روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
20-12-16, 06:39 PM | #131 |
🕋تفسير قوله تعالى: (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم ...)
قال الله تعالى: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [البقرة:49]. هذه الآيات مر معنا نظائر كثيرة منها في سورة طه، لكن أحب أن أبين أن الله جل وعلا مليك مقتدر، وما كتبه الله جل وعلا في اللوح سيكون، ففرعون رأى في المنام أن ناراً خرجت فأحرقت أهل مصر كلهم ولم تصب بني إسرائيل بشيء، وكان بنو إسرائيل يوم ذاك مستضعفون في أرض مصر بعد أن دخلها يعقوب أيام ولاية ابنه يوسف. فقرر فرعون أن يقتل كل مولود منهم، وأراد فرعون بذلك أن يمنع وجود موسى، فمن أجل أن يمنع فرعون وجود موسى قتل اثني عشر ألف صبي وكان موسى في قصره يأكل من طعامه ويشرب من شرابه، قال بعض أهل العلم: فشمر فرعون عن ساق الاجتهاد، وحسر عن ذراع العناد، يريد أن يسبق القضاء ظهوره ويأبى الله إلا أن يتم نوره فلا يمكن أن يغلب أحد مراد الله، الله يقول: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [يوسف:21] وإنما هي سنون تطوى، وأيام تنقضي، ثم ينجلي مراد الله. فبنو إسرائيل الله جل وعلا يمن عليهم بهذا الأمر: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [البقرة:49] ما هو سوء العذاب؟ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [البقرة:49] يعني: يبقونهن أحياء للخدمة ولأشياء أخر لا تذكر. وَفِي ذَلِكُمْ [البقرة:49] هذه إشارة بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [البقرة:49] عجيب من المفسرين أن يجنحوا إلى أن البلاء هنا بمعنى النعمة، ويقولون: إن المقصود النجاة، فقد امتن الله بها على بني إسرائيل، والحق أنه يجب صرف البلاء هنا على النقمة. والمقصود: أن الله جل وعلا يبين لبني إسرائيل ما كانوا فيه من بلاء عظيم، والمنة عليكم جاءت بأنكم كنتم في بلاء عظيم فأنجاكم الله منه، كقول الله جل وعلا في حق الخليل إبراهيم: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [الصافات:106]، فجعل الله جل وعلا ما ابتلي به إبراهيم بلاءً عظيماً حتى يكون الفداء لإسماعيل بالكبش له نوع من القبول والموافقة والسياق والاتزان مع عظيم البلاء، فهذه عندي مثلها، ولا حاجة لأن يقال: إن البلاء يأتي في اللغة بمعنى النعمة، ويستشهدون بقول الله جل وعلا: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35] هذا صحيح لكنه ينبغي أن يعرف القرآن من سياقه الذي أنزل فيه. |
|
20-12-16, 06:40 PM | #132 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون ...)
قال الله تعالى: وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة:50] مر هذا معنا مفصلاً في سورة طه، فهنا يمتن الله جل وعلا على بني إسرائيل بما كان من إنجائه إياهم وهلاك عدوهم، ولا ريب أن السلامة من العدو والنجاة منه من أعظم المنن التي امتن الله بها على بعض خلقه لكن الله قال: (وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ) فهذه نعمة مشهودة للآباء وليست للأبناء، والمخاطب في الآية الأبناء بدليل قول الله تعالى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:40]، والقرآن لا يخاطب أقواماً قد ماتوا لا تقوم عليهم حجة، والأصل أن الإنسان تبع لمن قبله إن لم يعلن تبرأه منه.فهؤلاء بنو إسرائيل أمة واحدة في تسلسل النسب، والله جل وعلا هنا يخاطب الأبناء ممتناً عليهم بنعمه على الآباء حتى يقيم الحجة عليهم، ويبين لهم أن الرب الذي امتن على آبائكم يطالبكم أن تتبعوا هذا النبي الأمي الذي ظهر بين أظهركم، وقد مر معنا أن حسان لما قال مفتخراً بمن ولد لامتُهُ العرب وقالت له: افتخر بمن ولدك، هو قال رضي الله عنه:ولدنا بني العنقاء وابني محرقفأكرم بنا خالاً وأكرم بذا ابنمافقال له النابغة الذيباني :يا ابن أخي افتخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدكوالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أنت ومالك لأبيك)، فنسبها إلى الأعلى، ولم يقل للأب: أنت ومالك لابنك هذا محال! فالمقصود: أن الله جل وعلا يمتن على الأبناء بما أنعم به على الآباء حتى تقوم الحجة وتتضح المحجة على أولئك الأبناء.