عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-17, 12:57 AM   #9
عضو فضي
 
الصورة الرمزية طلق المحيا

 











 

طلق المحيا غير متواجد حالياً

طلق المحيا تم تعطيل التقييم

افتراضي

تفسير قوله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه... وهو يهدي السبيل)

ثم قال ربنا وهو أصدق القائلين: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب:4].

قوله: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4] أهل التفسير -عفا الله عنا وعنهم- أغرقوا هنا في محاولة معرفة هذا الرجل، وأنا أقول: محال أن تنزل آية بسبب رجل ما نكرة، بدليل أنهم لم يعرفوه، وكل يقول: هذا فلان الأسدي، وهذا يقول: من بني جمح، وهي حدث لا يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم.

وكون قريش تزعم فيما نقلوا إلينا: أن فلاناً من الناس يحفظ ويعقل، وكأن له قلبين لما يمكن أن ينزل القرآن من أجل هذا؛ لأن هذا لا يمكن أن يترتب عليه شيء مهم، لكن المعنى الذي نفهمه والعلم عند الله، وقد قال به بعض العلماء قبلنا: أن هذه الآية توطئة لما سيأتي بعدها، فمعنى مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4]: أنه لا يمكن أن يجتمع كفر وإيمان في قلب أحد، فلا يمكن أن يجتمع في قضية واحدة تصديقك وتكذيبك في آن واحد، ولا يمكن أن تقبل الإسلام وترفضه في آن واحد، هذا المعنى الحقيقي لقول الله جل وعلا: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4].

فالآية تمهد بعد ذلك لما فعله أهل الإشراك، وما سيقوله أهل النفاق في غزوة الأحزاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يتقي الله ولا يطيع الكافرين ولا المنافقين، ثم أراد الله بعد ذلك أن يهدم بكتابه المبين، وبما يمليه على نبيه صلى الله عليه سلم عادات وأعراضاً شاعت وذاعت في المجتمع القرشي لا أصل لها ولا يمكن أن تجتمع، فمهد جل وعلا بالشيء الذي يتفق العقلاء على أنه لا يجتمع، ولا يقول به عاقل، وهو أنه لا يمكن أن يجتمع تصديق وتكذيب لخبر واحد في آن واحد، ولا يجتمع في قلب أحد كائناً من كان كفر مع إيمان في وقت واحد؛ فهذان الضدان هما اللذان لا يمكن اجتماعهما في وقت واحد، فإذا ارتفع أحدهما بقي الآخر، فعلى هذا يكون قول الله جل وعلا: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4] كأنه يبدأ مع المجتمع المسلم بالاتفاق على شيء متفق عليه.

فالعقلاء كلهم يتفقون على أنه لا يمكن أن يجتمع كفر وإيمان في قلب رجل واحد، فإذا سلم الناس بهذا ويجب أن يسلموا؛ لأن هذا مما تقبله النفوس، بعد ذلك يأتي الإملاء الشرعي في تهذيب المجتمع، فهناك عادات وتقاليد راسخة من أيام الجاهلية، بقيت حتى في بيت النبوة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم تبنى زيداً بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

فقال الله جل وعلا بعد ذلك: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب:4] الله لم يذكر هنا لفظ الظهار، مما يدل على أن هذا اللفظ شائع ذائع لا يحتاج إلى بيان، لكنه يحتاج إلى بيان حكمه فقط؛ فلهذا لم يفصل الله في حقيقة الظهار؛ لأنه كان أمراً مألوفاً، كما تقول في زمانك: هذا رجل لبى، فمعنى لبى أي: قال: لبيك اللهم لبيك، سمعت رجلاً يسبح، أي: يقول: سبحان الله، هذا رجل يكبر، أي: يقول: الله أكبر، فهذه ألفاظ لا تحتاج إلى بيان، فلهذا قال ربنا: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب:4].




التوقيع :
إذا أدمت قوارصكم فؤادي ***** صبرتُ على أذاكم وانطويتُ
وجئـت إليكـــم طلق المحيا ***** كأني ما سمعـتُ ولا رأيـــتُ

http://www.youtube.com/watch?v=3JqNh-btjvw


    رد مع اقتباس