الموضوع: من مروج الذهب
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-16, 04:01 AM   #1
عضو فضي
 
الصورة الرمزية طلق المحيا

 











 

طلق المحيا غير متواجد حالياً

طلق المحيا تم تعطيل التقييم

Lightbulb من مروج الذهب

.... روي ان المنصور كان قد ضم الشَّرْقِي بن القَطَامي إلى المهدي، حين خَلَّفَه بالري، وأمره ان يأخذاه بحفظ أيام العرب، ومكارم الاخلاق، ودراسة الأخبار، وقراءة الأشعار، فقال له المهدي ذات ليلة: يا شرقي أرِحْ قلبي بشيء يُلْهِيه، قال: نعم أصلح اللهّ الأمير، وذكروا أنه كان في ملوك الحيرة ملك له نديمان قد نزلا من قلبه منزلة مَكِينة، وكأنا لا يُفارِقانه في لهوه وأنسه ومنامه ويقظته، ومُقامه وظعنه وكان لا يقطع أمراً دونهما، ولا يصدر إلا عن رأيهما، فغبر بذلك دهراً طويلاً، فبينا هو ذات ليلة في شربه ولهوه إذ غلب عليه الشرابُ فأزال عقله، فدعا بسيفه وأنتضاه، وَشَدَّ عليهما فقتلهما، وغلبته عيناه فنام، فلما أصبح سأل عنهما، فأخْبِرَ بما كان منه، فأكبَّ على الأرض عاضا لها تاسفاً عليهما وجزعاً لفراقهما، وأمتنع من الطعام والشراب، ثم حلف لا يشرب شراباً يزعج قلبه ما عاش، وواراهما، وبنى على قبريهما قُبَّة، وسَمَّاهما الغريَّيْنِ، وَسَنَ أن لا يمر بهما أحد من الملك فمن دونه الا سجد لهما، وكانا إذا سَنَّ الملك منهم سُنَّة توارثوها، وَاحيَوْا ذكْرها ولم يميتوها، وجعلوها عليهم حكماً واجباً، وفرضاً لازماً، وأوصى بها الأباء أعْقَابَهُمْ، فغبر الناس بذلك دهراً طويلاً، لا يمر بقبريهما أحد من صغير ولا كبير الا سجد لهما، فصار ذلك سُنَّة لازمة وأمرا كالشريعة والفريضة، وحكم فيمن أبى أن يسجد لهما بالقتل بعد ان يحكم له بخصلتين يجاب إليهما كائنا ما كانتا. قال: فمرَّ يوماً قَصَار معه كَارة ثياب وفيها مُدَقَته. فقال الموكلون بالغريَّيْنِ للقَصار: اسجد فأبى ان يفعل، فقالوا له: إنك مقتول ان لم تفعل، فأبى، فرفعوه إلى الملك واخبروه بقصته، فقال: ما منعك أن تسجد. قال: سجدت ولكن كَذبوا عليَّ، قال: الباطِلَ قلت، فأحتكم في خصلتين فأنك مُجَابٌ إليهما، وإني قاتلك بعد، قال: لا بد من قتلي بقول هؤلاء عليَّ، قال: لا بد من ذلك قال: أحتكم ان اضرب رقبة الملك بمدقتي هذه، قال له الملك: يا جاهل، لوحكمت على ان أجري على من تخلف وراءك ما يغنيهم كان اصلح لهم، قال: ما أحكم الا بضربةٍ لرقبة الملك، فقال الملك لوزرائه: ما ترون فيما حكم به هذا الجاهل. قالوا: نرى ان هذه سنة أنت سننتها وأنت أعلم بما في نقض السنن من العار والنار وعظم الاثم، وأيضا انك متى نقضت سنة نقضت أخرى. ثم يكون ذلك لمن بعدك كما كان لك، فتبطل السنن قال: فارغبوا إلى القَصَار ان يحكم بما شاء ويعفيني من هذه، فإني أجيبه إلى ما شاء اللهّ ولو بلغ حكمه شَطْر مُلْكي، فرغبوا إليه، فقال: ما أحكم إلا بضربةٍ في عنق الملك قال: فلما رأى الملك ذلك وما عزم عليه القَصار قعد له مقعدا عاماً وأحضر القَصَّار فأبدى مُدُقَّته وضرب بها عنق الملك فأوهنه وَخَرِّ مغشيا عليه، فأقام وقيذاً ستة اشهر، وبلغت به العلة إلى ان كان يسقى الماء بالقطر، فلما أفاق وتكلم واكل وشرب واستقَلَّ سأل عن القصَار، فقيل: أنه محبوس، فأمر باحضارَه فحضر، فقال: لقد بقيت لك خصلة فأحكم بها، فأني قاتلك لا محالة إقامة للسنة قال القَصَّار: فاذا كان لا بد من قتلي فإني أحكم ان اضرب الجانب الأخر من رقبة الملك مرة أخرى، فلما سمع ذلك خَرَّ على وجهه من الجزع، وقال: ذهبت نفسي واللّه إذا، ثم قال للقصَار: وَيْلَك! دع عنك مالا ينفعك فأنه لم ينفعك منه ما مضى، وأحكم بغيره وانفذه لك كائناً ما كان، قال: ما أرى الا في ضربةٍ أخرى، فقال الملك لوزرائه: ما ترون. قالوا: كنا عرضنا علية فأبى ، قال: ويلكم! ان ضرب الجانب الاخر ما شربت " الماء البارد أبداً لإني أعلم ما قد نالذي، قالوا: فما عندنا حيلة، فلما رأى ما قد اشرف عليه قال للقصَار: أخبرني، ألم أ كُن قد سمعتك تقول يوم أتى بك الموكلون بالغَرِيَّيْنِ انك قد سجدت وأنهم كذبوا عليك، قال: قد كُنت قلت ذلك فلم أصدق، قال: فكنت سجدت. قال: نعم، فوثب الملك من مجلسه وقبل رأسه، وقال: أشهد انك صادق، وأنهم كذبوا عليك، وقد وليتك موضعهم، وجعلت إليك بأسهم، وأمرهم في تأديبهم فضحك المهدي حتى فحص برجليه، وقال: احسنت، وَوَصَلَه.




التوقيع :
إذا أدمت قوارصكم فؤادي ***** صبرتُ على أذاكم وانطويتُ
وجئـت إليكـــم طلق المحيا ***** كأني ما سمعـتُ ولا رأيـــتُ

http://www.youtube.com/watch?v=3JqNh-btjvw


    رد مع اقتباس