ومن أعظم ما من الله به على بني إسرائيل في الزمن السابق والدهر الفائت أنه منّ عليهم بالنجاة من كيد فرعون، وقد كان فرعون يسومهم سوء العذاب، يذبح الأبناء، ويستحيي النساء، فأغرقه الله جل وعلا وهم ينظرون إليه، ولم يعمل بنو إسرائيل لهذا ولا رمحاً واحداً، وإنما أغرقه الله جل وعلا بقدرته، وأنجاهم بفضله ورحمته حتى تقوم الحجة عليهم وقد أقيمت. وبعض هذا العلم كما سيأتي لم يكن يعرفه حتى الأحبار فذكره الله جل وعلا على لسان الرسول المختار حتى تقوم الحجة، والقرآن حجة علمية على بني إسرائيل كما هو حجة لفظية على العرب، فهو حجة في كل شيء على كل أحد.هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصل اللهم على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
20-12-16, 06:41 PM | #133 |
20-12-16, 06:42 PM | #134 |
🕋
تفسير قوله تعالى: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده ...) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فقد انتهينا إلى قول الله جل وعلا في الآية الخمسين من سورة البقرة: وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة:50]، وذكرنا أن هذه الآيات جاءت تبعاً لنداء الله جل وعلا لبني إسرائيل في قوله سبحانه: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة:40]، كما ذكر الله جل وعلا بعضاً من أخبار بني إسرائيل ممتناً على الأبناء بما فضل الله جل وعلا به الآباء، فأقام الحجة عليهم وأظهر لهم المحجة. ثم قال الله جل وعلا: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [البقرة:51] قد مر معنا ذكر الكثير من هذه الأخبار في شرحنا لسورة طه فلا معنى للتكرار، لكننا سنعلق قدر الإمكان مما يستوجبه المقام فنقول: (وَإِذْ وَاعَدْنَا) هذه فيها مفاعلة فكان الأمر من الله والقبول من موسى؛ ولهذا قال الله: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى)، فإن كلمة (واعد) تتطلب اثنان؛ فلهذا قال الله: (وَإِذْ وَاعَدْنَا) فكان الأمر من الله والقبول من موسى. وبعض العلماء يقول: كان الوعد من الله والوفاء من موسى، واعد الله جل وعلا موسى عند جبل الطور في المدة التي كان فيها موسى يخاطبه ربه عند الميقات الزماني والمكاني، فاتخذ بنو إسرائيل العجل. واتخذ: فعل يتعدى إلى مفعولين، واللغة مفتاح لفهم القرآن، فأحياناً تجد أمراً تستشكله لغوياً، ووجود الإشكال هو أول طرائق العلم، لأن العلم هو حل الإشكالات الموجودة، فلو قلت مثلاً: اتخذ يزيد التدريس مهنةً، فلو قلت: اتخذ يزيد التدريس، احتاجت الجملة إلى اكتمال إما أن يفهم من السياق، أو أن تقوله لفظاً. والعجل هو صغار البقر، لو جاء إنسان واتخذ العجل طعاماً لضيفه فلا يمكن أن يحرج عليه فيه بل هذا هدي الأنبياء، فإن إبراهيم ذبح العجل إكراماً لضيفه، والله جل وعلا هنا يقول: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [البقرة:51] اتخذتم: فعل وفاعل، والعجل: مفعول به أول، لكن أين المفعول به الثاني؟ لم يذكره الله، لكن معلوم لكل أحد من سياق الآيات في سورة البقرة وطه وغيرهما أنهم اتخذوا العجل إلهاً يعبد من دون الله. ومن طرائق القرآن في التشنيع عدم ذكر الشيء لشناعته، إذ لا يتصور عقلاً حتى يقع لفظاً، فالله لم يقل في القرآن: واتخذتم العجل إلهاً، إذ لا يتصور أن أحداً يعبد العجل بعد أن عرف الله؛ ولهذا لم يأت المفعول الثاني لاتخذ هنا ظاهراً، وإنما أضمر لبيان الشناعة في اتخاذه. قال الله جل وعلا: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [البقرة:51] في فترة الغياب اتخذ بنو إسرائيل العجل إلهاً. |
|
20-12-16, 06:44 PM | #135 |
🕋 .
