الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد
يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه (( أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وآخر ما تفقدون من دينكم
الصلاة ، ورُبّ مصل لا خير فيه ، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعا )) .
إنها العبادة المفقودة فعلا ، إذ ترى كثيرا من المسلمين يؤدون العبادات بصورة جافة لا خشوع فيها ولا
تذلل ولا تلذذ ، وربما يقرأ الإنسان كتاب الله فلا تذرف له عين ، أو يصلي فلا يرق له قلب ، أو يرفع
يديه للدعاء دون وعي وتدبر .
بل لربما تدخل المسجد فترى بعض المصلين تحملق أعينهم شرقا وغربا ناظرين ( وهم في صلاتهم )
إلى المارة ، وبعضهم تجده يبتسم وهو يصلي لأنه تذكّر موقفا طريفا .
هذا بالإضافة إلى شرود الذهن الذي ابتلي به كثير من المصلين وقارئين القرآن ، حتى لو أنك سالت
أحدهم عن السورة التي قرأها في صلاته لما تذكر ، وإذا سألته عن عدد الركعات التي صلاها الإمام ،
أزاد أم أنقص ، لما تذكر ، ولذلك لو أخطأ الإمام في صلاة فزاد ركعة أو أنقص لوقف كثير من المصلين
حائرين شاكّين في أنفسهم ، ذلك لأن عقولهم في مكان آخر غير مكان الصلاة .
إن الخشوع هو علاقة القلب وارتباطه بخالقه ، ولذا يقول الجنيد : الخشوع تذلل القلوب لعلام الغيوب .
ويقول حذيفة بن اليمان : إياكم وخشوع النفاق ، قالوا : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن ترى الجسد
خاشعا والقلب ليس بخاشع .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف نربي أنفسنا على الخشوع ؟ يكون ذلك بطرق كثيرة منها ما يلى .
- أن تدعو الله تعالى أن يرزقك الخشوع .
- أن تكثر من الطاعات (( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم )) محمد : 17 .
- الابتعاد عن المعاصي (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) المطففين : 14 .
- مجاهدة النفس وحصر الذهن ، والتركيز عند القراءة .
- تعلم تفسير القرآن ، إذ أنت أقدر على تدبر ما تفهم معناه .
على قدر علم المرء يعظم خوفه *** وما عالم إلا من الله خائف
- تصنّع الخشوع من غير نفاق أو رياء ، وذلك عندما تكون بمفردك ، فكما أن العلم بالتعلم والحلم
بالتحلم ، فإن الخشوع بالتخشع .
- كسر العادات وتغييرها ، كأن تغير السور التي تقرأها بعد الفاتحة أثناء الصلاة ، أو تغير مكان
القراءة ، أو زمنها ، أو طريقة الجلوس ، أو اللبس ، أو غير ذلك .
- تحسين القراءة والتغني بالقرآن من غير ميوعة ، فقد ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول (( ما أذن الله ما أذن ( أي ما استمع الله ما استمع ) لنبي حسن الصوت ، يتغنى
بالقرآن يجهر به )) .
نسأل الله أن يعيد إلينا هذه العبادة الغائبة المفقودة ، وأن يجعلنا وجميع المسلمين من الخاشعين
القانتين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين