عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-16, 12:36 AM   #16
كحيلة حرب
 
الصورة الرمزية الكحيلة

 











 

الكحيلة غير متواجد حالياً

الكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond reputeالكحيلة has a reputation beyond repute

افتراضي

اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين

رجل ينهض من قبره ويلحق بأهله بعدما اقتسموا تركته .؟؟



سعود المطيري
يستعرض الرحالة الانجليزي تشارلز داوتي عام 1878م أحداث سنة من سنوات وباء الكوليرا أو الطاعون في الجزيرة العربية ضمن كتابه رحلات داوتي في الجزيرة العربية الذي مهد له بعبارة قال ضمنها : فيما يتعلق بي أنا الذي اكتب، أدعو أن لا يبحث عن شيء في هذا الكتاب سوى رؤية رجل جائع وحكاية رجل أكثر إرهاقا بالنسبة للبقية . فالشمس جعلتني عربيا لكنها لم تجرفني أبدا إلى الاستشراق، وفي آخر يوميته ينقل لنا حكاية دراماتيكية مثيرة عن رجل نهض من قبره في الصحراء بعد لحظات من دفنه وانطلق يتلمس خطى قافلة مشيعيه عند ما وصل لذويه بعد أيام فوجدهم قد اقتسموا تركته . الرواية قد تكون غير مقبولة من منظور طبي ومنطقي في الوقت الحاضر غير ان هذه القناعات قد تتبدد اذا ما عرفنا طريقة إعداد القبور ودفن الأموات وقتها في الصحراء مع انعدام وسائل الحفر لدرجة ان بعض المسافرين كان يبحث له عن جحر ثعلب أو مجرف سيل ناهيك عن حالة الاشتباه بين الوفاة والغيبوبة وتذكر روايات مشابهة حالات أخرى استيقظ فيها المدفون من غيبوبته وأزاح أغصان الأشجار أو التراب القليل الذي يغطيه والتحق بأهله بعد ان يئسوا منه حتى ان أحداهن وكانت فتاة تعرضت للدغة ثعبان خرجت من مدفنها وأدركت أهلها صباح اليوم التالي الذي صادف يوم عيد الأضحى وشاركتهم الأضحية التي ذبحت لها كما تقول الرواية والتي تسندها رواية الرحالة عن حدث قريب لم يمض عليه ثلاث أو أربع سنوات وقت قدومه للجزيرة عندما قال :
قبل غروب الشمس جئنا إلى الخيام البيضاء المنصوبة بجانب القلعة الخربة , التي بلا باب والمهجورة عموماً (دار الحمراء) هذه الأرض مائلة إلى الحمرة والصخور التي بنيت منها هذه القلعة المائية تبدو عليَّة، ورهيبة في الشفق في هذا المكان المقفر من العالم . نحن هنا على ارتفاع حوالي 4200 قدم . بعد المسير لأكثر من مئة ميل في ثلاث وأربعين ساعة وصلنا إلى الماء، إنها حثالة ماء تعج بالديدان . ليالي الصيف الحار هنا تكون طرية بعد الغروب ، باردة في الربيع والخريف ، وخطرة على صحة الحجيج المسافرين ، خصوصاً لدى عودتهم منهوكي القوى من مكة المدارية . قص رجل أسود عليَّ حكاية محزنة عن عام الكوليرا ، مضى عليه الآن ثلاث أو أربع سنوات في الحج الصاعد : لقد خمن أنه كان يموت هناك في المسيرات وفي المحطات الليلية ، مئة شخص ( وهو عدد كبير جداً ) كل يوم . حزم الموتى والمحتضرون بالحبال على ظهور الجمال المترنحة إلى أن وصلنا ، كما قال إلى هذا المكان وكان الكل خائفاً إذ لا أحد لا يفكر في أنه يمكن أن يكون من الذين سيموتون بعدهم ولن يعود إلى بيته أبداً . هذا اليوم كان الجو وابلياً ، فقد هطل المطر طوال تلك الليلة بلا توقف . أطلق مدفع الإشارة في وقت مبكر جداً قبل الفجر وتحرك موكب الحجيج بسرعة تاركاً على الأرض المبتلة للصحراء الداكنة كما أظن مئة وخمسين جثة من الموتى والمحتضرين أخيراً فإن أولئك الذين نجو من الحجيج لكونهم يطلون على المرتفعات الصحية تم احتجازهم لتطهير محجرهم الصحي في الزرقاء لمدة ثمانية أيام . أظن أن نصفهم بالكاد قد عاش ليدخل مرة أخرى عن طريق بوابه الله ، إلى الشوارع البهيجة لدمشق . كثيرة هي حكايات الحج العربية عن أعوام الكوليرا وهذه واحدة منها . (( كان ثمة رجل فقير يحتضر بجانب الطريق ، وكان أصدقاؤه يحفرون بأيديهم بورع في الأرض ثم وضعوه في قبر قليل العمق، وعلى عجل أهلوا الرمل فوق ميتهم وانطلقوا مع القافلة السائرة . شيئاً فشيئاً في هذا الدفء الجاف , عاد الميت إلى الحياة ، نهض من مدفنه الضحل وعاد إلى وعيه فرأى عالماً خاوياً وموكب الحجيج قد ذهب عنه . فصار المريض يسير مترنحاً على آثار أقدامهم في البرية ويرتاح من قلعة إلى قلعة ، ومن بدو رحل إلى بدو رحل ،، فقطع سيرا على الأقدام تلك المئات من الأميال المقفرة إلى دمشق حيث وصل إلى بيته ، وهناك لم يستقبل إلا استقبالا وضيعاً من قبل أقرب أقربائه الذين اضطربوا جميعاً دون أن يحسنوا به الظن على انه هو نفسه نظراً لان البعض منهم الذين وضعوه في القبر ميتاً متخشباً في الجزيرة العربية . لقد حزنوا عليه باعتباره ميتاً ولآن يعود في غير أوانه وقد تقاسموا تركته .!!