تفسير قوله تعالى: (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) قال الله تعالى: وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة:53] كل ما مضى من الآيات المبدوءة: وإذ مبدوءة بإذ الشرطية تتعلق بالزمان ومعناها: واذكروا إذ، واذكروا إذ آتينا موسى.. واذكروا إذ جعلتم.. واذكروا إذ فرقنا. قال الله تعالى: (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) من المعلوم أن الواو التي بين الكتاب والفرقان هي واو عطف، والأصل في العطف أنه يقتضي المغايرة، فهل الفرقان هنا غير الكتاب؟ الكتاب الذي أنزل على موسى هو التوراة، وبعض المفسرين يقولون: إن التوراة هي الفرقان، ويحتجون بآية سورة المؤمنون، ويقولون في العطف هنا: هذا عطف في الصفات لا في الذوات، وينزل التغاير في الصفات منزلة التغاير في الذوات، وهذا مر معنا تحريره فيما سبق، والمعنى: أن التوراة التي أنزلها الله على موسى وصفت بأنها كتاب، ووصفت بأنها فرقان، وممن رجح هذا العلامة الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه في أضواء البيان، واحتج بقول الله جل وعلا: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى:1-3] فجاء بالعطف، والكلام كله عن إله واحد هو الله جل جلاله، لكن هذا تغاير في الصفات وليس تغايراً في الذات. هذا ما اختاروه، والحق أنه يصعب علي قبول هذا هنا، فأرى أن الفرقان غير الكتاب؛ لأن الكتاب ليس صفة وإنما هو الاسم الأول الجامع للتوراة، والفرقان أو كونه ضياء صفات، فلو قال: وإذ آتينا موسى الفرقان والضياء لقلنا: إنها صفات لكن هذه تنزل عندي على قول الله جل وعلا: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34] فآيات الله: القرآن، والحكمة: ما أعطاه الله نبيه من غير القرآن، وقطعاً مثل ما أوتي نبينا صلى الله عليه وسلم نوراً وفرقاناً غير القرآن يحكم به ويهتدي به فقد أعطي أنبياء الله من قبل كموسى وهارون مع التوراة شيئاً خاصاً بهم غير الكتاب الذي يتلى على قومهم، هذا الذي يترجح والعلم عند الله. |
|
20-12-16, 06:45 PM | #136 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم ...)
قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ [البقرة:54] أي: واذكروا إذ قال موسى لقومه: يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ [البقرة:54] لم يأت معنا كلمة إله، لكن وضحت هذه الآية معنى (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) أي إلهاً. فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ [البقرة:54] هنا أمرهم الله جل وعلا بقتل أنفسهم، والعلماء يقولون: أمر أن يقتل كل منهم أخاه، ويحتجون بآية: ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور:12] وتعبير النفس هنا: على الشخص الآخر، والذي يبدو لي أن المعنى أن كل إنسان أمر بقتل نفسه، فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة:54-55] وكل هذه الأحداث التي ذكرها الله في كتابه كانت وبنو إسرائيل في أرض التيه بعد نجاتهم من فرعون، فمتى طلبوا أن يروا الله جهراً؟ لما عبدوا العجل وذهب سبعون منهم مع موسى وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا [الأعراف:155]، هؤلاء الذين ذهبوا مع موسى طلبوا من موسى أن يرو الله جهرة، وقال موسى كما في آية الأعراف: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ [الأعراف:155] والمقصود: على تجرئهم على المعاصي، والله قال لنبيه: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء:153]، والتعداد هنا لما حصل منهم، ولنعم الله جل وعلا عليهم. ثم قال الله جل وعلا: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:56] وهذا بعث حقيقي بعد موت حقيقي، قال الشنقيطي : ولا يجوز صرف القرآن عن ظاهره إلا بدليل. ثم قال جل وعلا: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57] هذا كله مر معنا في سورة طه. |
|
20-12-16, 06:46 PM | #137 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر ...)
