نقائص الأطفال وعيوبهم تقلق الآباء والأمهات كثيراً وتشغل بالهم حرصاً على مستقبلهم
وخشية على مصيرهم ، فإن العيوب والنقائص أخطار مخيفة يمكن أن تهدد مصير الأسرة
وتعرِّض سلامة الوطن للخطر .
ومعالجة هذه النقائص والمفاسد عمل فنّي يحتاج إلى خبرة واسعة في علم النفس والتربية ،
فكثيراً ما يسيء الآباء هذه المعالجة ، ويفسدون من حيث يريدون الإصلاح . مثلهم مثل من
يمارس صنعة من الصنعات الدقيقة ، وهو لا يعرف أسرارها .
ولا بد قبل الكلام على نقائص الأطفال وأخطائهم من التحدث قليلاً وبصورة موجزة عن الغرائز
.
ما هي الغريزة ؟
الغريزة قوة كامنة في الحيوان والإنسان تدفعه للقيام بأعمال دون سابق تفكير وتمرين .
والغرائز تظهر واضحة في الحيوانات . فالطير مثلاً يبني عشه ، ويغذِّي أطفاله ويدرِّبهم على
الطيران دون سابق معرفة أو تعليم .
لدى الإنسان كثير من الغرائز كحب البقاء ، وحب الاستطلاع ، وتحليل الأشياء وتركيبها ،
وغريزة حب الذات ، وحب الظهور ، والادخار . . .
وهذه الغرائز نعمة من نعم الله تعالى أوجدها في الطفل لتدفعه إلى الحركة التي تقوي جسمه ،
وإلى حب الاستطلاع وتحليل الأشياء وتركيبها لدراسة ومعرفة كنه الأشياء ؟
وبعض الغرائز تظهر أنها ضارة كحب المقاتلة . . ، ومثلها لا يقاوم ، كيلا تحدث انفجاراً وكبتاً
لدى الأطفال ، والكبت هو كتمان الألم الناجم من مقاومة هذه الغرائز ومنع تنفيذها وإشباعها
بالقوة والقهر ، فيبقى هذا الكبت في العقل الباطن أو ما يسمى باللاشعور ويحدث الأمراض
العصبية ، وقد يؤدي بالكثيرين إلى الجنون .
لنأخذ مثالاً على ذلك ، سيلاً من الماء يسير في مجرى من المجاري ، فهو إذا أضر بالناس
وحاولوا منعه بالسدود لا يلبث أن يتراجع إلى الوراء ويضر بالجدران والأراضي التي حوله ،
أو أن تزيد مقاومته فيهدم ما يعترضه من سدود وموانع .
وكم كان من الأجدر تحويل مجرى هذا السيل إلى جهة أخرى تُفيد ، عوضاً عن مقاومة جريانه .
لذا كان من واجب الآباء والمربين السعي لتحويل الغرائز التي يظهر ضررها ، أو السمو بها
والتصعيد إلى نواح أخرى ، فذلك خير وأبقى .
نذكر كمثال على ذلك طفل يحب المقاتلة ، فلو انتسب إلى أحد النوادي الرياضية لتحولت غريزة
حب القتال عنده وأُشبعت في أعمال نافعة ، وكذلك طفل يتلف أزهار حديقة الجيران ، فينبغي أن
تشبع غريزته بتحليل وتجزئة الأزهار ليعرف كنهها وتركيبها ، ثم نعهد له العناية بحديقة داره
وحمايتها .
وأهم ما نود أن نقوله بهذه المناسبة ، أن كثيراً من الأعمال التي يقوم بها الأطفال وتظهر
للآباء والأمهات أنها ضارة ، هي في الحقيقة نافعة كثيراً ، إنما جهل هؤلاء الآباء والأمهات
بنفسيات أطفالهم ، وأنانيتهم وطلبهم للهدوء والسكينة ، كل ذلك هو الذي أوحى إليهم الحكم
بضرر لعب الأطفال وميلهم للحركة وحب البناء والتخريب ولو في أكوام الرمل .
والنصيحة المثلى في هذا الشأن هو السماح للأطفال بعمل ما يشاؤون وقول ما يريدون ما
داموا لا يضرون أنفسهم ولا غيرهم ضرراً مباشراً . وهذه القاعدة هي نصف التربية ، ذلك أن
الأطفال مدفوعون بحكم غرائزهم التي وضعها الله سبحانه فيهم للقيام – غالباً – بالأعمال
النافعة لتقوية أجسامهم وإنماء عقولهم ، وإن تدخل الآباء والأمهات الذين لا يتحلون بثقافة
تربوية في سلوك الأطفال ونفسياتهم ، فيه ضرر كبير .
