ثم بدا لسليمان أن يرى مزيد فضل الله عليه، فقال لمن حوله: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:38] فاختصم عنده اثنان.
قال الله: قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ [النمل:39] لديه قوة، لكن ليس لديه علم: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ [النمل:39] أي: لا تكاد تنتهي من هذا المجلس الذي أنت فيه إلا وعرش بلقيس عندك.
وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل:39-40]، وهذا أسرع، لكنه في غالب الظن -عندي والعلم عند الله- جني أوتي علماً، فجمع ما بين القوة العلمية والقوة الجسدية.
فَلَمَّا رَآهُ [النمل:40] أي: رأى سليمان العرش مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ [النمل:40] نسب الفضل إلى الله، وكذلك المؤمن النقي التقي إذا رأى النعمة في نفسه وفي ماله أو ولده أو أهله أو أي شيء حوله نسبها إلى ربه جل وعلا. قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ [النمل:40]، فهو الذي يدخل الجنة إذا شكر وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل:40].
فالله جل وعلا لا تنفعه طاعة طائع ولا تضره معصية عاص، ولا يبلغ مدحته قول قائل، تنزه عن الصاحبة والولد، وتقدس فلم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
فالمقصود أن سليمان أراد أن يختبر بعد ذلك ذكاء بلقيس .