من قلب الصحراء

من الربع الخالي (سقوط الكنز)



يكتبها ويصورها: محمد اليوسفي
ثمة صورة فوتوغرافية تتناقلها على فترات مواقع ومنتديات الإنترنت والمجموعات البريدية، فما أن ينسى الناس هذه الصورة بعد موجة تداول حتى يعود بعضهم مبهورا إلى تكرار تناقلها والحديث أو السؤال عنها من جديد، حتى أنك لو جربت أن تكتب في الباحث الإنترنتي قوقل ( هيكل ق.. ) فسيكمل (قوم عاد)، وسيظهر لك آلاف النتائج لهذه الصورة، وهي لهيكل بشري ضخم يقف بجوار جمجمته إنسان يبدو بحجم ضئيل جدا مقارنة بالهيكل، ولقد زعم مروجو الصورة أنها التقطت بالطائرة لموقع في الربع الخالي اكتشفته شركة أرامكو، وقيل إن ذلك بقايا هيكل عظمي يعود إلى عهد عاد! وهؤلاء القوم وملكهم شداد بن عاد تناولنا الحديث عنهم في الجزء السابق من هذا المقال في معرض شرح المثل الشعبي (هذا من ثمدا ثمود وبنية العمود).





أما حقيقة الصورة فهي عمل فني لواحد من هواة التلاعب بالصور بواسطة برامج معينة، تقدم بها ضمن مسابقة نظمها أحد المواقع الأجنبية المتخصصة. وقد أتى من نقلها ودلّس بإضفاء بعد تاريخي على الصورة وانطلى التزييف بأنها لهيكل عظمي من بقايا عمالقة سكنوا في عصر بائد الربع الخالي. لا أجد فارقا كبيرا في الافتراء والتدليس بين حكاية هذه الصورة وبين حكاية كنوز مدينة عاد وقصورها المدفونة تحت رمال جنوب الجزيرة العربية، حكاية عربية الجذور أعاد تصديرها إلينا بعض الرحالة الأوروبيين الذين عبروا الربع الخالي.
أحد أشهر هؤلاء العابرين البريطاني ولفرد ثيسجر أو مبارك بن لندن، والأخير لقب أطلقه عليه مرافقوه في الرحلة، وهم أفراد من بدو عدة قبائل تسكن جنوبي الربع الخالي.. لم يتسن لابن لندن في أكثر من رحلة خلال الفترة من 1945 إلى 1950م، ولا لغيره ممن لبسوا غطاء التعلق بسحر الشرق واستكشاف غموض الصحراء.. أن يشبعوا فضولهم ويتموا تجوالهم ورصدهم وبحثهم ويحققوا - على ظهور الجمال- مآربهم الأخرى إلا بمساعدة الأدلاء المرافقين من البدو الذين أسمعوهم حكاية المدينة التاريخية. لما قطع ابن لندن شوطا في رحلة من الجنوب إلى الشمال في الجزء الغربي من الربع الخالي وأشرف على بئر المنخلي (المنخلي حاليا مركز يتبع إمارة نجران) نجده يدوّن في كتابه الرمال العربية إشارة لمقولة يرددها بدو المنطقة، حيث يعتقدون أن هذه آبار لقبيلة عاد، وأن مدينتهم مفقودة تحت هذه الرمال وإن اختلف، أي البدو، في التحديد الدقيق للمكان. تلك المدينة التي ذكرت