عرض مشاركة واحدة
قديم 25-04-07, 01:34 AM   #8
عضو نشط

 










 

عوض العياضي غير متواجد حالياً

عوض العياضي is on a distinguished road

افتراضي

5- المثالية والواقعية

ونعني بها بلوغ الإنسان أعلى مستوى ممكن من الكمال البشري ، دون أن نغفل عن طبيعة الإنسان وواقعه ، وهذا يعني الارتقاء بالإنسان ، في ضوء إمكاناته وقدراته التي يمتلكها .

وقد أطلق البعض على هذه الخصيصة اسم العملية ، أي : ( صلاحية الشيء للتطبيق والعمل به في كل زمان ومكان ) ، ومعنى ذلك أن منهج الدعوة في تأهيل الدعاة قائم على أساس من المثالية الواقعية ، التي ترمي إلى وصول الداعية إلى أرقى الدرجات الممكنة ، بحسب إمكاناته وطاقاته ، دون أن نبخس طاقة حقها ، وذلك بتوظيفها كي تخط طريقها في ساحة الدعوة إلى الله ، وتحقق الاستخلاف في الأرض.

إن مسمى العملية وإطلاقه على هذه الخصيصة يعني بالضرورة ، أن لا تقصر برامج التأهيل ومناهج إعداد الدعاة ، على الجانب النظري فحسب ، بل لا بد من تضمنها للجانب التطبيقي العملي كي تثمر وتحقق نتائجها المرجوة .

ولما تفاوتت استعدادات الناس في بلوغ المستوى الرفيع ، الذي رسمه القرآن الكريم لهم كان لا بد أن تراعى مناهج الدعوة ذلك ، فجعلت لهم حدا أدنى من مستوى الكمال ، لا ينبغي الهبوط دونه ، كأن يقف عند حدود الفرائض فيؤديها ، والمحرمات فيبتعد عنها ، قال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ، وقال أيضا : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } ، وعلى الداعية أن يجتهد في الارتقاء في الطاعات والنوافل ، وفعل كل ما يقربه إلى الله قدر جهده .

كما أن وجوب الدعوة إلى الله على آحاد الأمة ، كلاًّ بحسب طاقته ، وسقوطه عن العاجز عن تغيير المنكر ، هو دليل ظاهر على واقعية الإسلام ، ومراعاته لطاقات الناس وقدراتهم واستعداداتهم .

وقد برزت هذه الخصيصة في عدة مجالات من جوانب الدعوة الإسلامية ، نذكر منها :

أ - العقيدة الإسلامية :

حيث راعت ظروف الإنسان وفطرته وطبيعة تكوينه وواقع حياته ، فيتوقف العقل عند الحدود المقدرة له شرعاً ، ومن ذلك مسائل مغيبة كالمتعلقة بالأسماء والصفات ، فلا يجوز أن يفسح المجال للعقل بالتأمل والنظر في كيفية صفات الله عز وجل وذلك لقصوره ومحدوديته ، ولأن الله عز وجل - كما ذكر صاحب العقيدة الطحاوية - لا ينتهي إليه وهم ، بأن يظن أنه على صفة كذا ، ولا يحيط به علم ، ولا يدركه عقل ، ولا يشبهه شيء : قال تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } .

ولما كانت الدعوة إلى الله دعوة إلى التوحيد كان لا بد من عرض العقيدة بأسلوب سهل و بسيط وواضح ، وهو ماتميز به القرآن الكريم ، حتى تترسخ معاني العقيدة الصحيحة في نفوس البسطاء والعوام والمثقفين والمتعلمين .

والداعية مطالب بغرس العقيدة الإسلامية في قلوب المدعوين ، بعيدا عن أساليب علماء الكلام في معالجة العديد من المسائل العقيدة ، وبعيدا كذلك عن التفصيلات التي من اهتمامات أهل الاختصاص لأصحابهذا الفن ، إذ ينبغي التفريق بين الخطاب الدعوي للعوام - غير المتخصصين - وأهل الاختصاص .

..

ب - العبادة :

لم تقتر العبادة في الإسلام على العبادات المحضة ؛ كالصلاة والصوم والزكاة والحج ، بل تعدت لشمل كل عمل يقوم به الإنسان ويقصد به مرضاة الله عز وجل ، ويوافق شرع الله تعالى ، فالعبادة في معناها الأصيل اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضى .

وهذا يعني أن ما يقوم به الداعية من نشر لدعوة الله تعالى عبادة ينبغي أن يؤديها وفق طاقاته وإمكاناته ، وأن يسعى للارتقاء بها بما يحقق معنى الواقعية المثالية ، خاصة إذا علمنا أن أحكام الشريعة الإسلامية قامت على أساس رفع الحرج والتيسير على الناس .

..

ج - الأخلاق :

لم يفترض القرآن الكريم النظرة الملائكية في البشر ، فلم يطالبهم إن يكونوا برءاء من كل عيب ، معصومين من كل ذنب ، بل اعترف ببشريتهم وحثهم على التوبة والرجوع إلى الله تعالى ، إذا ما أخطأوا ، قال تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } .

ومع ذلك أكد الإسلام على أهمية الأخلاق ودورها في كسب قلوب الناس ، وتأليفها حول دعوة الإسلام .

..

د- تربية الأبناء :

حث القرآن الكريم الآباء بالعناية بتربية أبنلئهم ، وحسن توجيههم ، وأن يكونوا قدوة خلال ذلك على أساس من الواقعية المتوزانة ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة }
قال ابن كثير : ( أي مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة ) .

ويعد البيت المحضن الطبيعي الأول لتربية الأبناء وإعداد الدعاة ، وهو ما ينبغي عدم إغفاله من قبل الأبوين ، إذ لو قاما بدورهما الدعوي تجاههما لاكتملت حلقات التربية مع المربين ، الذين وظفوا طاقاتهم خارج حدود البيت ، أي في المحاضن الأخرى كالشارع والمسجد والمدرسة وغيرها .




التوقيع :
    رد مع اقتباس