تفسير قوله تعالى: (فاصبر على ما يقولون ...)
ثم قال جل وعلا: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه:130]، التسبيح هنا الأظهر أنه بمعنى الصلاة، وقد ذكر الله في هذه الآية المواقيت الخمسة، وقوله: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [طه:130]، الصبر قرين الصلاة في كلام الله، فقد قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أرحنا بها يا بلال عند)، ولهذا أمر الله نبيه بقوله: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [طه:130]، أي: من تكذيبك ورد رسالتك وقدحهم في إلهك، وزعمهم أن الأصنام تنفع وتضر، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [طه:130] متى؟ (قبل طلوع الشمس)، وهذه صلاة الفجر، (وقبل غروبها) صلاة العصر وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ [طه:130] صلاة العشاء وَأَطْرَافَ النَّهَارِ [طه:130]، للنهار طرفان: بعد زوال الشمس عندما تتوسط في كبد السماء، وعندما تجب وتسقط وقت الغروب، فالأول يتعلق به وقت صلاة الظهر، ووقت سقوطها يتعلق به وقت صلاة المغرب.
فإن قال قائل: كيف عبر الله بأطراف ولم يعبر بطرفي؟
قلنا: إن هذا أسلوب عربي معروف، وإن العرب إذا أمنت اللبس تعبر بالجماعة عن الأفراد أو عن التثنية إذا أمن اللبس، كما في هذه الآية، ونظيره قول الله جل وعلا: إِنْ تَتُوبَا [التحريم:4] بالتثنية إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم:4]، فجمع (قلوب) وليس لـعائشة وحفصة إلا قلبان، لكن هذا أسلوب عربي، ولهذا نقول: إن من أهم الطرائق إلى معرفة كلام الله معرفة أساليب العرب في كلامهم.
لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه:130]، يحسن الوقوف عندها، والمعنى: أن هذه الصلوات سبب في رضوان الله عنك، فإذا رضي الله عنك أرضاك، ولهذا قال بعض أهل الفضل: ليس الشأن في أن نحب ربنا، فهذا حق له، ولكن الغاية والمطلب أن يحبنا ربنا جل جلاله.