(الدرويش ) وتعني في التركية الفقير أو الممتن بأقل الحاجات له مظهره الخاص المعروف بارتداء قبعة بنية وعباءة سوداء تدل على القبر تلبس فوق ملابس بيضاء فضفاضة وتعني الموت، ينتمي هؤلاء إلى ما يعرف ب ( الملوية ) إحدى مظاهر التصوف تعتمد على رقصة الدراويش الدائرية حول شيخهم على انغام الناي يستغرق من خلالها الراقصون حسب اعتقادهم بوجد كامل يبعدهم عن ضجر العالم المادي وهو مسمى ارتبط لدينا بالحجاج القادمين من بلاد فارس او آسيا الوسطى ويعني لدينا الرجل الفقير الذي فقد وجهته او قدرته على التصرف فكانوا يتعرضون الى عمليات سلب وتجريد من الملابس عند ما يتيهون في الصحراء أثناء قدومهم للحج والذي يصف لنا الرحالة داوتي ضمن كتابه رحلات داوتي قصة عبور أحد الدراويش بعد ان غادرت قافلته أثناء استغراقه في النوم سنة 1878م شمال الجزيرة وترك ليلقى مصيره المجهول :
جلسنا في إحدى هذه الأمسيات متجمعين في حجرة قهوة صغيرة ( تقع في الصالة العليا) حول النار الشتوية لخشب الأقافيا ( السنط ) الجاف ، عندما ظننا وسط طقطقة مدقة القهوة ( المهبج ) أننا سمعنا شخصاً ينادي تحت كوة الرمي ، أنصت الجميع ، صوتا أجوف كان ينادينا بضجر فصاح به محمد بالتركية التي تعلمها في حياة الجندية. رد عليه باللغة نفسها ( أة ) قال الآغاء وهو يسحب رأسه ( أنه حجي فقير أطلع يا حسن وأنزل أنت يا محمد افتح الباب ) واستعجلوا بدافع ديني لإدخال الحاج السيئ الطالع فصعد إلينا برجل فقير ذي حضور جيد ، متقدم قليلاً في السن كان شبه عار ويرتجف في برد الليل . كان درويشاً تركياً سار إلى هناك على قدميه من بلدته في آسيا الصغرى يمكن أن يبعد ستمائة ميل ، لكن احتماله البشري ، رغم كونه قوياً ، كان أقل مما ينبغي لأجل الطريق الطويل . كان قد مرض قليلاً بعد معانة ، ترك هذا المخلوق المنهك وهو ما يزال هاجعاً في البرية ، منذ ذلك الحين وهو يمشي مجهداً عبر الصحاري تلك الأميال المائتين ، على خطا القافلة يستريح فقط في القلاع هذا الرحالة المتوحد المنسحق لم يكن بمقدوره أن يدرك الحجاج الذين كانوا يتنقلون أمامه باستمرار بمسيرات اضطرارية . جلب له محمد قماشاً لبادياً حلبياً لكي يتلفع به الدرويش الفقير ، الذي جرده العرب من كل ما معه قبل ثلاث ساعات من وصوله إلى مدائن ، اتقاءً للبرد .
استقبلوه جميعاً بلطف ، وفي حين كان عشاؤه يحضر ، أمروه بأن يرتاح قائلين إنه في العام القادم إن شاء الله يمكنه أن يؤدي الحج المقدس ، أما الآن فيمكنه البقاء معهم في هذين الشهرين والنصف ، حتى قدوم الحج مرة أخرى لكنه لم يشأ ذلك فقد ترك بيته ليصبح بائساً جداً في بلدان غريبة ، لن يرى المدينتين المباركتين ( مكة والمدينة ) لن يعود أبداً . جلس الحاج المسعف عند موقد القهوة بامتنان وتواضع وشرف أما وقد استعيد إلى أخوة الجنس البشري فقد أظهر نفسه رجلاً فقيراً ذا أخلاق بريئة ونبيلة . عندما كنا مبتهجين مرة أخرى فإن أحد بدو البوابة ، الذين يفهم موسيقى الصحراء فتح شفتيه ليطربنا وهو ينهق بشكل متجهم بأغنيته البدوية على الوتر البطيء للربابة . كان شخصاً وسيماً في الجماعة المتحلقة حول الموقد ، ذا بشرة سوداء كان قد عاش عاماً في دمشق مؤخراً وأصبح بفعل حياة المدينة شريراً محتالاً تحت المظهر الخارجي الطبيعي للشرف بسبب محياه النبيل وكونه من أبناء الشيوخ فقد بدا وكأنه ابن النعمة لكن المسكين لم يكن يملك إبلاً ، لذلك فقد كانت خيمته تقف منصوبة باستمرار أمام القلعة : أكثر من الذباب كان يلازم حجرة قهوة البرج حيث كان وهو يدور بؤبؤيه الأبيضين الكبيرين ، يتودد ساعة تلو ساعة بكل أسنانه البيضاء إلى محمد، مصادقاً بعبارة ( الله أخبر ) على كل الأقوال المأثورة لكبير القلعة هذا .
كان الدرويش الفقير يجلس طوال النهار ملفوفاً بأسماله، مستمتعاً بحلاوة الاستراحة من متاعبه الماضية .. جاء اليوم الثالث اليوم الأخير من الضيافة التقليدية فكانوا قد ملوا منه ، ساقه محمد وهو يضع قربة ماء صغيرة على كتفيه ، ويدله على الاتجاه فأمره بأن يتبع قدر المستطاع آثار أقدام القافلة ، وودعه بعون الله . لا حدود لمتاعب الحج إن الدين هو وعد بقدوم الأشياء الجيدة بالنسبة للفقراء .. (يتبع )
اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين
دراويش الحج تتركهم القوافل نياماً ليلقوا مصيرهم بالصحراء (2-2)
رقصة الدراويش
سعود المطيري
ذكرنا في الجزء الاول من هذه اليومية بأن (الدرويش) تعني الفقير الممتن بأقل الاشياء وهو مذهب او مظهر من مظاهر التصوف يعتمد على رقصة هستيرية تؤدى على انغام آلات النفخ يدخل من خلالها الراقصون إلى مرحلة اندماج كامل يؤمنون بقدرته على فصل الروح البشرية عن ضجر الحياة المادية واذا كانت الكلمة دراويش قد ارتبطت لدينا بالحاج الفاقد لوجهته وتركيزه فهو ايضا مصطلح يفهم باكثر من معنى حتى ان أحد أشهر الاندية الرياضية في الوطن العربي يطلق على لاعبيه مسمى الدراويش ويعني عند جماهيره القوة أو الشجاعة الغاشمة
وذكر لنا الرحالة داوتي في الحلقة الماضية ضمن كتابه رحلات داوتي كيف كانت قوافل الحج القادمة من فارس وآسيا الوسطى تغادر اثناء استغراق الدراويش في النوم ليلقوا مصيرهم بعد محاولة اقتفاء آثار القافلة في متاهات الصحراء بعد ان يجردهم لصوص الصحراء من ملابسهم وأشيائهم ووصف لنا مشاهدته لدرويش كان يتلمس أثر قافلته عام 1878م عندما استضافه البدو ثلاثة أيام علقوا بعد انقضائها على ظهره قربة ماء وقليلا من الزاد ودفعوا به على إثر القافلة المتجه للحج:
سرعان ما دخل البدوي الذي رأى الدرويش يسير ببطء على طريق الحج الأسفل: كان الطقس صافياً، فشمس النهار تجعل الظهيرات حارة، لكن الفصل كان أبرد من أن يستطيع مثل هذا الرجل المنهك أن يرقد في العراء ليلاً. بعد أسابيع وصل بدو آخرون من المدينة المنورة واستفسرنا إن كانوا قد شاهدوا درويشنا. فأجابوا بعدما عرفوا ما كان يلبس الرجل( أي بالله ) رأيناه يرقد ميتاً واللباد تحته بجانب الطريق عند سورة (غير بعيد من هنا ) أسف المحسنون عليه أنهم طردوه حياً في وقت متأخر، وهو يقبع الآن جثة ميتة في البرية، هم أنفسهم قد يصيبهم حادث مؤسف كهذا في يوم آخر في الصحارى الكبيرة. كل الأصوات صاحت فوراً لقد مات بسبب العطش فقد افترضوا أنه قد أراق قربة الماء، التي علقت على ظهره الضعيف المتعب في الظهيرات الحارة. لم يكن المشهد جديداً على البدو مشهد المسافرين البائسين الذين يسقطون ميتين على طريق الحج ويتم التخلي عنهم، في غالب الأحيان (وهذا ما رواه البدو على مسمعي ) يرون الضباع تقف بقربهم تحملق فاغرة أفواهها لتفترسهم حالما يلفظون آخر نفس من الجسد الدفىء فلدى عرب الصحراء لا يوجد أي تفكير تقي بالإحسان إلا من يتقاضى أجراً لدفن الغرباء أخبرني محمد على أنه لا يمر موسم حج إلا وقصر فيه البعض ويترك ليموت إنهم يعانون أشد المعاناة بين الحرمين حيث تنتصب الجبال مسورة إلى السماء على الجانبين في الجو الراكد لا يوجد ملجأ من لسعات الشمس الساطعة: عندما تهب عليهم رياح. السموم الحابسة للأنفس يسقطون منبطحين على الأرض ويختنقون. ثمة ماء قرب الطريق حتى حيث يكون الحر على أشده لكن اللصوص الملاعين لا يسمحون للرجل المسافر بالشرب إلا إذا تمكنوا من الحصول على هبات كبيرة وجديدة من الباشاوات الأتراك، لا يوجد علاج ولا مفر من وادي الموت هذا فهو مع ذلك نهاية الشرور القاتلة.
تقع أرض التخييم في مكة بعيداً جداً عن المكان، حيث يتوجب على حشد الغرباء الفقراء أن يجدوا لأنفسهم حجرات إقامة مستأجرة في المدينة المقدسة. هكذا يحشر الكثيرون معاً بشكل مشترك في غرفة ضيقة جداً. يكون معظم الواصلين واهنين من الرحلات الطويلة ومع ازدياد الأخلاط الفاسدة في أجسادهم تحتاج حالات من الاضطرابات الجديدة والرهيبة بينهم الى رعاية: فمن حجيج مكة انتشر الكثير من الأوبئة العامة ووصل إلى أقصى الجنس البشري.

لقد كان هائلاً بالفعل حدث الشقاق الديني لمحمد عليه الصلاة والسلام. فقد تم تجديد العادات السامية القديمة الرائجة في الدين. في ظل ذاك الطابع الهجين من الروح العربية الانفصالية المشاغبة، والتحررية متحولة إلى قاعدة رزينة سلسة للحياة الإنسانية نقطة اتفاق دنيوية مبهجة لا تتطلع إلى ما فوق إمكانية البشر أليست أقوال محمد صلى الله عليه وسلم المأثورة (الأحاديث) اليوم هي العقيدة الأم لعشر الجنس البشري، ما الذي كانه العالم، لو ان اللسان الذرب، لسان هذا الإسماعيلي النبوئي، حتى الدين البسيط الفهم الذي يمكنه أن ينظم حشداً بشرياً، هو قوة رئيسية في تاريخ العالم الظالم. ومحفوفة بالخطر، كل رابطة يمكنها أن توحد كثيراً من الملايين البشرية في سبيل الحياة والموت، لكن الدين الوثني ما قبل الإسلامي (الجاهلي) للكعبة كان السبب في أن المحمدية (الإسلام) الناضجة سريعا لم تتهاو سريعاً مرة أخرى.
اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين
(حجر تيماء ) الشهير وقصة نقله لمتحف اللوفر بفرنسا عام 1884م
سعود المطيري
تعددت الروايات حول عملية الاستيلاء على حجر أو«مسلة تيماء» الشهيرة عن طريق بعض الرحالة الأوربيين ونقله إلى متحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية سنة 1884م والتي تعد واحدة من أهم وأشهر الكنوز الأثرية المنهوبة كونها تشكل اضافة مهمة للحضارة الانسانية وتحمل أثرا مكتوبا بالرسم الآرامي عن حقبة الملك البابلي " نابونيد " منذ القرن السادس قبل الميلاد يتحدث عن طريقة العبادة وعن تنصيب أحد الكهنة في معبد الإله الوثني (صلم ) في تيماء. وإلزام المعابد الأخرى بتقديم محصول 21 نخلة ضريبة لهذا المعبد وشهد موضوع اسم وجنسية الرحالة الذي قام بنقله ومكان العثور على الحجر جدلا تاريخيا اختلف حوله الرواة ذهب اكثرها الى انه أحد احجار بئر هداج تيما وان الرحالة الالماني اوتنغ هو من قام بنقله الى اوربا الا ان الرحالة اوتنغ نفسه يقدم لنا حقائق مهمة ينسف بعضها هذه الروايات اثناء رحلته الى تيماء عام 1884م برفقة الفرنسي هوبر وعلى مدى حلقتين سنقرأ ضمن كتابه رحلة داخل الجزيرة العربية في النسخة المترجمة عن دارة الملك عبد العزيز توثيقا مهما عن سيناريو نقل الحجر وما صاحب ذلك من احداث متسارعة واخرى دموية اشبه ما تكون بسيناريو استخباراتي للظفر بهذه المسلة التي لا يتجاوز طولها 110سم وعرضها 43سم عند ما قال :
