عرض مشاركة واحدة
قديم 22-12-06, 02:25 AM   #1
عضو نشط

 










 

حربَ غير متواجد حالياً

حربَ is on a distinguished road

افتراضي مقـــــــــــــــــــــــــال نااااااااااااااااااري





تفكيك هالة "الجهاد" الأفغاني

حمزة قبلان المزيني*


أشرت في مقالي السابق إلى أن التصدي لمنابع الفكر المنحرف يتطلب أولاً تفكيك الهالة التي رسمت حول "الجهاد" الأفغاني وجعلته نموذجاً لتطبيق مفهوم "الجهاد" ومصنعا لا يزال يتخرج فيه كثير من المنتمين إلى هذا الفكر.
ويقدم لنا الشريط الصوتي للشيخ سراج بن سعيد الزهراني "صفحات مطوية من الجهاد الأفغاني" سجلا وثائقياً مهماً يفتح أعيننا على كثير من الممارسات في أثناء ما يسمى بـ "الجهاد الأفغاني" التي رسمت مسار الجماعات الإسلامية التي اتخذت العنف منهجاً.
ومما يلفت النظر أن السلفيين السعوديين لم يشاركوا في أية مقاومة عربية أو إسلامية، كالمقاومة الجزائرية أو الفلسطينية، قبل الاجتياح السوفيتي لأفغانستان. ويشير هذا إلى أن خروجهم إلى أفغانستان لم يكن مدفوعا أساساً بالمفاهيم السلفية بل بعوامل أخرى.
ومما يؤيد هذا الرأي أن اشتراكهم في "المقاومة" الأفغانية، التي كان يقودها زعماء قبليون في الأساس، لا يتوافق مع بعض المفاهيم السلفية الأساسية. ويؤكد هذا أن التطرف الذي انتهى إلى التكفير والتفجير لم يأت من المفاهيم السلفية أساساً، بل كان نتيجة لتأثر البعض بفكر الإخوان المسلمين، سواء في المملكة أو في "مطبخ بيشاور".
ومن النقاط التي يتمثل فيها عدم التوافق بين المفاهيم السلفية والاشتراك في "الجهاد الأفغاني" ما يلي:
1- أن "الجهاد الأفغاني" كان يرتبط بالولايات المتحدة تمويلا وتدريبا وتسليحا. فقد كان الاجتياح السوفيتي لأفغانستان أمرا خططت له الولايات المتحدة بعناية لتوريط الاتحاد السوفيتي من أجل إضعافه وشغله بمشكلة خارجية تستنزفه عسكريا ومالياً. وهذا ما صرح به زبغنيو برجينسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس كارتر. ويخرج انخراط السلفيين في هذا المشروع الأمريكي على واحد من أهم المفاهيم السلفية وهو مبدأ "الولاء والبراء" ذلك أن اشتراكهم في هذا المشروع يمثل "موالاة" فعلية للولايات المتحدة "الكافرة" نتيجة لقبولهم مساعدتها والتدرب والعمل تحت إمرة مستشاري وكالة الاستخبارات المركزية.
2- ويبين الشيخ الزهراني أن الأفغان الذين هب السلفيون لنجدتهم كانوا يخالفون بعض أهم المفاهيم السلفية. ومن ذلك أن أكثرهم كانوا يعتقدون بعض ما يراه السلفيون "شركا"، كتعليق التمائم وبناء الأضرحة وزيارة القبور من أجل الاستشفاء وقضاء الحاجات. بل إن بعض "المجاهدين" الأفغان كان يعتقد أن الذي يقيه الهلاك في المعارك إنما هو تعليقه بعض التمائم. ويورد الشيخ الزهراني تجربته حين وصل إلى بيشاور واستقبل في مراكز الاستقبال هناك. فيروي أن عبدالله عزام طلب منه ـ ومن المؤكد أن هذا كان برنامجا يواجه به السعوديون جميعهم ـ ألا يثير هذه القضايا مع الأفغانيين. بل إن عزام كان يحاول "تمييع مسائل التوحيد والسنة بحجة عدم إثارة الأفغان".
ويرى الشيخ الزهراني أن الأفغانيين "متعصبون للشرك" وأنهم يعدون أن ما عليه السلفيون من مسائل التوحيد "من الشرك" أما الذي هم عليه من الشرك فيرونه "توحيداً" وكان عزام يطلب من السلفيين السعوديين ألا ينكروا على الأفغانيين مسائل التمائم لأنه يرى أن بعض التمائم شرك وبعضها ليس من الشرك. ويحذر "الشباب السعوديين" من أن الأفغان "أخذوا موقفاً" من السلفيين السعوديين لأنهم "وهابيون"، وقد توعد بعض قادتهم الكبار أنهم سوف يقاتلون "الوهابيين" بعد أن ينتهوا من قتال الشيوعيين.
ويذكر أنه حتى الزعيم الأفغاني البارز سياف الذي كان يتظاهر بأنه سلفي إذا جاء إلى المملكة لجلب الشباب بالكلمات الرنانة لم يكن يدعو إلى العقيدة السلفية في أفغانستان، بل كان يخشى أن يظهر هؤلاء العقيدة السلفية أمام الأفغان، خشية أن يقال عنه إنه وهابي! و"كان بعض حراسه يعلق التمائم"! وكان هناك ما يشبه الإخفاء لـ "المجاهدين" الأفغانيين السلفيين وإظهار "للصوفيين والخرافيين ودعم كبير لهم". فمن الغريب إذن أن ينساق السلفيون وراء الدعوة إلى هذا "الجهاد" مع أن هذه المظاهر التي كانت سائدة في أفغانستان أولى بالحرب، تبعا للمفاهيم السلفية.
3- وكان عزام يطلب من هؤلاء السلفيين عدم الإنكار على الأفغانيين بعض المسائل الفقهية المختلف فيها في الصلاة لأنهم متعصبون جدا. ويقول الشيخ الزهراني إنه حين وصل إلى معسكر سياف وجد بعض من كانوا معه يحلقون لحاهم ويعلقون التمائم ووجد عندهم كثيرا من البدع والخرافات والخزعبلات، ويقول إنه صدم وكاد هو ورفيقه يعودان من حيث أتيا لولا أنهما كانا يرغبان في دعوة الأفغان والمشاركة في الجهاد. ويذكر أنه سأل عما إن كان سيجيب الله يوم القيامة إذا سأله عن سكوته عن المخالفات للتوحيد بأن الشيخ عزام قال له ذلك. فقال: نعم، وكان يجهر بها. ويعد سكوت السلفيين عن إنكار "المنكرات" مخالفة لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مبدأ رئيس في مفاهيم السلفية. ولاشك أن قبول السلفيين نصيحة عزام تنازل عن بعض المبادئ السلفية المهمة التي لم يحدث أن تنازلوا عنها. ومن أهم ذلك تنازلهم عن مبدأ "حماية جناب التوحيد" الذي يميز التوجه السلفي عن غيره مما جعله يقف فريدا تقريبا في مواجهة كثير من المسلمين.
4- وكان الشيخ عزام يوحي بالتقليل من شأن العلماء السعوديين كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين ـ رحمهما الله ـ لأنهم، كما يرى، لا يفهمون الواقع بسبب أنهم يفتون بأن الجهاد فرض كفاية خلافا لفتواه الذائعة بأنه فرض عين. ويخالف هذا مبدأ سلفيا مهما يقضي بتوقير "العلماء" وعدم الطعن فيهم.
5- وخضع هؤلاء "الشباب" السلفيون لبرمجة مكثفة على مفاهيم الإخوان المسلمين التي تقوم على تكفير الحكام والخروج عليهم. ويروي الشيخ الزهراني أن أول مجلس له عند الشيخ سياف كان يضم أربعة من "رؤساء التكفيريين" من جنسيات مختلفة وكان لا هم لهم إلا تكفير الحكام. ويكاد ذلك المجلس يكون معدا بعناية لإسماع السلفيين السعوديين الحكم بتكفير بعض الحكام. وكانت المملكة هدفا يكاد يكون وحيدا لهذا التكفير. ويوحي ذلك بأنه خطوة