عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-17, 12:56 AM   #8
عضو فضي
 
الصورة الرمزية طلق المحيا

 











 

طلق المحيا غير متواجد حالياً

طلق المحيا تم تعطيل التقييم

افتراضي

تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي اتق الله... وكفى بالله وكيلاً)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

ما زلنا نتفيأ ظلال سورة الأحزاب، وكنا في اللقاء الماضي قد وطدنا وهيأنا ما نحن فيه الآن بالحديث عن وقفات مع معركة الأحزاب، وتكلمنا عن قضايا عديدة حوتها تلك الأيام والليالي التي أحاط بها الأحزاب في المدينة.

نعود الآن إلى منهجنا المعتاد في تفسير السورة، وهي قراءة الآيات ثم التأمل فيها، قال ربنا وهو أصدق القائلين: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:1-3].

أهل العلم من الأكابر قبلنا يذهبون إلى أن هناك سبباً اقتضاه هذا الخطاب الإلهي لنبينا عليه الصلاة والسلام في قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1]، فيذهب بعضهم: إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كلمه اليهود، أو كلمه وفد ثقيف، أو كلمه أهل الإشراك في قضايا تنازل عقدية، فيرون أن هذا مقتضى نزول هذه الآيات، وأنا أذهب -والعلم عند الله- إلى أن هذا بعيد جداً، ولا يمكن أن ينزل القرآن بشأنه؛ لأن الخطاب هنا لا يناسب ما صوروه، وقد يقول قائل: قال الله: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2]، لكن ليس فيها: اتق الله! وإنما فيها إخبار بمنهجه.

أما تقوى الله جل وعلا فهي أعظم ما أفادته فواتح سورة الأحزاب، وهذا هو المهم، وأعتقد أنه هو المراد من نزول الآية، فإنه لا يمكن لأحدٍ كائناً من كان أن يترفع عن تقوى الله، أحسب أن هذا هو المقصود من إنزال الآية، وأنا أكاد أجزم أن ليس لنزول الآية سبب، وإنما هي استفتاحية على أصلها، وأن المقصود منها: تحصيل الثواب، والأمن من العقاب، وهو معنى التقوى الحقيقي؛ خلافاً لمن قال بغير هذا الرأي، فهو الذي ينبغي أن يصرف إليه الشأن.

والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبه ربه بقوله: (أيها النبي) أي: المأمون على وحينا، المبلغ عنا، الحبيب إلينا، ولهذا قال: (يا أيها النبي)، ولم يقل: يا محمد! وقد مرت معنا كثيراً قضية أن الله جل وعلا لم يناد، ولم يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد كما قال الله: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود:48].. يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35].. يا إبراهيم! قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات:105].. يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ [آل عمران:55].. يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ [الأعراف:144]، بل قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:1] والنبوة أعظم الدرجات على الإطلاق، وأرفع المقامات، قال الله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69] فقدم الأنبياء، وهذا لا يحتاج إلى استدلال.

لكني أقول: إن الآية في أصل قصدها تريد أن توضح، أو أن تخاطب المؤمنين عموماً: أنه لا يمكن أن يترفع أحد، أو أن يرى في نفسه أنه غير أهلٍ لأن يقال له: اتق الله! ومتى ما ظن الإنسان أحياناً أن خطاباً ما لا ينبغي أن يقال له، فقد ظن بنفسه ما ليس فيه، وهذا أول طرائق الكبر.

وقد مر معكم أن الحجاج بن يوسف ذكر في قضية أنه أدرك أربعة أفراد، أو سمع بأربعة أفراد فيهم كبر، وسنأخذ واحداً منهم؛ لأنه المناسب لقضيتنا: وهي أن امرأة قالت له في أحد المتكبرين، وهو على أبواب الطرائق: يا عبد الله! أين طريق كذا وكذا، فقال الرجل: ألمثلي يقال: يا عبد الله! لأن الأصل المعتاد: أن عبد الله تقال للشخص الذي لا تعرف اسمه، باعتبار أننا جميعاً عباد لله، فهذا الرجل أصابه الكبر فقال: ألمثلي يقال: يا عبد الله! والله يقول: لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ [النساء:172].

فالمراد من هذه الآية فيما أفهم: أنه ينبغي أن يعلم كل أحد أن تحصيل الثواب، والأمن من العقاب مطلب عظيم لكل أحد حتى لأنبياء الله ورسله، وفي مقدمتهم سيدهم وخاتمهم وأشرفهم نبينا صلوات الله وسلامه عليه، ومعلوم أنه لا يقال للجالس: اجلس، لكن معناه: استدم على جلوسك.

كذلك: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1]، فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد المتقين، ويقال له: اتق الله. أي: ابق على ما أنت عليه من التقوى، وقد يكون المخاطب: أمته عليه الصلاة والسلام.

قال تعالى: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الأحزاب:1]، أي: أن هناك من يحاول أن يزعزع شأنك، ويقلل من أمرك، لكن ابق على ما أنت عليه، ثم يطمنه ربه أن النصرة تكون من الله، ومن طرائق نصر الله: اتباع وحيه: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ [الأحزاب:2]

فمن هنا: فهم العلماء أنه لا اجتهاد مع النص؛ لأن الله قال لنبيه: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الأحزاب:2]، فإذا كان النبي مأموراً باتباع الوحي فغيره أولى، وإذا كان اجتهاد النبي ينحى في حالة وجود الوحي، فما بالك باجتهاد غيره؟

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:2-3] هذا ينزل السكينة والطمأنينة على قلبه صلوات الله وسلامه عليه، وأنه محفوظ بحفظ الله تبارك وتعالى له.

نبقى في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1] أكثر من يعبر عن معنى التقوى يأخذ أحد جوانبها، وهي قضية الأمن من العقاب، وهذا لا يكفي، فمن تقوى الله أيضاً: تحصيل الثواب، فإن المؤمن يريد أن ينأى بنفسه عن الشر، وفي ذات الوقت يريد أن يحصل كل خير، ثم إن الإنسان يحصل الثواب بتقوى الله، وباجتناب نواهيه يأمن الإنسان من العقاب.

ولا ينبغي هنا أن يستخدم الإنسان عقله، وإنما اتباع وحي الله كفيل بأن يوصلك إلى ما تطلب، وكذلك في الصوم؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول عنه: جنة. أي: وقاية من النار، فالنار هي القاصم الأكبر والخزي الأعظم.

مع أن الصوم لو تأملته حقاً لوجدت أنه كلما توالت ساعاته، ودنوت من المغرب زمناً، تكون قواك أضعف وأوهن، فجعل الله من هذا الضعف الذي يصيبك قوة لك في الخروج من النار، فانظر كيف أن الإنسان يتقي الشيء بشيء يغلب على الظن أنه لا يقي، لكن الله جل وعلا جعل من هذا الصوم الذي تضعف به قوانا سبباً في أن تكفر الخطايا، وأن تكون في المقام الأول، فلما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يصف الصوم بصفة قال: (الصوم جنة). أي: وقاية من النار.

هذا مجمل ما يمكن أن نقوله حول الآيات الثلاث الأول التي استفتح الله جل وعلا بها سورة الأحزاب.




التوقيع :
إذا أدمت قوارصكم فؤادي ***** صبرتُ على أذاكم وانطويتُ
وجئـت إليكـــم طلق المحيا ***** كأني ما سمعـتُ ولا رأيـــتُ

http://www.youtube.com/watch?v=3JqNh-btjvw


    رد مع اقتباس