ذهبنا الى منزل فهد الطلق الذي ضيفنا بالتمر والخبز واللبن، وقد كان من بين المدعوين رجل أسلحة ماهر يدعى زيدان، وقد ضممته إلي لمعرفته التامة بالأماكن وموافقته على تلبية طلباتي ليرافقني خلال زياراتي في المدينة، وحينما فرغنا من الأكل ذهبنا معا إلى غرب المدينة، حيث التل الذي يبلغ ارتفاعه حوالي المترين عن مستوى سطح البحر، وتقع تحته حسب معلوماته تيماء القديمة، وفي الحقيقة بعد قيامي بعملية بحث سطحية في الأرض الرملية وجدت بعض قطع من الزجاج، وشظايا من البرونز مغطاة بطبقة خضراء سميكة، بالإضافة إلى قطع من أرض إسمنتية وعدد من أحجار العقيق، كما رأيت قناة تتجه نحو الشمال مغطاة بالجير، ويبدو أنها كانت مخصصة لنقل الماء إلى المستنقع الملحي «السبخة» والى الجنوب وصلنا إلى قصر الدائر، وهو بناء كبير مربع الشكل فيه أبراج على الزوايا! وبقايا بشر مردومة، ومن هناك ذهبنا إلى منزل يقع على مسيرة خمس دقائق الى الجنوب يسمى طليحان، وجدت فيه أغلى غنيمة حصلت عليها من رحلتي في الجزيرة العربية، فإلى اليمين على القائم الأيمن من الباب الداخلي الثاني كان هناك حجر مقلوب نحتت عليه أشكال آدمية، تمثل معبوداً أو ملكاً، وكاهناً، وهذا الحجر هو ما يعرف اليوم في أوساط الدارسين باسم «حجر تيما»، وحينما رأيت نقشاً مكتوباً عليه لم استطع إخفاء مشاعر الدهشة لدي إلا بصعوبة بالغة، وفي هدوء مفعم بالسعادة قمت بنسخه على الورق، ثم أعطيت صاحب المنزل بكل سرور بعض النقود. وبعد أن قلت لزيدان بأن يحضره إلي في صباح الغد الباكر، ذهبت مسرعاً وأنا متعب ومضطرب إلى البيت لكي أحدث هوبر عن الاكتشاف الجديد. وأهمية النقش المكتوب عليه، تكمن في انه يعود بالتأكيد إلى القرن السادس قبل الميلاد، أما الحجر نفسه فسيقتلع من مكانه ليحضر إلى منزلنا في يوم الغد، وفي المساء تمت دعوتنا لدى ثويني، وبعد ذلك شربنا القهوة عند عبد العزيز بن رمان، وقد كنت أفضل مائة مرة لو أنني بقيت في المنزل لدراسة الورقة التي نسخت عليها النقش.

حجر تيماء هو بطول 110 سم وعرض 43 سم وسماكة 12 سم ويزن 150كغم
وقد أدى تفكيري في ذلك الحجر إلى إصابتي بالقلق وعدم القدرة على النوم إلى القدر الذي جعلني أنهض عند الفجر لأنظر من جديد على ضوء الشموع إلى الورقة التي نسخت عليها النقش، وعند طلوع الفجر بدأت بإخراج القمل من ملابسي، ثم ذهبت مع رجل السلاح زيدان في جولة خلال المدينة زرنا فيها أولا منزل الخطيب محمد العتيق الذي كان على أحد جدران مسكنه الداخلية حجر عليه نقش كتب بالخط الآرامي. ثم سرنا عبر مقبرة تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة الحالية. وترتفع فيها بعض الأعمدة الدائرية المتداعية «فهل هي بقايا أعمدة المعابر؟» وعلى مقربة من هذه المقبرة شاهدت بعض الخبث الناتج عن فرن لصهر المعادن، وبعض الأواني الفخارية المزججة، وفضلات ضبعة ، وجثة حيوان ميت، حينما وصلنا منزل زيدان منحني هدية! كانت عبارة عن بلطة حجرية سوداء يستخدمونها في قياس نسب الذهب والفضة، وقد رأيت عنده جرة قديمة من الفخار، لم يكن عليها أي ملامح فنية.
وجدت حين عودتي من الجولة سبعة رجال يقفون في فناء منزلنا، وقد أحضروا الحجر «مسلة تيماء» من قصر طليحان، فقمت بإعطاء كل حمال منهم ربع مجيدي، وأعطيت المالك 1.5 مجيدي (حوالي 5 ماركات)، وبعد وضع الحجر وذهاب الرجال أصبح في وسعي فحص الحجر عن قرب، وحينما رآه هوبر تذكر أنه شاهده بالفعل خلال زيارته الأولى (عام 1880) ولكنه لم يظن أنه ذو أهمية.