قال الله جل وعلا: وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا [البقرة:60] كانوا بصحراء التيه فبدهي أن يعطشوا، والدنيا تتقلب بأهلها ما بين جدب وما بين إمطار، ففي لحظات جدب طلبوا من الله عن طريق موسى الغوث؛ فاستسقى موسى لقومه، فأمره الله أن يضرب بعصاه الحجر، قال الله: (فَانفَجَرَتْ مِنْهُ) تقدير الآية: فضرب فانفجرت؛ لأن الانفجار ما كان بالأمر، الأمر كان لموسى، فنفذ موسى أمر الله فانفجر. ويذكر المفسرون هنا أي حجر هذا؟ لأن الألف واللام إما أن تكون للجنس فتشمل أي حجر، أو للعهد، والعهد ينقسم إلى قسمين: عهد لفظي وعهد ذهني، وقطعاً لا يوجد عهد لفظي؛ لأنه لم يذكر الحجر من قبل، فما بقي حمله -إذا قلنا بالعهد- إلا على العهد الذهني، فقال بعض العلماء: إنه حجر كان الله جل وعلا قد آتاه موسى، ونقل عن سعيد بن جبير : أنه الحجر الذي هرب بلباس موسى عندما كان موسى يغتسل، لكن الذي يبدو لي -والله أعلم- أنه حجر غير معين؛ لأنه لم يرد لفظياً؛ ولا يوجد من الحجارة ما يمكن حمل الأمر الذهني عليه، فلم يرد في القرآن أن هناك حجراً اختص به موسى، والمرجع في كلام الله إلى كلامه. فقوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ [البقرة:60] أي: ذلك الحجر، اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا [البقرة:60] وكانت أسباط بني إسرائيل اثني عشر سبطاً، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ [البقرة:60] فلا يختلطون، كل قبيلة، كل شعب يشرب من تلك العين، كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ [البقرة:60] كلوا من المن والسلوى واشربوا من الماء، وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [البقرة:60] العثاء في الأرض أشد أنواع الإفساد. |
|
20-12-16, 06:48 PM | #138 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ...)
قال الله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ [البقرة:61] هنا ذكر المفرد والمراد به المثنى، ما الطعام الواحد؟ المن والسلوى، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ [البقرة:61] مصراً جاءت منونة والمقصود بها أي مصر، وليس مصر المعروفة، وقد ذكر في القرآن مصر المعروفة، لكنها ليست المقصودة هنا. وهذا الجواب غير متوقع: (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) والمقصود منه: إثارة الحياة في الناس ورفع الذل عنهم، فهم تاهوا في الأرض بسبب معصيتهم، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا [المائدة:22]، فتقاعسوا عن الجهاد: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24]، فهم لا يريدون أن يعملوا، ويريدون رزقاً فكان الجواب: (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) أي: إن كنتم تريدون البقاء والحياة فلا بد بالأخذ بأسبابها والسعي، ولا تنتظروا أن ينزل الأمر عليكم والرزق لديكم، فأمرهم الله جل وعلا بالسعي، فلأمر ما منع الله منهم تلك المطعومات حتى يحيي في قلوبهم ما يرفعون به الذلة عن أنفسهم (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ). نعود إلى قوله جل وعلا: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة:61] الباء هنا لحقت بالمبدل منه لا بالبدل، وقد شاع في أقوال الناس حتى عند بعض أرباب الفصاحة إلحاقها بالبدل، قال شوقي رحمه الله: أنا من بدل بالكتب الصحابا لم أجد لي وافياً إلا الكتاب هو أراد أن يقول: أنني تركت الأصحاب وأقبلت على الكتاب، لكنه جعل الباء في البدل، والصواب أن تكون في المبدل منه، قال الله: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) فالمبدل منه الذي هو خير، والبدل الذي هو أدنى. والدليل على ما ذكرنا قبل أن الله أراد أن يحيي بهذا الجواب قلوبهم ليرفعوا الذل عن أنفسهم أنه قال