وقد جاء في كتاب ( لماذا ينحرف الأطفال ) : " إن من بين الأساليب
التي يتبعها المدرسون
والآباء ، والتي تقلل من احتمال أن يسلك الطفل سلوكاً طيباً ما يأتي :
1) قلة الصبر مع الأطفال .
2) حرمان الأطفال من جو مشبع بالحب والتشجيع .
3) توقع مستوى مرتفع في سلوك الأطفال .
4) الحرص الشديد على تنفيذ النظام .
5) عدم اعتبار كل طفل كفرد عامل في المجتمع .
6) جعل المشكلات الشخصية غير المحلولة تؤثر في نوع معاملة الأطفال . "
وقبل أن نذكر نقائص الأطفال وطرق معالجتها بعد هذه المقدمة الضرورية نذكر الوصايا
والنصائح التالية :
1) عامل طفلك بالعطف والمحبة وراعي شعوره وعواطفه ، فهو إنسان مثلك .
2) افهم سر تصرفاته ، وخذ في نظرك وجهة نظره ، فإن له غرائز نافعة مدفوع بقوة من قبلها .
3) تذرع بالصبر والثبات ، ولا تتعجل بالإصلاح .
4) اسع لكسب ثقته ، فإن ذلك يساعدك على تسهيل مهمتك في تربيته .
5) كن لطيفاً مع طفلك وساعده على إطاعتك وعلى تلافي قصوره في وإصلاح عيوبه . ولا تكن
فظاً غليظ القلب . وقد ورد في بعض الآثار : " رحم الله والداً أعان ولده على برِّه " .
6) أعطه الحرية اللازمة ليُعَبِّر عن غرائزه وآرائه ولينشأ نشأة استقلالية .
ولا بد لنا قبل معالجة موضوع عيوب الأطفال وطرق إصلاحها بأسلوب موجز بسيط ، من
الإشارة إلى لزوم الإسراع بإصلاح عيوب الطفل قبل استفحاله ، وقبل أن يصير عادة مستأصلة
من الصعب التخلص منها ، كل ذلك بحكمة ورحابة صدر ، ودون طيش وغضب ، فإن الرغبة
في سرعة الوصول إلى الإصلاح ، واستخدام العنف والشدة ، كل ذلك لا يأتي بخير مطلقاً ، إنما
يعكر صفو الأطفال والأسرة معاً ، ليس بصورة آنية ، بل إلى الأبد . فقد ثبت أن أغلب شذوذ
الناس ومآسيهم تمتُّ بصلة متينة إلى المآسي وفساد أصول التربية والتعليم التي طبقها الآباء
والمربون بجهل وعناد .
وأهم ما نريد أن نقوله بهذه المناسبة أن كثيراً من الأعمال التي يقوم بها الطفل كخطف لعبة
رفيقه أو تشاجره معه ، هي أعمال طبيعية لا تحتاج إلى اهتمام المربين ما لم تتكرر وتكون عن
إصرار وعناد ، فقد كانت طفولة كثير من عظماء الرجال مغمورة بالمغامرات والاعتداءات
.
فواجب المربين في هذه الأحوال تحويل الغرائز وتوجيهها .
هذا – وإنه من الضروري تربية الطفل تربية دينية راقية منذ الصغر حتى يحب الله تعالى ويطيع
أوامره ويحسن إلى الناس ولا يسيء إلى أحد منهم . فليس كالإيمان الصحيح معيناً على تحسين
السلوك وإصلاح العيوب .
وقبل ختام هذه المقدمة ، أدعو الآباء والأمهات إلى دراسة مبسطات عن مبادئ التربية وعلم
النفس ليستطيعوا ممارسة واجباتهم نحو أولادهم على أكمل وجه ، فإن الجهل بهذين العلمين
العمليين جريمة لا تغتفر .
وإني لأعجب من أمة لا تسمح تقاليدها بتسلم قطعة الحديد للرجل الجاهل بصناعتها ما لم يتعلم
، كيف يسمحون للرجل والمرأة بإنجاب الأولاد وتنشئتهم دون أن يكون لهم معرفة كافية بعلم
النفس والتربية .
والجريمة تقع في الدرجة الأولى على المناهج المدرسية التي تعلم الجيل الجديد كل شئ إلا ما
يفيده في حياته العملية كزوج وأب ورجل حياة !
وكم دعوت في الاجتماعات والصحف بلزوم إدخال مبسطات عن هذين العلمين إلى المدارس
الإعدادية والثانوية فذهبت صراخاتي كصيحات في واد .
إن جهل الآباء والأمهات بمبادئ التربية وعلم النفس أدى إلى فساد الجيل الجديد من النواحي
الخُلُقية والجسمية