الموضوع: لعلكم تتقون
عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-06, 02:53 AM   #1
إداري سابق

 










 

سالم الفريدي غير متواجد حالياً

سالم الفريدي is a glorious beacon of lightسالم الفريدي is a glorious beacon of lightسالم الفريدي is a glorious beacon of lightسالم الفريدي is a glorious beacon of lightسالم الفريدي is a glorious beacon of lightسالم الفريدي is a glorious beacon of lightسالم الفريدي is a glorious beacon of lightسالم الفريدي is a glorious beacon of lightسالم الفريدي is a glorious beacon of lightسالم الفريدي is a glorious beacon of lightسالم الفريدي is a glorious beacon of light

افتراضي لعلكم تتقون

لعلكم تتقون
الشيخ : عمر عبيد حسنه

العبادات بشكل عام ، والصوم منها بشكل اخص ، وهي مواسم للمراجعة ، والتجدد ، واستعادة الفاعلية ، والعودة إلى حالة التوازن ، التي تكاد تفتقد في غمرة الحياة ، بدوافعها ونوازعها. هي مراكز للتدريب العملي ، على المعاني الإسلامية ، ضمن مناخ جماعي ملائم ، يعين الفرد على التكيف ، ويغريه بالاقتداء ، والمشاركة في الإنجاز ، ولكل عبادة في ذلك وظيفتها ، ودورها في بناء الشخصية المسلمة ، ولا تغني في ذلك عبادة عن أخرى.
فللصلاة وظيفتها ، ودورها في إيقاظ الوازع الداخلي ، واستمرار الرقابة اليومية ، والمساهمة بالاستقامة ، والنهي عن الفحشاء والمنكر.
وللزكاة دورها في معالجة نوازع التملك ، وحب الأثرة ، ومغالبة الشح ، وتطهير النفس من غوائله ، وتطهير المال من حق الغير ، وتطهير المجتمع من الفقر ، وزيادة المال ونمائه ، وغالباً ما تعالج الزكاة حالة نفسية ومالية واجتماعية ، تتلبس بالإنسان ، أو تحاول السيطرة عليه ، إذا ما ملك النصاب ، لذلك لم تفرض إلا على الأغنياء.
والحج عبادة العمر ، ولو لمرة واحدة هي تعني ، فيما تعني ، إسقاط حواجز الزمان والمكان ، والعودة إلى المنطلق ، وأرض النبوة ، والحياة في منزل الوحي ، والتمحور حول أول بيت ، وضع على التوحيد ، حيث يحس الإنسان بعمق الجذور التاريخية ، والبعد الخالد لحياته ابتداء بأبي الأنبياء ، الذي يحاول التمسك بطريقته الحنيفية السمحة ، وامتداداً إلى الخلود في الآخرة ، وأهم من هذا وذاك : الولادة الجديدة وامتلاك القدرة على تجاوز الماضي ، بكل أخطائه وانحرافاته ، ( فمن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). [ متفق عليه ].

إنها الولادة الجديدة ، والاستئناف ، والتجاوز ، والانعتاق في البيت العتيق ، من قيود الماضي وأخطائه تلك الأخطاء التي تطارد الإنسان ، وتثقل كاهله ، وتقض مضجعه.
فكل عبادة في بناء الإسلام دورها ، وأهميتها ، ووظيفتها ، في بناء الشخصية المسلمة ، والاستمرار في استقامتها ، وحراستها من غوائل الشيطان ، ولو كان الأمر على غير ذلك ، لكانت إحدى العبادات كافية ومغنية عن كلها.
فالتقوى أو الوقاية الحضارية والنفسية ، والمالية ، والاجتماعية ، والتاريخية ، وجميع أنواع الوقاية ، مركوزة في العبادات ، التي هي في الحقيقة ، وسيلة للارتقاء بالإنسان وحماية إنسانيته ، أو استعادتها ، وليست قهراً للنفس ، ومشقة وعنتاً للجسم.