بعدها: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [البقرة:61]، والضرب في القرآن وفي اللغة يأتي في قضايا الإلصاق واللزوم: فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا [الكهف:11]، يقول الفرزدق : ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل الضرب في اللغة: يراد به الإلصاق واللزوم، والله يقول هنا: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة:61]، وكلمة (بَاءُوا) لا تأتي إلا في الغضب، لا تأتي في الأمر الحميد، وهذا أمر باق في بني إسرائيل إلى اليوم، فبرغم ما أعطاهم الله وأورثهم من أموال وسلطان ظاهر وقاهر على اقتصاد العالم وإعلامه إلا أنهم أخفياء، لا تكاد تعرف منهم أحداً، فهم غير مشاهير، أذلة في كل مكان، رغم أي سلطان يؤتونه عليهم التعب ولغيرهم أن يجني، وهم الآن متسلطون جداً على قرار اختيار الرئيس الأمريكي، لكن لا يوجد رئيس أمريكي يهودي، فهم يسعون وغيرهم يجني، فهم حتى في تسلطهم قل أن يحصدوا الثمرة العليا، يحصدون ما دونها، وهذا معنى قول الله: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ). قال الله: ذَلِكَ [البقرة:61] أي: بسبب، بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ [البقرة:61] ومن أشهر من قتلوه زكريا عليه السلام ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [البقرة:61]. |
|
20-12-16, 06:49 PM | #139 |
🕋 فسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا ...)
قال الله جل وعلا بعد أن ذكر نتفاً من أخبار بني إسرائيل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62] . هذه الآية مشكلة، فكثيراً ما يحصل السؤال عنها، حتى قال بعض المعاصرين: الله أساغ الأديان كلها ولم يحصرها في الإسلام، الله يقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، من أين أتيتم بأن الله لا يقبل إلا ديناً واحداً؟! ويردون آية آل عمران! ونحن قلنا دائماً: نقض الشيء لا بد أن يكون بإقامة الحق مكانه، فنقول: هناك فِرَق وقت تنزل القرآن، ووقت نزول سورة البقرة، ونزول هذه الآية، وهم: المؤمنون: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واليهود، والنصارى، وعبدة النار الذين هم الصابئة، والمجوس عبدة النار، وقيل: إن الصابئة عبدة الكواكب، واختلف في تحديدهم، أياً كان الأمر فكان هناك ملل ونحل، والعبرة عند الله بالموافاة أي: بماذا تلقى الله، فلو فرضنا أن إنساناً دخل في الدين الإسلامي ومكث إلى قبل خاتمته ثم أعلن براءته من الإسلام فمات على غير الإسلام فهذا لا ينطبق عليه الوعد الرباني: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، ولو أن رجلاً يهودياً قبل أن يوافي الله تاب وتنصل من يهوديته وآمن بالله واليوم الآخر فينطبق عليه قول الله جل وعلا: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، فالله جل وعلا ذكر أهل الإيمان هنا مرتين متغايرين: الأول باعتبار دعواهم، والثاني: باعتبار موافاتهم بالإيمان والبقاء والثبات عليه، فالله يقول: إن الأمر والشأن بيني وبينكم أن تلقوني وأنتم مؤمنون بالله واليوم الآخر، سواء قلتم أنكم مؤمنون أو نصارى أو يهود أو صابئة، فإذا تنصلتم مما أنتم فيه وبقيتم على الإيمان بالله واليوم الآخر انطبق عليكم وعدنا: لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، وعبر الله هنا بضمير الغائب. |
|
20-12-16, 06:50 PM | #140 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ...)
ثم عاد القرآن ليذكر أخبار بني إسرائيل: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:63] رفع الطور كان وعيد حصل لموسى مع السبعين من قومه، رفع فوقهم حتى ظللهم كأنه يراد أن يلقى عليهم فتابوا لما رأوه، قال الله جل وعلا: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [البقرة:64] وهذه ظاهرة. |
|
|
|