليم لسر التعبد
وعند خشوعي في الصلاة لعزة الـ * ـمناجي وفي الأطراق عند التهجد
وحالة إهلال الحجيج بحجهم * وأعمالهم للعيش في كل فدفد
وفي عسر تخليص الحلال وفترة الـ * ـملال لقلب الناسك المتعبد
المظاهر الكمالية
وفي ذكريات العذاب وظلمة الـ *حجاب وقبض الناسك المتزهد
ويبدو بأوصاف الكمال فلا أرى * برؤيته شيئاً قبيحاً ولا ردي
فكل مسيءٍ لي إليّ كمحسنٍ * وكل مضل لي إليّ كمرشد
فلا فرق عندي بين أنسٍ ووحشةٍ * ونورٍ وإظلامٍ ومدنٍ ومبعد
وسيان إفطاري وصومي وفترتي * وجهدي ونومي وإدعاء تهجدي
أرى تارة في حانة الخمر خالعاً * عذارى وطوراً في حنية مسجد
تجلى لسري بالحقيقة مشرب * فوقتي ممزوج بكشفٍ مسرمد
تعمرت الأوطان بي وتحققت * مظاهرها عندي بعيني ومشهدي
وقلبي على الأشياء أجمع قلب * وشربي مقسوم على كل مورد
فهيكل أوثانٍ وديرٍ لراهبٍ * وبيت لنيرانٍ وقبله معبدي
ومسرح غرلانٍ وحانة قهوةٍ * وروضة أزهارٍ ومطلع أسعد
وأسرار عرفانٍ ومفتاح حكمةٍ * وأنفاس وجدانٍ وفيض تبلد
وجيش لضرغامٍ وخدر لكاعب * وظلمة جيرانٍ ونور لمهتدي
تقابلت الأضداد عندي جميعها * لمحنة مجهود ومنحة مجتدي
وأحكمت تقرير المراتب صورةً * ومعنى ومن عين التفرد موردي
فما موطن إلا ولي فيه موقفٌ * على قدم قامت بحق التفرد
فلا غرو وإن فت الأنام جميعهم * وقد علقت بحبل من حبال محمد
عليه صلاة الله تشفع دائماً * بروح تحيات السلام المردد

فهد ابن غانم 05-12-06 09:15 PM

بيض الله وجهك يالغالي

ابن خيرالله الردادي 05-12-06 11:12 PM

الأخ لافي

مشكور على جهودك ويعطيك العافيه

بارك الله فيك

تقبل تحياتي

ودمت بخير

سعودالمبيريك 05-12-06 11:29 PM

الشاعر :لافي

اختيار موفق

تقبل اغلى التحايا

سالم الفريدي 08-12-06 03:46 AM




الساعة الآن 02:48 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi