انصرفنا من المدرسة، وعدنا إلى بيوتنا فرحين.. كنا مجموعة من الأطفال، نتحادث ونضحك ونقفز. وفي الطريق، شاهدْنا مجنوناً، قصيرَ القامة، أسمرَ البشرة، أشعثَ الشعر، يرتدي ثوباً بالياً، يكشف عن صدره..
تحلّقنا حوله، ننظر إليه بفضول، ونسخر من مظهره، بعبارات جارحة:
-انظروا إلى لعابه كيف يسيل!
-ما أبشعَ منظره!
-إنه يسير حافياً!
-ما أكرهَ رائحته!
-أظنُّ أنه لم يغتسل في حياته!
انفجرنا ضاحكين..
وظلّ المجنونُ صامتاً، يرمقنا مدهوشاً.. أقبلْنا عليه، نغيظه ونؤذيه..
نأتيه من بين يديه، ونأتيه من خلفه.. هذا يشدُّ شعرَهُ، وذاكَ ينتر ثوبه، وآخر يدفع ظهره، وهو يلتفت ذات اليمين، وذات الشمال، ولا يدري ماذا يفعل..
لم نكتفِ بذلك، بل أخذْنا نقذفه بالحصى، فهرول وراءنا، يصرخ متألّماً..
-يا أبنائي.. الشكل القبيحُ لا يعيبُ صاحبه، وإنَّما فعله القبيح.
نكسنا رؤوسنا خجلاً، ولم ننبس بكلمة واحدة.. وانحنتِ العجوز على المجنون، تمسح له وجهه وجرحه، ثم قبّلتْهُ بين عينيه، وسحبَتْهُ من يده، فمشى معها طائعاً، مثل حَمَلٍ وديع..