إن قيمـة الأنسـان الحقيقية تظهـر عندما يجعل ربـه تعالى محـور حياته ، فيجعل كل ذرةٍ من ذرات جسـده ، وكل حـركة من حـركاته ، وكل نَفَس من انفاسه ، يجعل ذلك كله لله الواحد الأحـد : ( قُل إن صلاتي ونُسُكي ومحيَايَ ومماتي لله ربْ العالمين ، لاشريكَ له وبذلك أُمرتُ وأنا اول المسلمين ) [ الانعام : 162 ، 163 ]
إنه التجـرد الكــامل لله وحده ، بكل خالجة في القلب ، وبكل حـركة في الحياة ، بالصـلاة والأعتـكاف ، وبالمحيـا والممـات ، بالشـعائر التعبـدية ، وبالحيـاة الواقعية ، وبالممـات ومــاوراءه 0
انها تسبيحة التـوحيد المُطـلق ، والعبـودية الكاملة ، تجمـع الصلاة والأعتكاف والمحيا والممات ، وتخلصها لله وحده لله رب العالمين ، لله القوام المهيمـن المتصـرف المـربي الموجـه الحـاكم للعــالمين ،في إســلام كامل لا يـستبـقـي في النفس ولا في الحياة بقية لا يُعبدهـا لله ، لا يحتجز دونه شيئاً في الضميـر.
أن الكــون كله مطيع لله ، خـاضع لسلطانه ، مسبح بحمـده ، فاذا تمرد العبد اصبح نشـازاً في هذا الكون الهائل ، المتجـه الى الله تعالى وحده بالطاعة والخضـوع والخشـوع ، وإنه لعـارٌ كل العـار أن يكون الكون كله في إتجاه ، وهو في إتجاه آخـر ، إتجاه معـاكس لطريق الحق ، طريق الهدى والنور ، فواعجباً أن يبغي الأنسان غير الله ربـاً ومعبوداً ، حاكما وموجهاً ، مصرفاً ومهيمناً ، رغم انه مـأخوذ بنيته وعمله ، محاسب على ماكسبه من طـاعة ومعصيـة !
فلماذا يبغي الانسان غير الله ربـاً ، فيجعل شرعه شرعاً ، وأمره أمراً ، وحكمه حكماً ، وهذه الدلائل من الكون كلها حاضرة شاهدة ان الله تعالى وحده هو الرب الواحد المتفرد ؟!
ولا يكفي في الأنسان أن يقول بلسانه : لا إله إلا الله ، ولو كانت كافية لتسارع اليها المشروكون كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ( نعم وابيك والف كلمة ) 0
أن كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) التي دعا اليها رُسل الله جميعاً تقتضي صياغة الحياة كلها وفــق شــريعة الله ، تقتضي صياغة النظام الأقتصادي حسب مايريده الله عز وجل بعيداً عن انظمة الشرق الشيوعية ، وانظمة الغرب الراسمالية 0
نعم إن كلمة التوحيد تقتضي ألا تؤخذ الأحكام والتشريعات والنظم إلا من الكتاب والسنة ، تقتضي التسليم بأن الذي يملك ان يقول : هذا حلال وهذا حرام ، وهذا خطأ وهذا صواب ، وهذا حق وهذا باطل ، وهذا صالح وهذا فاسد هو الله تعالى وحده 0
إنها تقتضي أن يجــرد الأنسان ولاءه لله ولرسوله وللمؤمنين ، ويبرأ مماسواهم ، بحيث يكون قلبه متحركاً بهذا الشعـور ، لايملك إلا أن يمـيل إلى أهل الحق والأيمان ، و يفرح بانتصارهم ، ويدعو لهم ، ويحـزن لمصابهم