في بعض كتب البلدانيات ومصادر التراث العربي بأوصاف أقرب إلى قصص وأساطير ألف ليلة وليلة. وقبل ابن لندن برترام توماس، وهو أول رحال غربي يعبر الربع الخالي ( عام 1931م) نقل عن مرافقيه البدو اشارة لمكان آخر تغوص تحته المدينة الكنز المسماة وبار. وبين توماس وابن لندن حث الخطى جون فيلبي أو عبدالله فيلبي بعد اسلامه، يقطع عروق الرمال في عام 1932م، تدفعه نتائج تحرياته ويغريه ما كان قد سمعه من مرافقيه من أبناء قبيلة من شمالي الربع الخالي في أقوال متضاربة عن مدينة عظيمة وسط الكثبان تضم قصورا، وحصونا، وقلاعا، وحدّثوه عن الحديدة التي تضم آثارا ظاهرة يعتقدون أنها بقايا مدينة وبار، ومن آثارها كتلة حديد كالجمل. وبعد جهد وعناء وتجوال ومشقة وبحث، وقف فيلبي على كثيب يشرف على ثلاث فوهات أو حفر كبيرة، وبدت له الحقيقة، حيث قال في كتاب له بعنوان الربع الخالي: (لم أدر ماذا أفعل: هل أبكي أم أضحك، مع أن المنظر نفسه قد شدني وأسرني تماما.. المنظر الذي بدد أحلام السنين! إذا هذه هي وبار!... لم يدر بخلدي أن يكون حلا لغز الرمال العظيمة بهذه الإثارة. وكان عدد من رفاقي شرعوا ينقبون الأنقاض بحثا عن الكنوز، وبينما كنت أهبط المنحدر متجها نحو الفوهة الأولى أتى رفاقي مسرعين نحوي يحملون كتلة من الحديد وشظايا صغيرة اعتقدوا أنها لآلئ زوجات الملك عاد).
والحقيقة أن فيلبي وقف في قلب الربع الخالي، في مكان منعزل يقع على مسافة أفقية تقدر بما يزيد قليلا على الخمسمائة كيلومتر باتجاه الجنوب الشرقي من الرياض، وسجل اسمه مكتشفا آثار نيزك هائل ارتطم في هذه البقعة، فهو أمام ثلاث فوهات أو حفر أحدثها الارتطام تتفاوت سعتها فيما بين 116 مترا و 64 مترا و11 مترا. وأشارت المسوحات التي أجريت فيما بعد أن ارتفاع حواف الحفر بعد أن كان عام 1932م حوالي 12 مترا، صار 8 أمتار في 1961م، ثم 3 أمتار في 1982م، أما حاليا فقد اندفنت الحفر تماما، وقد اسفرت الدراسات عن أن النيزك هبط من السماء قبل ثلاثمائة عام تقريبا، وأن سقوطه كان بشكل مائل فأدى ذلك إلى تكسره في الهواء قبل وصوله إلى الأرض إلى عدة قطع. ويعرف المكان حاليا عند الهواة باسم نيزك الحديدة بينما في المصادر المتخصصة يعرف باسم نيزك وبار، ولم يبق من آثاره إلا شواهد صغيرة متناثرة من حديد النيزك والرمل المنصهر من شدة حرارة النيزك عند سقوطه، أما قطعة الحديد التي شبهوها بالجمل فهي قابعة الآن في متحف الملك عبدالعزيز بالرياض.
للحديث بقية.

اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين

دراويش الحج تتركهم القوافل نيامًا ليلقوا مصيرهم في الصحراء (1-2)



سعود المطيري
(الدرويش ) وتعني في التركية الفقير أو الممتن بأقل الحاجات له مظهره الخاص المعروف بارتداء قبعة بنية وعباءة سوداء تدل على القبر تلبس فوق ملابس بيضاء فضفاضة وتعني الموت، ينتمي هؤلاء إلى ما يعرف ب ( الملوية ) إحدى مظاهر التصوف تعتمد على رقصة الدراويش الدائرية حول شيخهم على انغام الناي يستغرق من خلالها الراقصون حسب اعتقادهم بوجد كامل يبعدهم عن ضجر العالم المادي وهو مسمى ارتبط لدينا بالحجاج القادمين من بلاد فارس او آسيا الوسطى ويعني لدينا الرجل الفقير الذي فقد وجهته او قدرته على التصرف فكانوا يتعرضون الى عمليات سلب وتجريد من الملابس عند ما يتيهون في الصحراء أثناء قدومهم للحج والذي يصف لنا الرحالة داوتي ضمن كتابه رحلات داوتي قصة عبور أحد الدراويش بعد ان غادرت قافلته أثناء استغراقه في النوم سنة 1878م شمال الجزيرة وترك ليلقى مصيره المجهول :
جلسنا في إحدى هذه الأمسيات متجمعين في حجرة قهوة صغيرة ( تقع في الصالة العليا) حول النار الشتوية لخشب الأقافيا ( السنط ) الجاف ، عندما ظننا وسط طقطقة مدقة القهوة ( المهبج ) أننا سمعنا شخصاً ينادي تحت كوة الرمي ، أنصت الجميع ، صوتا أجوف كان ينادينا بضجر فصاح به محمد بالتركية التي تعلمها في حياة الجندية. رد عليه باللغة نفسها ( أة ) قال الآغاء وهو يسحب رأسه ( أنه حجي فقير أطلع يا حسن وأنزل أنت يا محمد افتح الباب ) واستعجلوا بدافع ديني لإدخال الحاج السيئ الطالع فصعد إلينا برجل فقير ذي حضور جيد ، متقدم قليلاً في السن كان شبه عار ويرتجف في برد الليل . كان درويشاً تركياً سار إلى هناك على قدميه من بلدته في آسيا الصغرى يمكن أن يبعد ستمائة ميل ، لكن احتماله البشري ، رغم كونه قوياً ، كان أقل مما ينبغي لأجل الطريق الطويل . كان قد مرض قليلاً بعد معانة ، ترك هذا المخلوق المنهك وهو ما يزال هاجعاً في البرية ، منذ ذلك الحين وهو يمشي مجهداً عبر الصحاري تلك الأميال المائتين ، على خطا القافلة يستريح فقط في القلاع هذا الرحالة المتوحد المنسحق لم يكن بمقدوره أن يدرك الحجاج الذين كانوا يتنقلون أمامه باستمرار بمسيرات اضطرارية . جلب له محمد قماشاً لبادياً حلبياً لكي يتلفع به الدرويش الفقير ، الذي جرده العرب من كل ما معه قبل ثلاث ساعات من وصوله إلى مدائن ، اتقاءً للبرد .










استقبلوه جميعاً بلطف ، وفي حين كان عشاؤه يحضر ، أمروه بأن يرتاح قائلين إنه في العام القادم إن شاء الله يمكنه أن يؤدي الحج المقدس ، أما الآن فيمكنه البقاء معهم في هذين الشهرين والنصف ، حتى قدوم الحج مرة أخرى لكنه لم يشأ ذلك فقد ترك بيته ليصبح بائساً جداً في بلدان غريبة ، لن يرى المدينتين المباركتين ( مكة والمدينة ) لن يعود أبداً . جلس الحاج المسعف عند موقد القهوة بامتنان وتواضع وشرف أما وقد استعيد إلى أخوة الجنس البشري فقد أظهر نفسه رجلاً فقيراً ذا أخلاق بريئة ونبيلة . عندما كنا مبتهجين مرة أخرى فإن أحد بدو البوابة ، الذين يفهم موسيقى الصحراء فتح شفتيه ليطربنا وهو ينهق بشكل متجهم بأغنيته البدوية على الوتر البطيء للربابة . كان شخصاً وسيماً في الجماعة المتحلقة حول الموقد ، ذا بشرة سوداء كان قد عاش عاماً في دمشق مؤخراً وأصبح بفعل حياة المدينة شريراً محتالاً تحت المظهر الخارجي الطبيعي للشرف بسبب محياه النبيل وكونه من أبناء الشيوخ فقد بدا وكأنه ابن النعمة لكن المسكين لم يكن يملك إبلاً ، لذلك فقد كانت خيمته تقف منصوبة باستمرار أمام القلعة : أكثر من الذباب كان يلازم حجرة قهوة البرج حيث كان وهو يدور بؤبؤيه الأبيضين الكبيرين ، يتودد ساعة تلو ساعة بكل أسنانه البيضاء إلى محمد، مصادقاً بعبارة ( الله أخبر ) على كل الأقوال المأثورة لكبير القلعة هذا .
كان الدرويش الفقير يجلس طوال النهار ملفوفاً بأسماله، مستمتعاً بحلاوة الاستراحة من متاعبه الماضية .. جاء اليوم الثالث اليوم الأخير من الضيافة التقليدية فكانوا قد ملوا منه ، ساقه محمد وهو يضع قربة ماء صغيرة على كتفيه ، ويدله على الاتجاه فأمره بأن يتبع قدر المستطاع آثار أقدام القافلة ، وودعه بعون الله . لا حدود لمتاعب الحج إن الدين هو وعد بقدوم الأشياء الجيدة بالنسبة للفقراء .. (يتبع )

اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين

دراويش الحج تتركهم القوافل نياماً ليلقوا مصيرهم بالصحراء (2-2)


رقصة الدراويش
سعود المطيري
ذكرنا في الجزء الاول من هذه اليومية بأن (الدرويش) تعني الفقير الممتن بأقل الاشياء وهو مذهب او مظهر من مظاهر التصوف يعتمد على رقصة هستيرية تؤدى على انغام آلات النفخ يدخل من خلالها الراقصون إلى مرحلة اندماج كامل يؤمنون بقدرته على فصل الروح البشرية عن ضجر الحياة المادية واذا كانت الكلمة دراويش قد ارتبطت لدينا بالحاج الفاقد لوجهته وتركيزه فهو ايضا مصطلح يفهم باكثر من معنى حتى ان أحد أشهر الاندية الرياضية في الوطن العربي يطلق على لاعبيه مسمى الدراويش ويعني عند جماهيره القوة أو الشجاعة الغاشمة
وذكر لنا الرحالة داوتي في الحلقة الماضية ضمن كتابه رحلات داوتي كيف كانت قوافل الحج القادمة من فارس وآسيا الوسطى تغادر اثناء استغراق الدراويش في النوم ليلقوا مصيرهم بعد محاولة اقتفاء آثار القافلة في متاهات الصحراء بعد ان يجردهم لصوص الصحراء من ملابسهم وأشيائهم ووصف لنا مشاهدته لدرويش كان يتلمس أثر قافلته عام 1878م عندما استضافه البدو ثلاثة أيام علقوا بعد انقضائها على ظهره قربة ماء وقليلا من الزاد ودفعوا به على إثر القافلة المتجه للحج:
سرعان ما دخل البدوي الذي رأى الدرويش يسير ببطء على طريق الحج الأسفل: كان الطقس صافياً، فشمس النهار تجعل الظهيرات حارة، لكن الفصل كان أبرد من أن يستطيع مثل هذا الرجل المنهك أن يرقد في العراء ليلاً. بعد أسابيع وصل بدو آخرون من المدينة المنورة واستفسرنا إن كانوا قد شاهدوا درويشنا. فأجابوا بعدما عرفوا ما كان يلبس الرجل( أي بالله ) رأيناه يرقد ميتاً واللباد تحته بجانب الطريق عند سورة (غير بعيد من هنا ) أسف المحسنون عليه أنهم طردوه حياً في وقت متأخر، وهو يقبع الآن جثة ميتة في البرية، هم أنفسهم قد يصيبهم حادث مؤسف كهذا في يوم آخر في الصحارى الكبيرة. كل الأصوات صاحت فوراً لقد مات بسبب العطش فقد افترضوا أنه قد أراق قربة الماء، التي علقت على ظهره الضعيف المتعب في الظهيرات الحارة. لم يكن المشهد جديداً على البدو مشهد المسافرين البائسين الذين يسقطون ميتين على طريق الحج ويتم التخلي عنهم، في غالب الأحيان (وهذا ما رواه البدو على مسمعي ) يرون الضباع تقف بقربهم تحملق فاغرة أفواهها لتفترسهم حالما يلفظون آخر نفس من الجسد الدفىء فلدى عرب الصحراء لا يوجد أي تفكير تقي بالإحسان إلا من يتقاضى أجراً لدفن الغرباء أخبرني محمد على أنه لا يمر موسم حج إلا وقصر فيه البعض ويترك ليموت إنهم يعانون أشد المعاناة بين الحرمين حيث تنتصب الجبال مسورة إلى السماء على الجانبين في الجو الراكد لا يوجد ملجأ من لسعات الشمس الساطعة: عندما تهب عليهم رياح. السموم الحابسة للأنفس يسقطون منبطحين على الأرض ويختنقون. ثمة ماء قرب الطريق حتى حيث يكون الحر على أشده لكن اللصوص الملاعين لا يسمحون للرجل المسافر بالشرب إلا إذا تمكنوا من الحصول على هبات كبيرة وجديدة من الباشاوات الأتراك، لا يوجد علاج ولا مفر من وادي الموت هذا فهو مع ذلك نهاية الشرور القاتلة.
تقع أرض التخييم في مكة بعيداً جداً عن المكان، حيث يتوجب على حشد الغرباء الفقراء أن يجدوا لأنفسهم حجرات إقامة مستأجرة في المدينة المقدسة. هكذا يحشر الكثيرون معاً بشكل مشترك في غرفة ضيقة جداً. يكون معظم الواصلين واهنين من الرحلات الطويلة ومع ازدياد الأخلاط الفاسدة في أجسادهم تحتاج حالات من الاضطرابات الجديدة والرهيبة بينهم الى رعاية: فمن حجيج مكة انتشر الكثير من الأوبئة العامة ووصل إلى أقصى الجنس البشري.




