كذلك هناك جبلا طيء، الوردان في السنة، وهما أجا وسلمى؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه عروة بن مضرس -وهو من سكان حائل اليوم- ولم يكن قد سكن المدينة بعد، فكان يغيب عنه العلم؛ لأن السنة مهدها المدينة في الأصل، (فلما لقي النبي صلى الله عليه وسلم في المزدلفة قال: يا نبي الله! إنني قد أتيتك من جبلي طيء -وهذا موضع شاهدنا- أكللت وأجهدت نفسي، وأكللت راحلتي، ولم أترك جبلاً إلا وقفت عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: من أدرك معنا صلاتنا هذه -يقصد صلاة الفجر في مزدلفة- وكان قد وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه وقضى تفثه)، الذي يعنينا هنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنبأ عروة بن مضرس بأهم أركان الحج وهو الوقوف بعرفة.
أما هو فقد قال: أتيتك من جبلي طيء، ونحن نتكلم عن الجبال المذكورة في القرآن، والمذكورة في السنة، فجبلا طيء جاء ذكرهما عرضاً لا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما جاء على لسان عروة بن مضرس رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
هذه بعض الجبال الوارد ذكرها في الكتاب أو السنة، وقد قلت في أول اللقاء إن الجبال تلفت النظر إلى كل مبصر، ولهذا سأل القرشيون النبي صلى الله عليه وسلم عن حالها يوم القيامة.
وبقي أن نقول أنه ورد في الحديث: أن الله لما خلق الأرض جعلت تميد، فخلق جل وعلا فيها الجبال، فتعجبت الملائكة منها فقالت: أي رب! هل في خلقك خلق أعظم من الجبال؟ فقال الله جل وعلا: نعم، الحديد، فسألت الملائكة عن الحديد، فأجاب الرب: النار، ثم قال جل وعلا: الماء؛ لأنه يطفئ النار، ثم ذكر الله جل وعلا الريح؛ لأنها تحمل الماء وتحمل السحاب، ثم قال الله جل وعلا في جوابه لملائكته: ابن آدم، يتصدق بصدقة فيخفيها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
وهذا يبين لك أن العمل الصالح إذا كان مصحوباً بالإخلاص لا يعدله شيء.
وفقني الله وإياك للإيمان والعمل الصالح، وهذا ما تيسير إيراده وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.
والحمد لله رب العالمين.