أولى لوضع أقدام هؤلاء "الشباب" على طريق الخروج على حكام بلدانهم واستسهال التكفير بمجمله. ومن تلك البرمجة وجود مراكز كبرى للتدريب الفكري وتصنيع السلاح في باكستان من أجل أن يصنعها هؤلاء المتدربون إذا رجعوا إلى بلدانهم كما هو حاصل الآن. وكان هناك تدريب على حرب المدن وهو لا حاجة له في أفغانستان لأن الحرب كانت تدور في القرى وبعيدا عن المدن. ويخالف هذا الفكر التكفيري مبدأ أساسياً في السلفية يتمثل في طاعة ولاة الأمر وعدم الخروج عليهم إلا في ظروف استثنائية جداً.
6- وكان "الشباب" السلفيون السعوديون على درجة من الجهل لأنهم كانوا يظنون أن المسلمين على "وتيرة واحدة" وغرتهم بعض مظاهر "الالتزام" عند الأفغانيين، لكنهم اكتشفوا أن هناك "تحزبات" واختلافات لم يكونوا واعين بها. لذلك كانوا ضحية لمخططات الإخوان المسلمين الخفية. ويكشف الشيخ الزهراني أن "الإخوانيين كانوا يتجمعون في بيوت الضيافة في بيشاور ولا يذهب أكثرهم للجهاد"، وأنهم جبناء ولا يذهبون إلى الجبهات، وليسوا مؤهلين للجهاد لأن غرضهم كان التجميع والإعداد لأمر آخر أكبر من الأفغان، وبعضهم يختلس مبالغ كبيرة من الأموال التي تجمع، وإذا ذهبوا إلى الجبهات فإلى المناطق القريبة من باكستان. وتقوم بيوت الضيافة هذه على دعم مالي ضخم، وكانوا يستغلون هذا الدعم في تربية الشباب "السلفيين" على مفاهيمهم ويؤثرون في أفكارهم ثم يرسلونهم إلى الجبهات ويقحمونهم فيها. ويتهم الشيخ الزهراني بعض "المجاهدين الأفغانيين" بأنهم لا يصلون وأنهم جبناء يهربون عند أول لقاء، وأن بعض قادة الأفغانيين كانوا "يبيعون الشباب السعوديين" ويهددونهم بالقتل ويقتلونهم أحيانا ويرمونهم من الخلف في المعارك التي يشاركونهم فيها. ومن أمثلة الخداع الذي كان "الشباب السلفيون السعوديون" ضحية له ما يرويه من أن بعض الزعماء الأفغانيين هولوا على "الشباب" أمر إحدى القلاع التي كان يحتلها الروس. وكان غرضهم من ذلك جمع الأموال الطائلة من السعوديين لأطول فترة ممكنة. لكن هؤلاء اكتشفوا، بعد أن انسحب الروس منها، أن تلك القلعة لم تكن بتلك الحصانة إذ كانت مبنية من اللبن وكان عرض سورها لا يتجاوز خمسين سنتيمتراً!
7- ويروي الشيخ الزهراني أن الشيخ عزام ومحازبيه من الإخوانيين كانوا ينشرون كثيرا من الخرافات تحت غطاء ما أطلقوا عليه "الكرامات" وذلك لخداع الشباب الأغرار وتحميسهم وتجنيدهم في المعارك. وهذا مخالف لبعض المفاهيم السلفية.
ومن الواضح أن شهادة الشيخ الزهراني من أهم الشهادات التي تكشف أن الهالة الجميلة التي تحيط بـ "الجهاد الأفغاني" ليست إلا نسيجا من الخداع والغش والتنظيم الحزبي كان السلفيون السعوديون خاصة ضحية له، أما حقيقته فهي أنه كان خطوة أولى لتحقيق الإخوان المسلمين لأهداف أخرى غير "الجهاد" ضد السوفيت.
وأعود هنا إلى ما ختمت به مقالي السابق من لزوم نشر مثل هذه الشهادات على أوسع نطاق لاستنقاذ السلفية من هيمنة مفاهيم الإخوان المسلمين، أولاً، ثم تفكيك الفكر المتطرف الذي لا يعرف حدودا للتكفير والتفجير.
*أكاديمي وكاتب سعودي




التوقيع :
    رد مع اقتباس