عرض مشاركة واحدة
قديم 02-05-17, 12:48 AM   #4
عضو فضي
 
الصورة الرمزية طلق المحيا

 











 

طلق المحيا غير متواجد حالياً

طلق المحيا تم تعطيل التقييم

افتراضي

ذكر بعض من أحداث غزوة الأحزاب إجمالاً

وأعتقد أنه من المناسب أن نتحدث في اللقاء الأول عن غزوة الأحزاب عموماً؛ لأن السورة سميت بها، ولأنها الموضوع الرئيس للسورة، ثم في اللقاءات القادمة إن شاء الله تعالى نشرع كالعادة في تفسير الآيات كلمة كلمة على منهجنا المعتاد، لكن اليوم سنخصص الحديث عن غزوة الخندق أو الأحزاب؛ لأن الحديث عنها في اعتقادي يسهم كثيراً بعد ذلك في تفسير سورة الأحزاب.

فنقول: اليهود سبب لكل شر في غالب أمرهم، فقد ذهبوا إلى القرشيين وهم يعلمون أن القرشيين متوترون بسبب من قتل منهم يوم بدر، أما يوم أحد فلم يشف غليلهم، رغم أنهم أصابوا من المسلمين مقتلاً، لكنهم لم يسيطروا على هذا الدين، ولم يحتلوا أرضاً من المدينة، فلما ذهبوا إليهم سأل القرشيون اليهود عن دين محمد؟ فتظاهر اليهود بأنهم لا يعلمون شيئاً وقالوا: صفوا لنا دينكم، وصفوا لنا دين محمد، وهم أهل كتاب، وهذه القضية بالنسبة لهم غير خافية، فلما أخبروهم بالخبر والوهم، قال الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء:51-52].

ألبت اليهود قريشاً وغطفان وغيرهما من قبائل العرب على أن يأتوا المدينة، وهذا أصل تسميتهم بالأحزاب، فقدموا إلى المدينة لكل قوم زعيمهم، ولم يكن لهم زعيم واحد يمكن أن يصدروا عنه، وهذا أمر تفرضه الحضارة العربية آنذاك، فالعرب لم تكن تعرف حضارة الاجتماع على ملك، ولم يكن هناك أحد في العرب يمكن أن يسمع ويطاع دون غيره، إنما كانت الثقافة ثقافة قبلية، فشيخ القبيلة هو المصدر الذي يصدر الناس عن أمره ويردون إليه، فلا يقبل أحد منهم أن يستمع إلى رجل من قبيلة أخرى، فقريش بقيادة أبي سفيان ، وغطفان بقيادة عيينة بن حصين وقيل غيره، وهكذا سائر القبائل، فقدموا إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع كل حدث بما يمليه عليه ذلك الحدث.

ولهذا: فمن الخطأ أن يستبق الإنسان الأحداث، أو أن يقعد قواعد لا يريد أن يخرج منها ويزعم أنها مبادئ، هو عليه الصلاة والسلام حارب في بدر على مسافة 140 كم عن المدينة، ثم في أحد أقرب، ثم في الخندق أقرب وأقرب، فاختلاف الطرائق يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتزم طريقة واحدة في حرب عدوه، بل استشار الناس فأشار عليه سلمان بحفر الخندق، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل في أمور معينة أحداً أن يملي عليه فيها رأيه، وهي ما يتعلق بشئون الدين، أما ما يتعلق بالحضارة المحضة الدنيوية فإن الدين شرع لنا التشاور وأخذ الرأي من الغير، وقد كان الفرس خلاف العرب، فقد سبقوا العرب كثيراً في قضايا الحضارات، ولذلك عرفوا الملك وتوارثوه، وهو أمر لم يكن عند العرب، فأشار سلمان بما تمليه عليه حضارته الفارسية لا لما يملي عليه دينه وإيمانه؛ لأن النبي أعظم منه ديناً وإيماناً، والصحابة كـأبي بكر وعمر ، فأشار على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، فقبلها النبي صلى الله عليه وسلم لسببين:

أما السبب الأول: فلكي يحقق المقصود في منع قريش وحلفائها من أن يدخلوا المدينة.

والأمر الثاني: أن أي عدو إذا واجهته بشيء غير متوقع كان أنكأ فيه.

فلما جاءت الأحزاب فوجئوا بشيء لم يعرفوه ولم يعهدوه، فقال بعضهم لبعض: إن هذا شيء لم تألفه العرب، ولا تعرفه في حروبها، لكنها فكرة نقلت من حضارة إلى حضارة، والحضارات ليست وقفاً على أحد، تبقى حقاً مشاعاً يستفيد منها كل أحد، فالحكمة ضالة المؤمن، والعاقل لا يمنعه شيء من الاستفادة من غيره، إذا لم يكن هذا الشيء ماساً بثوابته وطبائعه وقيمه، فهذا لا يقبل أن نختار بينه وبين غيره؛ لأن هذا خلاف الدين، لكن الدين أذن لنا بمثل هذا، وهو أن نأخذ بما نستفيده من الحضارات الأخرى، قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم في الصحيح: (كنت أريد أن أنهى أمتي عن الغيلة فرأيت أن فارس والروم تصنعانها فلا تضرها شيئاً)، فالمرأة وهي حامل لها أن ترضع، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع من قومه من العرب أن هذا يضر بالجنين أو بالرضيع فأراد أن ينهى الأمة عن ذلك شفقة بهم، فلما تبين له بغير الوحي من الاحتكاك والالتماس الحضاري من فارس والروم أنهم يفعلون ذلك لأن هذه أشياء لا تتعلق بمسألة أن الكافر يتضرر والمسلم لا يتضرر، بل هو أمر مفتوح، فقبلها النبي صلى الله عليه وسلم.

موضع الشاهد: أنه عليه الصلاة والسلام حفر الخندق فأضحى الأحزاب في شق والمؤمنون في مأمن وفي شق آخر، لكنها كانت أياماً عصيبة وافقت برداً، ولم تكن الدنيا قد فتحت آنذاك للنبي صلى الله عليه وسلم، بل وافقت تلك الأيام فقراً، وأمما تتكالب، واليهود في جنوب المدينة يخشى منهم، وهم من بيتوا هذا الأمر للمؤمنين، ولم يسبق أن اجتمع الناس على أحد ورموه عن قوس واحدة كما فعل الأحزاب مع النبي صلى الله عليه وسلم، مكث الأمر أياماً وليالي زلزل فيها المسلمون زلزالاً شديداً، وسيأتي تفصيلاً.




التوقيع :
إذا أدمت قوارصكم فؤادي ***** صبرتُ على أذاكم وانطويتُ
وجئـت إليكـــم طلق المحيا ***** كأني ما سمعـتُ ولا رأيـــتُ

http://www.youtube.com/watch?v=3JqNh-btjvw


    رد مع اقتباس