الرصافي
من هؤلاء الأفراد الأفذاذ الذين فطروا على عدم الاستخذاء للضيم والتجافي عن مضاجع الذل وعدم الستنامة للحوادث
معروف الرصافي
الذي كان يقرع قومه في اشد ايام الاستبداد بمثل قوله:
عجبت لقوم يخضعون لدولة---يسوسهم في الموبقات عميدها
واعجب من ذا انهم يرهبونها---واموالها منهم ومنهم جنودها
الرصافي شاعر سيلقي صناعي وهو في صناعته ابرع منه في سليقته وقد جمع شعره الى جزالة البدوي رقة الحضري وتفنن العصري وأني الوصف لأفضل شعره الروائي او القصصي على سائر ضروب شعره بما فيه من دقة الوصف ورقة التعبير وبراعة الاسلوب وبداعة الديباجة الى استفزاز الشعور وتحريك العواطف حتى اذا قلت انه قد انفرد بين شعراء العرب لهذا العهد في هذا النوع من الشعر فلا اكون مغاليا فان من يقول امثال "السجن في بغداد" وامثال "ام اليتيم" "واليتيم في العيد" لايعلو عليه في هذا النوع شاعر على ما اعتقد
الرصافي صيرفي حاذق ينقد دنانير الالفاظ فيختار منها الجيد ويطرح الزائف ويندر ان ترى له لفظة تقبل ان يسكن غيرها في المكان الذي يختاره لها من بيوت اشعاره ولو كان اسلوبه كله كلفظه وشعره كله كوصفه لما علا عليه شاعر في هذا العصر.
الرصافي وشعراء عصره
لو جاز لي ان اقايس بين الرصافي وبين اشهر مشاهير شعراء عصره لايت ببدع في الحكم وقلت:شوقي اشهر شعراء عصره في "صدى الحرب"و"رثاء اسماعيل""والبوسفور كانك تراه"وحافظ اشعرهم في مريثة الاستاذ الامام وقصيدة (محرر المرأة) و"الفتاة اليابانية" والرصافي اشعرهم في "السجن في بغداد"و"العالم شعر" و"أم اليتيم"والزهاوي اشعرهم في"المستنصرية"و"النادبة والعدل"و"سياحة العقل"والكاظمي اشعرهم "في عينيته" وبديهته والبكري في ربيعته ولغته ورستم في لطائفه وفكاهته.
اما الضروب الباقية من الشعر فان هذه الطبقة من الشعراء مع اختلاف منازعها في البيان غير متفاوتة فيها تفاوتا يقضي بتفضيل احدها على الآخر فلا يقال "في رأيي" شوقي اشعر من حافظ ولا حافظ اشعر من شوقي ولا غيره اشعر من غيره لان كلا منهم مجيد في منزعه و اسلوبه على تفاوت قليل في السبك واختيار المفردات لا ينزل الشاعر عن درجة قرينه اذ ربما يكون الطور الذي نظم فيه لم يمكنه من الايغال في الاختيار و التنقيح فالحكم عليه بالنزول عن درجة رصيفه لبيت لم يحسن سبكه او لفظ لم يحسن اختياره او قصيدة لم يجد في مجموعها مع كثرة حسناته قد يعده النصفون حكما جائرا او حكم متسرع
بهذا الاعتبار يمكنني ان اعد في هذه الطبقة معظم مشاهير الشعراء العصريين الذين يعرفهم الناس فالرافعي والرافعي والبستاني والحوراني والمطران و شكيب و المنفلوطي وسلام والعبد والحداد وزق الله ومحرم والخوري والملاط وسائر مشاهير الشعراء في القطرين ممن لا اتذكر اسماءهم الآن هم اكفاء واقران في الاجادة والابداع مع اختلاف المناهج والنازع والتصور ولله من قال"شبئان لا يمكن الحكم الفصل في تفاضل البارعين فيهما وهماالجمال والبيان"