لقد كان هائلاً بالفعل حدث الشقاق الديني لمحمد عليه الصلاة والسلام. فقد تم تجديد العادات السامية القديمة الرائجة في الدين. في ظل ذاك الطابع الهجين من الروح العربية الانفصالية المشاغبة، والتحررية متحولة إلى قاعدة رزينة سلسة للحياة الإنسانية نقطة اتفاق دنيوية مبهجة لا تتطلع إلى ما فوق إمكانية البشر أليست أقوال محمد صلى الله عليه وسلم المأثورة (الأحاديث) اليوم هي العقيدة الأم لعشر الجنس البشري، ما الذي كانه العالم، لو ان اللسان الذرب، لسان هذا الإسماعيلي النبوئي، حتى الدين البسيط الفهم الذي يمكنه أن ينظم حشداً بشرياً، هو قوة رئيسية في تاريخ العالم الظالم. ومحفوفة بالخطر، كل رابطة يمكنها أن توحد كثيراً من الملايين البشرية في سبيل الحياة والموت، لكن الدين الوثني ما قبل الإسلامي (الجاهلي) للكعبة كان السبب في أن المحمدية (الإسلام) الناضجة سريعا لم تتهاو سريعاً مرة أخرى.

اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين

(حجر تيماء ) الشهير وقصة نقله لمتحف اللوفر بفرنسا عام 1884م



سعود المطيري
تعددت الروايات حول عملية الاستيلاء على حجر أو«مسلة تيماء» الشهيرة عن طريق بعض الرحالة الأوربيين ونقله إلى متحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية سنة 1884م والتي تعد واحدة من أهم وأشهر الكنوز الأثرية المنهوبة كونها تشكل اضافة مهمة للحضارة الانسانية وتحمل أثرا مكتوبا بالرسم الآرامي عن حقبة الملك البابلي " نابونيد " منذ القرن السادس قبل الميلاد يتحدث عن طريقة العبادة وعن تنصيب أحد الكهنة في معبد الإله الوثني (صلم ) في تيماء. وإلزام المعابد الأخرى بتقديم محصول 21 نخلة ضريبة لهذا المعبد وشهد موضوع اسم وجنسية الرحالة الذي قام بنقله ومكان العثور على الحجر جدلا تاريخيا اختلف حوله الرواة ذهب اكثرها الى انه أحد احجار بئر هداج تيما وان الرحالة الالماني اوتنغ هو من قام بنقله الى اوربا الا ان الرحالة اوتنغ نفسه يقدم لنا حقائق مهمة ينسف بعضها هذه الروايات اثناء رحلته الى تيماء عام 1884م برفقة الفرنسي هوبر وعلى مدى حلقتين سنقرأ ضمن كتابه رحلة داخل الجزيرة العربية في النسخة المترجمة عن دارة الملك عبد العزيز توثيقا مهما عن سيناريو نقل الحجر وما صاحب ذلك من احداث متسارعة واخرى دموية اشبه ما تكون بسيناريو استخباراتي للظفر بهذه المسلة التي لا يتجاوز طولها 110سم وعرضها 43سم عند ما قال :
ذهبنا الى منزل فهد الطلق الذي ضيفنا بالتمر والخبز واللبن، وقد كان من بين المدعوين رجل أسلحة ماهر يدعى زيدان، وقد ضممته إلي لمعرفته التامة بالأماكن وموافقته على تلبية طلباتي ليرافقني خلال زياراتي في المدينة، وحينما فرغنا من الأكل ذهبنا معا إلى غرب المدينة، حيث التل الذي يبلغ ارتفاعه حوالي المترين عن مستوى سطح البحر، وتقع تحته حسب معلوماته تيماء القديمة، وفي الحقيقة بعد قيامي بعملية بحث سطحية في الأرض الرملية وجدت بعض قطع من الزجاج، وشظايا من البرونز مغطاة بطبقة خضراء سميكة، بالإضافة إلى قطع من أرض إسمنتية وعدد من أحجار العقيق، كما رأيت قناة تتجه نحو الشمال مغطاة بالجير، ويبدو أنها كانت مخصصة لنقل الماء إلى المستنقع الملحي «السبخة» والى الجنوب وصلنا إلى قصر الدائر، وهو بناء كبير مربع الشكل فيه أبراج على الزوايا! وبقايا بشر مردومة، ومن هناك ذهبنا إلى منزل يقع على مسيرة خمس دقائق الى الجنوب يسمى طليحان، وجدت فيه أغلى غنيمة حصلت عليها من رحلتي في الجزيرة العربية، فإلى اليمين على القائم الأيمن من الباب الداخلي الثاني كان هناك حجر مقلوب نحتت عليه أشكال آدمية، تمثل معبوداً أو ملكاً، وكاهناً، وهذا الحجر هو ما يعرف اليوم في أوساط الدارسين باسم «حجر تيما»، وحينما رأيت نقشاً مكتوباً عليه لم استطع إخفاء مشاعر الدهشة لدي إلا بصعوبة بالغة، وفي هدوء مفعم بالسعادة قمت بنسخه على الورق، ثم أعطيت صاحب المنزل بكل سرور بعض النقود. وبعد أن قلت لزيدان بأن يحضره إلي في صباح الغد الباكر، ذهبت مسرعاً وأنا متعب ومضطرب إلى البيت لكي أحدث هوبر عن الاكتشاف الجديد. وأهمية النقش المكتوب عليه، تكمن في انه يعود بالتأكيد إلى القرن السادس قبل الميلاد، أما الحجر نفسه فسيقتلع من مكانه ليحضر إلى منزلنا في يوم الغد، وفي المساء تمت دعوتنا لدى ثويني، وبعد ذلك شربنا القهوة عند عبد العزيز بن رمان، وقد كنت أفضل مائة مرة لو أنني بقيت في المنزل لدراسة الورقة التي نسخت عليها النقش.




