النار «والبنزين»!!
كلمة الرياض
تزوجت ثورة من نضال، وتم عقد القران بواسطة الزعيم أبوالعظائم الغضنفري، وقد شهد الحفل هدايا متنوعة، حزام متفجرات، وصناديق لرشاشات، وعجينة متفجرات، وقمصان واقية، وأجهزة حاسب آلي تخزن الشفرات السرية للعمليات القادمة، وطواقم من عدة هواتف جوالة للثريا، وللاتصالات العامة، وقد شارك المحتفلين يساريون، ووسط وراديكاليون، احتفاءً بمولد مصالحة وزواج ثورة بين قوى التحرر الوطني، والجهاد، وقد عقدت في هذه المناسبة اجتماعات بقيادات مختلفة، لكن الخلاف جاء على الشعارات، فثورة حتى النصر، لابد أن تستبدل بجهاد واستشهاد، لكنّ الوسطيين حاولوا أن لا تفسد الحفلة، بأن تبعد كلمة (ثورة) إلى (جهاد حتى النصر) غير أن المعنى يبقى يسارياً من آثار الاتجاهات الداعية لتحالف قوى، بدلاً من تلازم مسارات..
حليقو الذقون قالوا بثورة المراحل، أي تعبئة الجماهير من خلال العمال، والفلاحين، وقوى الشعب العامل الأخرى، كالطبقات الوسطى، غير أن الطرف الآخر أكد على فشل هذا الأسلوب بالمراحل الماضية، إذ خلقت دكتاتوريات عسكرية وحزبية غيبت العقائد السماوية، وأزالت كل شيء متعارف عليه من تقاليد وثوابت وطنية ودينية، وأعلت صورة الزعيم بدلاً من المجاهد، وهنا وقف آخر من القيادات الصفيّة الثانية، قال بتفاؤل..
«إن هذا الزواج سينجب لنا بطلاً جديداً يواصل عملنا الكبير، وانه سيكون الرمز الذي ستلتف عليه الشعوب والأمم» رد يساري الوسط: «أنت تبشرنا بالإمام الغائب» أجاب: «أنا سنّي ولست شيعياً» قال القومي: «إن الأممية فكر طوباوي لا يمكن تحقيقه بالثورة الشمولية، وعلينا أن نكون عروبيين، ونسلنا عروبي لأن الأصالة هي التي لا تفنى، مثل الأرض، والكيان، والقومية هي كياننا»..
النقاش بدأ يتصاعد، صارت الطاولات التي أعدت للمائدة تحفل برفع الأصوات، وكل يتخندق مع حزبه أو خلاياه، حاول المجاهد أن يكون أكثر إيجابية وعقلانية، بأن يجعل الخلافات لا تدمر الهدف الأكبر، أي أن وحدة المسلمين هي الغاية، لكن المعارضة جاءت من الطرف المقابل بالقول: علينا أن ننادي بوحدة الصف، لكن القيادة يجب أن لا تخضع للسن، أو المؤهل، بل للثقافة والممارسة النضالية، لأنه لا يجوز أن نسلّم رؤوسنا لصاحب الفكر الأحادي الجانب الذي ينكر على أصحاب الأديان، أو القوميات الأخرى حق المواطنة، أو ممارسة الشعائر..
هنا بدأت التيارات تتحرر من المجاملة، والصمت، إلى رفع الأصوات وتقديم الحجج، وابطالها من الآخر المعارض، وحتى أن الأبوين للزوج والزوجة حاولا أن يكون الحفل احتفالاً بمولد أمة بدلاً من زواج تقليدي، لكن الاختلاف لم يعد بين يساري ويميني، مسلم وعلماني، وإنما جاء من جامعي الحفل، ومعديه، إذ جاء الختام سيئاً، انتشرت الفوضى، تبادلوا اللكمات، والمضاربات بالكراسي، وباللحظة ذاتها أعلن المأذون بطلان الزيجة، لأنها لم تكتمل شروطها، طالما الابن من صلب مجاهد، والبنت من صلب علماني، فالنار لا توقد بجانب «البنزين»!!