قال ابو هذيل العلاف : كان يختلف إلي فتىً من أهل الموصل حسن السمت، نير الوجه، تقي الثياب؛ فكان يصمت في المجلس، وإذا أتاه النهوض قال: أستغفر الله لي وللمتكلم، ثم يمضي. قال: فنبل في عيني، ولاط بقلبي، وحلا في صدري؛ فذكرت قول الحكيم في كتاب جاودان خرد: يحرم على السامع تكذيب القائل إلا في ثلاث هن غير الحق؛ صبر الجاهل على مضض المصيبة، وعاقل أبغض من أحسن إليه، وحماة أحبت كنة.
فقال الفتى: لولا حفظي لنظير هذه الكلمات وسماعهن من ثقة! فاشرأببنا إليه وقلنا: ماذا ذاك؟ يرحمك الله! وظننا أنه سيأتي بأحسن منهن. فقال: حدثني أبي عن جدي أنه قرأ في بعض كتب الحكماء: ليس الجائع كالشبعان، ولا المكسي كالعريان، ولا النائم كاليقظان.
فطأطأت رأسي، وجعل أصحابي ينظرون إلي وإليه، وكرهت أن أسأله عن شيء بعد هذا. فقال له بعضهم: من أنت يا فتى؟ قال: من فوق الأرض ومن تحت السماء. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: من أوسطهما، قال: فما الاسم؟ قال: لجام، قال: فما الكنية؟ قال أبو السراج، قال: فما بالك لا تنهض؟ فوالله ما أنت إلا حمار، فوثب قائماً. وقال: ليس البحث منكم، ولكن مني حيث أجلس إلى أمثالكم ولا تعرفون ما طحاها.