حجر تيماء هو بطول 110 سم وعرض 43 سم وسماكة 12 سم ويزن 150كغم



وقد أدى تفكيري في ذلك الحجر إلى إصابتي بالقلق وعدم القدرة على النوم إلى القدر الذي جعلني أنهض عند الفجر لأنظر من جديد على ضوء الشموع إلى الورقة التي نسخت عليها النقش، وعند طلوع الفجر بدأت بإخراج القمل من ملابسي، ثم ذهبت مع رجل السلاح زيدان في جولة خلال المدينة زرنا فيها أولا منزل الخطيب محمد العتيق الذي كان على أحد جدران مسكنه الداخلية حجر عليه نقش كتب بالخط الآرامي. ثم سرنا عبر مقبرة تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة الحالية. وترتفع فيها بعض الأعمدة الدائرية المتداعية «فهل هي بقايا أعمدة المعابر؟» وعلى مقربة من هذه المقبرة شاهدت بعض الخبث الناتج عن فرن لصهر المعادن، وبعض الأواني الفخارية المزججة، وفضلات ضبعة ، وجثة حيوان ميت، حينما وصلنا منزل زيدان منحني هدية! كانت عبارة عن بلطة حجرية سوداء يستخدمونها في قياس نسب الذهب والفضة، وقد رأيت عنده جرة قديمة من الفخار، لم يكن عليها أي ملامح فنية.
وجدت حين عودتي من الجولة سبعة رجال يقفون في فناء منزلنا، وقد أحضروا الحجر «مسلة تيماء» من قصر طليحان، فقمت بإعطاء كل حمال منهم ربع مجيدي، وأعطيت المالك 1.5 مجيدي (حوالي 5 ماركات)، وبعد وضع الحجر وذهاب الرجال أصبح في وسعي فحص الحجر عن قرب، وحينما رآه هوبر تذكر أنه شاهده بالفعل خلال زيارته الأولى (عام 1880) ولكنه لم يظن أنه ذو أهمية.







التوقيع :

ادراك في نونها والنون=يدراك عن جفنها الساهر
لجلك كما الروح يالمضنون=منته. مجرد هوى عابر
    رد مع اقتباس