هل يليق بنا ونحن ننتمي الى اعظم شريعة تدفقت الرحمة من بين حناياها ،
وسالت المحبة من أوديتها ،
والعدل والإيثار ديدنها إن تنتزع الرحمة من القلوب لتصبح كالكتل الفحمية السوداء؟!
وهل يليق بنا ونحن نمتلك كنزا لا تبليه الأيام ولا ينفد على مر الدهور
أن تتباعد القلوب بهذا الشكل الذي نراه ليصبح ما بينها مسافات واسعة
من الشقاق والخصام والفرقة التي تكون في غالب الأحيان على أتفه الأسباب
وأسفهها ليتطور الأمر إلى ما هو أكبر وأخطر من ذلك
ليصل إلى استعمال لغة العنف والعنف المضاد الذي اصبح سمة من سمات مجتمعنا
خصوصا في الآونة الأخيرة.!؟
إنه ليحز في النفس ويقطع أوصال القلب أن نرى الفرقة
قد مزقت الكثير من الصلات والروابط، وأن الأجواء الاجتماعية
تنتابها عوامل الجفاف والتي من شأنها أن تؤدي إلى تبخر العلاقات بين الناس
لنجد جراثيم هذا المرض تنخر حتى بين الأخوة والأشقاء، فالأخ في بعض الأحيان
يكيد لأخيه ، والصاحب يتربص بصاحبه، والقريب قد يقاطع قريبه
ولا يتردد في الإساءة إليه أن وجد في ذلك مصلحة أو منفعة.
وما من شك فإن مجتمعا يسود أفراده لغة العنف والعنف المضاد
فإنه يحوي عناصر التفكك والهدم في ذاته ،
بل هو مجتمع أصيبت ركائزه بالوهن وتقطعت فيه سبل الارتقاء والنهوض والتنمية.
ولي أن أتساءل ما الذي وصل بالمجتمع إلى ما وصل إليه؟
أين العقلانية في مواجهة الأمور والتي بلا أدنى ريب تمتص
وتحتوي أي إشكال مهما عظم وكبر لتقضي عليه في زمانه ومكانه؟
أين ميزان الدين والشرع والذي من المفروض أن يكون أساس التعامل بين الأفراد؟
أين هم أصحاب القلوب الكبيرة التي تفيض بالمشاعر النبيلة؟
أين هم أصحاب الهمم العالية التي تسمو بأصحابها إلى قمة الإرتقاء الإنساني
في فن التعامل مهما كانت الظروف والأحوال ؟
إن الترابط والتراحم بين القلوب ، لهي الغذاء والهواء والماء الذي يمد الفرد والمجتمع
بكل عناصر القوة والبقاء. وأن الألفة بين القلوب قوة لا تهزم
ولو اجتمعت عليها قوى الأرض جميعا.فوالله ما كان ضعفنا
ولا ذهبت ريحنا، ولا قلت هيبتنا، ولا هنّا على الناس ،
إلا يوم تنافرت قلوبنا وتبعثرت وحدتنا وتفرقنا على السبل
ليصبح لكل واحد منا وجهة هو موليها لتستأسد علينا الخراف العرجاء منها والمكسورة.
وإننا في هذه المرحلة الحرجة ، بأمس الحاجة إلى الأخوة والألفة والترابط،
وهذه العناصر الثلاثة تكاد تفتقد من روح تعاملنا،
وإن لم نسترجع هذه المفاهيم في قاموس معاملاتنا
وسلوكياتنا فإن العاقبة لا بد وخيمة لا يعلم جسامتها إلا الله.