إنها وسائل لتهذيب الإنسان ، وليست أدوات لتعذيبه ، وتكليفه بما لا يطيق ، فالمشقة تجلب التيسير ، وإن مع العسر يسراً ، وإذا عزم الأمر ، واشتد التكليف ، جاءت الرخصة ، لذلك لا بد من تصحيح الفهم للعبادة ، وتصحيح الوسيلة في الدعوة إليها ، وحمل المكلف على إدراك معانيها وأهدافها.
ولا شك أن عبادة الصيام ، تتمحض لبناء الوقاية ، وتحقيق التقوى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة : 183 ].

ولقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصيام بوظيفته فقال : ( الصيام جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ شاتمة أو قاتله ، فليقل إني صائم ) [ متفق عليه ] . والجنة الوقاية. والوقاية هنا ليست فلسفة باردة ، ونظرية تقتنع العقل ، وترضى النفس بعيداً عن السلوك والتدريب ، وإنما هي الدرس العلمي والتدريب العملي ، الذي يمتد بالإنسان شهراً كاملاً ، كل عام ، يتعود من خلاله الصبر على الحاجات والشهوات ، ويمسك من خلاله عن الخلال السيئة ، والعادات الشائنة ، ويتحلى بحسن المعاملة ، والدفع بالتي هي أحسن ، فإن سابه أحد أو خاصمه ، فليقل إني صائم ، حتى يتعود ذلك الخلق ، ويكسب تلك المعاني ، فتصبح بعد شهر من التدريب ، سجية له ، وجزءاً من تكوينه.
والمناخ الجماعي للصوم ، معين على ذلك ( فإذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ) [ رواه النسائي ] .

إنها لحظات الانتصار ، وميادين الانتصار ، على مداخل الشيطان التي تتسلل إلينا من خلال شهوتي البطن والفرج ، وتأكيداً على أن عطاء العقيدة ، أقوى من ضغط الشهوة ، التي أذلت البشرية في تاريخها الطويل ، ولا تزال حتى يومنا هذا ، واستغلها أعداء الأمة ، لتكون وسيلة ضغط وارتهان ، حيث يقودنا الأعداء اليوم من بطوننا وفروجنا.

إن عبادة الصوم تحمي الشخصية من الانكسار ، أمام شهوات الحياة ، والسقوط أمام المغريات ، كما أن عبادة الصوم تحفظ التوازن للإنسان ، وتشعره بحجمه ، وبشريته وحاجته ، وتحميه من آفة التأله له ، والكبر ، والتعالي ، على عباد الله ، فهو بشر مثلهم ، محتاج إلى الطعام والشراب وسائر الأمور الأخرى ، التي لا يحس بها ، إذا كان يعيش الوفرة ، إنه العبد المحتاج ، ولا أدل من الصوم للإنسان على حقيقته البشرية ، ولا أدل من الصوم على استشعار الإنسان حاجات الآخرين ، لأنه بالصوم يدخل معهم حالة الإحساس الفعلي. فإلى أي مدى نعزم على النقلة ، من حال إلى حال ، في شهر الصوم ، ونؤدي هذه الفريضة ، كما أمر الله في الذكر ، والشكر ، واستحضار المعاني الغائبة في حياتنا واستعادتها ، والتقاط الفرصة ، لتصويب مسيرة حياتنا ، حتى لا نكون في عداد الصائمين الذين لما يدركوا من معاني الصوم ، إلا امتناع عن الطعام والشراب ، الذين قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( رب قائم حظه من قيامه السهر ، ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش) [ رواه أحمد والحاكم ] .

ويبقى المعيار الذي نعاير فيه أنفسنا : هل حدث لنا التغيير المطلوب من الصيام ، وتحصلنا على الوقاية ، وامتلكنا التقوى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [ الطلاق : 2].




التوقيع :