حكم القيام في المجالس
روى الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم صلاة الظهر بهم جالساً، فصلى أصحابه خلفه قياماً، فأشار إليهم وهو في صلاته أن اجلسوا، فجلسوا، وحينما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال لهم: إن كدتم لتفعلن آنفاً فعل فارس بعظمائها، يقومون على رءوس ملوكهم، إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين).
الشاهد من هذا الحديث هو: أن من عادة الأمم أن يأخذ بعضها عن بعض، وأن يقلد بعضها بعضاً، وإنما يأخذ الضعيف من القوي، وإنما يقلد الضعيف القوي، كما هو واقعنا اليوم تماماً، فقد أصبحنا على الرغم من ديننا وإسلامنا -بسبب بعدنا عن إسلامنا- أصبحنا أمة ضعيفة تقلد الأقوياء في المادة، وليتهم كانوا أقوياء في الدين وفي العقيدة وفي الخلق، أصبحنا نقلدهم؛ لأننا ننظر إليهم بعين الإجلال والإكبار والتعظيم، هذه هي عادة الأمم، ضعيفها مع قويها، وحقيرها مع عظيمها، لذلك جاء الإسلام في جملة ما جاء به من المقاصد والقواعد، أن نهى المسلمين أن يتشبهوا بالكافرين؛ وذلك لأن التشبه هو مدعاة لإضاعة شخصية الأمة، ولتمييعها في شخصية أمة أخرى، فطالما جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تترى بعبارات متنوعة شتى، كلها تؤدي إلى حقيقة واحدة، ألا وهي حافظوا على شخصيتكم المسلمة، ولا تقلدوا الكفار في شيء من تقاليدهم ومن عاداتهم. فعندما وقفوا خلف الرسول عليه السلام قياماً لمن؟ ولماذا؟ تحقيقاً لنص القرآن الكريم: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ }. إذاً: هم لم يقوموا لمحمد عليه الصلاة والسلام القاعد في صلاته مضطراً، وإنما قاموا لله رب العالمين، فنيتهم تعظيم الله عز وجل لا غير، ماذا فعل معهم الرسول عليه السلام؟ ما صبر حتى انتهى من صلاته، وإنما عجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأشار إليهم في الصلاة بيده أن اجلسوا، وبعد الصلاة شرح لهم بلسانه وبيانه فقال: ( إن كدتم لتفعلن آنفاً فعل فارس بعظمائها، يقومون على رءوس ملوكهم ).
وهناك فرق كبير كما يبدو لكل إنسان يسمع بهذا الحديث بين ملوك فارس، كسرى يجلس على عرشه (المطنطن المفخم)، وحوله حاشيته ووزراؤه قياماً، وهو يجلس تعاظماً، وهم يقومون تعظيماً له أين هذه الظاهرة من جلوس الرسول عليه السلام في الصلاة وليس خارج الصلاة، ومضطراً وليس اختياراً، وقيام الصحابة أيضاً في الصلاة وليس في المجلس أيضاً هم مضطرون طاعة لله رب العالمين، يقومون لله قانتين أين هذه الظاهرة من تلك؟ شتان ما بينهما، ومع ذلك قال لهم عليه الصلاة والسلام: ( إن كدتم لتفعلن فعل الأعاجم مع ملوكم، يقومون على رءوس ملوكهم )، فلم يقولوا: يا رسول الله! هم يقومون تعظيماً لملكهم؛ لأنهم يفهمون أن هناك أموراً محرمة لذاتها وأموراً أخرى محرمة لغيرها؛ لأنها تؤدي إلى شيء محرم، من ذلك: تبني المسلمين عادات الأجانب والأعاجم، فمن هذه العادات: هذا القيام الذي ابتلي به جماهير المسلمين اليوم، والسبب تعرفونه جميعاً وهو الابتعاد عن السنة وعن الاهتداء بهدي السلف الصالح.[1] (http://www.almeshkat.net/vb/newthrea...ead&f=28#_ftn1)
فالصحابة هم أعرف الناس بما يستحقه أعظم الناس وسيد الناس وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، من التبجيل والإكرام والتعظيم كيف لا وقد سمعوه عليه الصلاة والسلام يقول لهم مراراً وتكراراً: ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا حقه ) رواه البخاري، ومما روى أيضاً: ( إن من إجلال الله- من تعظيم الله- إجلال ذي الشيبة المسلم ). هؤلاء الصحابة الذين تأدبوا بأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخرجوا من مدرسته، وصاحبوه ما شاء الله عز وجل من سنين كلٌ بحسبه، ما كان لهم إلا أن يعظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم التعظيم الذي يستحقه، فهل كان أحدٌ منهم يقوم له؟ إذا رجعنا إلى السنة الصحيحة وجدنا الجواب صريحاً بالنفي.
قال صلى الله عليه و سلم : "من أحبَّ أن يتمثّل الناسُ له قيامًا فلْيَتبوَّأ مقعده من النار" (صحيح رواه أحمد وصححه الألباني).
و قال أنس رضي الله عنه : "ما كان شخص أحبّ إليهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما يَعلمون مِن كراهيته لذلك" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
وعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا : عبد الله ورسوله " . متفق عليه.
1. يُفهم من هذه الأحاديث أن المسلم الذي يحبّ أن يقوم له الناس عند دخوله مجلسًا يتعرض لدخول النار ، و أن الصحابة رضي الله عنهم يُحبون رسول الله صلى الله عليه و سلم حبا شديدا و مع ذلك كانوا إذا رأوا الرسول صلى الله عليه و سلم داخلا عليهم لم يقوموا له لما يعلمون من كراهية الرسول صلى الله عليه و سلم للقيام له. والجواب الصحيح لقول أنس بن مالك: [ لما يعلمون من كراهيته لذلك ] فهي كراهية شرعية، فالرسول يكره هذا القيام، لأنه من عادة الأعاجم.
2. اعتاد الناس أن يقوموا لبعضهم و خاصة إذا دخل الشيخ لإعطاء الدرس أو لزيارة مكان من الأمكنة و كذا المدرس إذا دخل على الطلاب فسرعان ما يقف الطلاب احترامًا له، و الذي يمتنع عن القيام يُلام و يُوبّخ على سوء أدبه و عدم احترامه لأستاذه. إن سكوت الشيخ أو المعلم على القيام له، أو لوم الطالب ال----------------------------------- عن القيام يدل على حب الشيخ و المدرس للقيام و يعرضان نفسيهما لدخول النار، و لو كانا لا يحبان القيام لهما أو يكرهانه لأعلم كلٌ منهما طلابه و طلب منهم عدم القيام بعد ذلك و شرح لهم الأحاديث الناهية عن القيام. إن تكرار القيام للعالم أو الداخل يولد في نفس كل منهما حب القيام بحيث إذا لم يقم أحد له شعر بانزعاج و إن هؤلاء القائمين كانوا عونا للشيطان في حب القيام للقادم ، و قد قال صلى الله عليه و سلم :" و لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم" (رواه البخاري).
3. كثير من الناس يقولون : نحن نقوم للمدرس أو الشيخ احتراما لعلمه، فنقول لهم : هل تشكون في علم رسول الله صلى الله عليه و سلم و أدب صحابته معه ، و مع ذلك لم يقوموا له ، و الإسلام لا يعتبر الاحترام بالقيام ، بل يكون بالطاعة و امتثال الأمر و إلقاء السلام و المصافحة ، و لا عبرة بقول الشاعر شوقي : (قُم للمُعلِّم وفِّه التبجيلا * كاد المعلم أن يكون رسولا) لمخالفته قول رسول الله المعصوم صلى الله عليه و سلم الذي كره القيام ، فكان من أحبه تسْتوجب له دخول النار.
4. كثيرا ما نكون في مجلس فيدخل الغني فيقوم له الناس، و يدخل الفقير فلا يقوم له أحد فيجد في نفسه حِقداً على الغني و الجالسين لهذه المعاملة و تكون الشحناء بين المسلمين التي نهى الإسلام عنها و كان سببها القيام ، و قد يكون هذا الفقير الذي لا يقوم الناس له أفضل عند الله من ذلك الغني المُقام له ، لقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (سورة الحجرات).
5. قد يقول قائل : إذ لم نقم للرجل الداخل فربما وجد في نفسه شيئا على الجالسين ، فنقول له: نشرح لهذا القادم أن محبته في قلوبنا و أننا نقتدي برسول الله الذي يكره القيام له و بصحابته الذين لم يقوموا له، و نحن نكره للقادم دخول النار.
القيام المطلوب و المشروع
1. كان صلى الله عليه و سلم يقوم إلى ابنته فاطمة إذا دخلت عليه و تقوم إليه إذا دخل عليها و هذا جائز و مطلوب لأنه قيام إلى الضيف لملاقاته و إكرامه ، لقوله صلى الله عليه و سلم: "مَن كان يُؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم ضيفه" (متفق عليه) و القيام يكون من صاحب البيت فقط.
2. "قوموا إلى سيدكم" (متفق عليه) و رواية "فأنزلوه" سبب ورود هذا الحديث أن سعدًا رضي الله عنه كان جريحا ، و طلبه الرسول صلى الله عليه و سلم ليحكم في اليهود فركب حمارا فلما وصل قال للأنصار :"قوموا إلى سيدكم فأنزلوه" فقاموا إليه فأنزلوه ، و هذا القيام مطلوب لمساعدة سعد سيد الأنصار رضي الله عنه و هو جريح على ظهر الحمار لئلا يقع ، و لم يقم الرسول صلى الله عليه و سلم و بقية الصحابة. ولفظ : "إلى سيدكم يدل على جواز القيام بعكس الأحاديث المانعة من القيام ، فقد جاءت بلفظ : "له" ، و الفرق كبير بين قام إليه (أي أسرع إلى مساعدته أو إكرامه) و بين قام له (أي قام واقفا في مكانه للتعظيم).
3. ورد أن الصحابي كعب بن مالك حينما دخل المسجد و الصحابة جالسون فقام إليه طلحة وحده مُهرولاً ليبشره بقبول توبته بعد أن تخلف عن الجهاد ، و هذا القيام جائز لإحلال السرور على رجل حزين : و بشارته بالتوبة عليه من الله تعالى.
4. القيام إلى القادم من سفر لمعانقته.