ألا إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض!
أعدم صباح اليوم كل الحكام المسلمين!
ولن تقرأ الفاتحة على أرواحهم!
رحم الله المتنبي الذي قال في مثل هذا اليوم: عيد، بأية حال "جئت" يا عيد؟
إن صح ما تناقلته الأنباء حول إعدام رئيش العراق صدام حسين، وأنه توفي،
فهو إعلان تهديد أمريكي واضح بإعدام كل من تسول له نفسه الخروج عن
القاعدة الأمريكية في حكم الشعوب المسلمة، وهذه القاعدة تطلب للمسلمين
إسلاما حسب المواصفات والتقنيات الأمريكية، ينبع من مفهوم الإدارة
الأمريكية للديمقراطية التي تتشدق بها دائما، أي أن أن أمريكا صنعت للناس
"إسلاما أمريكيا"، فمن يكفر بدين الله ويؤمن بالدين الأمريكي فقد فاز، ومن
آثر دين الله وأحبه فعندهم أنه خسر خسرانا مبينا، ولعلنا نذكر الانتخابات الديمقراطية في الجزائر، وقد دعت إليها أمريكا كثيرا، وطبلت لها وزمرت
-قبل ظهور نتائجها كثيرا، ولكنها لما رأت فوز المسلمين أرعدت وأزبدت
كثيرا، وجاءت برجل ونصبته حاكماللجزائر، لقد قالت الإدارة الأمريكية يومها
إنها تريد إسلاما كإسلام (.....)، وهي من البلاد العربية التي تدعي التمسك
بالإسلام ولكن كما تريده أمريكا، أي إسلام بالحجم الأمريكي فقط، ولا تعنينا
أمريكا اليوم كثيرا، ولكن ما يعنينا هو موافقة أحجار الشطرنج التي تتبوأ
كراسي الحكم في الدول المسلمة، العربية منها والأعجمية، فكلهم أحجار،
ولكنها أحجار خفيفة ليس لها وزن ولا تأثير، تلعب بها الريح الأمريكية
المناصرة للشعوب المستضعفة، المنقذة لها من ظلم حكامها إن لم يصفقوا
لأمريكا، أما المصفقون لها فهم حكام عادلون، يحبون شعوبهم كما تحبها
أمريكا، ويوفرون لشعوبهم الحرية كما تحبها أمريكا، ويطبقون على شعوبهم الديمقراطية أيضا كما تحبها أمريكا، لعنة الله على أمريكا التي تلاحقنا وإن
قلنا لا شأن لنا بها.
وإذا لم يكن الحاكم قد وضع على الكرسي بطريقة ديمقراطية حرة فهو مكروه
في بلد الديمقراطية والحرية، وتتلخص هذه الطريقة في أن الولايات الملتحدة الأمريكية تمسك بالرجل المناسب الموافق للمقاييسوالمواصفات الأمريكية
وتحمله وتجلسه على كرسي الحكم، وعادة ما يكون الكرسي مطابقا بالصدفة
لقاعدة هذا الرجل الذي سيكون بعد لحظة الحاكم بأمره، والهاء ليست عائدة
إليه بأي حال، وإن أراد ذلك فهو لم يقرأ عنوان هذا المكتوب بالمرة، وبالطبع
فإن كل (لا... لا... بل جل) حكام بلاد المسلمين قد جيء بهم بمثل هذه
الطريقة الديمقراطية، والحاكم الذي يفلت من هذه الطريقة ويخرج من بين
يدي شعبه لا يستمر طويلا في الحكم لأنه غير ديمقراطي، ومثله في ذلك
من يفكر في أن يتململ ولو قليلا من الحكام الذين نصبوهم ديمقراطيين حسب الشريعة "الديمقراكية".
لقد ظهرت اليوم لكل ناظر خيانة حكام المسلمين، وما كانت خافية، وظهرت
عمالة الزلم الذين يحكمون العراق، وما كانوا معنيين بإخفائها، ولكن رائحة
هؤلاء أولئك زكمت الأنوف فأجبرت الناس على أن يتبينوها بجلاء ووضوح،
وقد جعلت هؤلاء وأولئك يخرجون ألسنتهم ليلحسوا حذاء عمهم سام، وتركتهم
وهم يشار إليهم بالبنان أن هؤلاء هم الذين أذلوا شعوبهم حسب رغبة عمهم
سام، وهم الذين سيذوقون الكأس نفسها من يد عمهم سام، وقطعا لن يجدوا لهم
يومئذ من متحسر على أيامهم كما وجد صدام.
إن إعدام صدام في هذا اليوم بالذات له تأثيرات هامة لدى المسلمين، هؤلاء
المسلمون الذين أرادوا فرحة العيد فمنعهم الأمريكان منها، ولم يكن اختيار يوم
عيد الأضحى لإعدام الرئيس صدام مصادفة، فهم يعرفون أيامنا وتواريخنا ومناسباتنا، ويحددون أهدافهم المذلة لتنفيذها في الوقت الذي يزيد المسلمين المتقاعسين ذلة على لهم، ويزيد الشرفاء حسرة على حسراتهم بسبب هؤلاء المتقاعسين، الذين يخدمون الأعداء طوعا أو كرها وهم صاغرون، يحسبون
أنهم يرضون عنهم في يوم من الأيام، وما كان الاستهتار المستعر المتزايد
بأهل هذا الدين الحنيف، والعمل على إبعادهم عنه وإذلالهم، وقتل الروح
المتوثبة للعمل فيهم، ومن ثم استعمارهم بطرق جديدة تناسب العصر، ما كان
كل هذا يتم لو تمسك المسلمون بدينهم ونصروا الله ورسوله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم.
لقد كان صدام الرجل الوحيد الذي جعلنا نحس يوما أننا عرب بحق، بفعل له
أثر عايشناه، وأظن أن حكم الإعدام الذي نفذ اليوم قد تقرر في ذلك اليوم ،
ولكن تأجل إلى اليوم لأسباب قد نعلمها فيما بعد، وما كان للعدو أن يتبجح
بمحاربته الإرهاب (الإسلام) لولا مساعدة ظلام المسلمين ممن يدعون
الانتساب للإسلام، فهل سيتذكر العرب صدام حسين؟ وهل سيكون له مكان في
الذاكرة العربية القادمة؟ أعتقد أن كل حر شريف سيتحسر على أيام صدام،
وإن كان ممن مر بهم حدث اليوم دون أن يدمي لهم قلبا، سيتحسر عندما نرى
عواقب هذا الصمت المريب أمام ما حدث اليوم وسيتكرر حدوثه ما دام فينا
من يساعد المعتدين على أخيه، ويومها سينادي أحدنا كما نادى الثور بعد
فوات الأوان: ألا إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض!