الموضوع
:
معيار الأخلاق الثورية - الخُلُقُ العظيم أرقى منازل الكمال في عظماء الرجال
عرض مشاركة واحدة
05-06-12, 08:09 PM
#
1
عضو شرف
معيار الأخلاق الثورية - الخُلُقُ العظيم أرقى منازل الكمال في عظماء الرجال
معيار الأخلاق الثورية - الْخُلُقُ الْعَظِيمُ أَرْقَى مَنَازِلِ الْكَمَالِ فِي عُظَمَاءِ الرِّجَالِ
وهنا ينبغي علينا أن نتحدث عن الأخلاق الثورية
ونستحضر مثال الرجل الأول صاحب البعثة الإسلامية ، وصحابته الكرام ، الذي نَقل أُمَّةً من جاهليةٍ جَهْلَاء إلىٰ أُمَّةٍ تعتنق الإسلامية السمحاء
فـ أولُ ما نبدأ الحديث عنه، نتكلم عن أساس الإنسان ، ونتحدث عن عمود كيانه ، وأُسُّ بنيانه ألا وهو الخُلق ، أي الصفات والسجايا والمكونات النفسية التي يتمتع ويمتاز بها عن غيره من بني جنسه حين يتعامل معهم ، كـ الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية الظاهرة منه والتي تمكنه من أن يُقبَل في المجتمعِ الذي يعيش فيه ، ويتمنىٰ الجميع التقرب إليه والحديث والتعامل معه ، أما إذا كانت صفات سيئة وسجاياه رديئة فينفر منه القريب ويتركه الحبيب ، لِأَنَّ أَخْلَاقَ الْفُجَّارِ والفسقة مَذْمُومَةٌ ، فهي رذائل ونقائص بَلْ لَا أَخْلَاقَ لَهُمْ ، بل يمكن القول أنها مصالح تُجْنَىٰ ومَنَافِعُ تُجْلَبْ ، ويظهر الشخص منهم تكلفاً أثناء معاملته مع الناس سرعان ما يظهر الوجه االقبيح ، لأن المتكلف لا يدوم أمره طويلا بل يرجع إلىٰ الطبع الأصلي الذي جُبِلَ عليه ويضمه بين جوانحه ، فيكذب ويغش ويرشي ويُخادع ويتآمر للوصول إلىٰ أهدافه ، ويستخدم المسموح ويتعاطي الممنوع . وهذه هي مبادئ المكيافيلية السياسية التي تمارس في أروقة البرلمان للوصول لكرسي النائب أو قبيل الإنتخابات ليستحوذ على مقعد الرئيس أو يريد أن يقترب من الوسط السياسي وكتابه ومنهاج حياته هو الأمير
وَالْخُلُقُ : طِبَاعُ النَّفْسِ ، وَأَكْثَرُ إِطْلَاقِهِ عَلَىٰ طِبَاعِ الْخَيْرِ إِذَا لَمْ تُتْبَعْ بِنَعْتٍ ، وَالْأَخْلَاقُ كَامِنَةٌ فِي النَّفْسِ وَمَظَاهِرُهَا تَصَرُّفَاتُ صَاحِبِهَا فِي كَلَامِهِ ، وَطَلَاقَةِ وَجْهِهِ ، وَثَبَاتِهِ ، وَحُكْمِهِ ، وَحَرَكَتِهِ وَسُكُونِهِ ، وَطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ ، وَتَأْدِيبِ أَهْلِهِ ، وَمَنْ لِنَظِرِهِ ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَىٰ ذَلِكَ مِنْ حُرْمَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالسُّمْعَةِ
فــ الخلق مَلَكَةٌ نفسانية يسهل علىٰ المتصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة ، بَيْد أن الإتيان بـ الأفعال الجميلة غير ، وسهولة الإتيان بها غير ، فـ الحالة التي باعتبارها تحصل تلك السهولة هي الخلق ، ويدخل في حسن الخلق التحرز من الشح والبخل والغضب والتشديد في المعاملات ، والتحبب إلىٰ الناس بالقول والفعل ، وترك التقاطع والهجران ، والتساهل في العقود كـ البيع وغيره ، والتسامح بما يلزم من حقوق من له نسب أو كان صهرا له وحصل له حق آخر
أما المثل الأعلىٰ والإسوة الحسنة والقدوة العليا : فـ تجد مَظَاهِرُهَا فِي سيرة رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيما فعل وقالِ ، وَفِي سِيَاسِيَّتِهِ أُمَّتِهِ ، وَفِيمَا خُصَّ بِهِ مِنْ فَصَاحَةِ كَلَامِهِ وَجَوَامِعِ كَلِمِهِ . فـقد قال عنه المولى عز وجل في وصفه لآخر الأنبياء وخاتم المرسلين : وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ . وَقَدْ عُنِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَىٰ عَلَيْهِمْ بِقَضِيَّةِ أَخْلَاقِهِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ
و روي عن ابن عباس أنه قال : معناه : وإنكَ ـ أي خاتم الأنبياء وآخر المرسلين عليه صلوات الله وسلامه ـ النبي لـ علىٰ دين عظيم ، وروي أن الله تعالى ذكره قال له ، عليه السلام : " لم أخلق دينا أحب إليّ ولا أرضى عندي من هذا الدين الذي اصطفيته لك ولأمتك " يعني الإسلام ، و هذا القول ضعيف ، و ذلك لأن الإنسان له قوتان ، قوة نظرية وقوة عملية ، والدين يرجع إلىٰ كمال القوة النظرية ، والخلق يرجع إلىٰ كمال القوة العملية ، فلا يمكن حمل أحدهما علىٰ الآخر
: ويمكن أن نوضح المسألة من وجهين
الوجه الأول : أن الخلق في اللغة هو : العادة سواء كان ذلك في إدراك أو في فعل
و
الوجه الثاني : أن الخلق هو الأمر الذي باعتباره يكون الإتيان بالأفعال الجميلة سهلا ، فلما كانت الروح القدسيّة التي للـ نبي عليه السلام ، شديدة الاستعداد للمعارف الإلهيّة الحقة وعديمة الاستعداد لقبول العقائد الباطلة ، كانت تلك السهولة حاصلة في قبول المعارف الحقة ، فلا يبعد تسميّة تلك السهولة بالخُلق
إن الله تبارك وتعالىٰ وصف ما يرجع إلىٰ قوته النظرية بأنه عظيم ، فقال : وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما [ النساء : 113 ] ، ووصف ما يرجع إلىٰ قوته العملية بأنه عظيم فقال : وإنك لعلىٰ خلق عظيم فلم يبق للإنسان بعد هاتين القوتين شيء ، فدل مجموع هاتين الآيتين علىٰ أن روحه فيما بين الأرواح البشرية كانت عظيمة عالية الدرجة ، كأنها لقوتها وشدة كمالها كانت من جنس أرواح الملائكة
وَحَقِيقَةُ الْخُلُقِ فِي اللُّغَةِ : هُوَ مَا يَأْخُذُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مِنَ الْأَدَبِ فـ يُسَمَّى خُلُقًا ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْخِلْقَةِ فِيهِ . وَأَمَّا مَا طُبِعَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَدَبِ فَهُوَ الْخِيمُ ( بِالْكَسْرِ ) : السَّجِيَّةُ وَالطَّبِيعَةُ ، لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ . فَيَكُونُ الْخُلُقُ الطَّبْعُ الْمُتَكَلَّفُ . وَالْخِيمُ الطَّبْعُ الْغَرِيزِيُّ . وَقَدْ أَوْضَحَ الْأَعْشَى ذَلِكَ فِي شِعْرِهِ فَقَالَ
وَإِذَا ذُو الْفُضُولِ ضَنَّ عَلَىٰ الْمَوْ * * لَى وَعَادَتْ لِخِيمِهَا الْأَخْلَاقُ
أَيْ رَجَعَتِ الْأَخْلَاقُ إِلَىٰ طَبَائِعِهَا
وَقَوْلُهُ سبحانه وتَعَالَى : وَإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ بِمَثَابَةِ الرَّدِّ عَلَى ادِّعَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَوَّلًا عَلَيْهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَمْيِهِ بِالْجُنُونِ ، لِأَنَّ أَخْلَاقَ الْمَجَانِينِ مَذْمُومَةٌ بَلْ لَا أَخْلَاقَ لَهُمْ ، وَهُنَا أَقْصَى مَرَاتِبِ الْعُلُوِّ فِي الْخُلُقِ
وَقَدْ أَكَّدَ هَذَا السِّيَاقَ بِعَوَامِلِ الْمُؤَكِّدَاتِ بِانْدِرَاجِهِ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ فِي أَوَّلِ سُّورَةِ : ن والقلم وَجَاءَ بِـ عَلَىٰ الدَّالَّةِ عَلَىٰ الِاسْتِعْلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ بَدَلًا مِنْ " ذُو " مَثَلًا : ذُو خُلُقٍ عَظِيمٍ لِبَيَانِ قُوَّةِ التَّمَكُّنِ وَالِاسْتِعْلَاءِ ، وَأَنَّهُ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ كُلِّ خُلُقٍ عَظِيمٍ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ مُسْتَعْلٍ عَلَيْهِ
وَقَدْ أَجْمَلَ الْخُلُقَ الْعَظِيمَ هُنَا وَهُوَ مِنْ أَعَمِّ مَا امْتَدَحَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِهِ ، وَقَدْ أَرْشَدَتْ أم المؤمنين السيدة عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَىٰ مَا بَيَّنَ هَذَا الْإِجْمَالَ حِينَمَا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي امْتُدِحَ بِهِ
فـ عَنْ قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ : وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سَعِيدَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ : أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ !؟
قُلْتُ : بَلَى
قَالَتْ : فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ
تَعْنِي رضي الله عنها وعن أبيها ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ : أَنَّهُ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ وَيَنْتَهِي بِنَوَاهِيهِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَىٰ : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الحشر : 7 ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَىٰ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الإسراء : 9 ، أَيْ مَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ مِنْ إِيقَاعِ الْفَضَائِلِ وَالْمَكَارِمِ وَالنَّهْيِ عَنْ أَضْدَادِهَا .قال ابن جرير : " يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَعَلَىٰ أَدَبٍ عَظِيمٍ ، وَذَلِكَ أَدَبُ الْقُرْآنِ الَّذِي أَدَّبَهُ اللَّهُ بِهِ ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَشَرَائِعُهُ " ، فـ صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجية له ؛ عليه السلام ، وخلقاً تطبعه ، وترك طبعه الجبلي ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه . هذا مع ما جبله الله عليّه من الخلق العظيم : من الحياء ، والكرم والشجاعة ، والصفح ، والحلم ، وكل خلق جميل . كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي : " أف !! قط ، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلته ؟ وكان صلىٰ الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، ولا مسستُ خزاً ، ولا حريراً ، ولا شيئاً كان ألين من كفِ رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم ، ولا شممتُ مسكاً ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم
و عند البخاري : قال البراء: كان رسولٰ الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً ، وأحسن الناس خلقاً ، ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير . وجاء في مسند الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما ضرب رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم بيده خادماً له قط ، ولا امرأةً ، ولا ضرب بيده شيئاً قط ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثماً ، فإذا كان إثماً كان أبعد الناس من الإثم ، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتىٰ إليه إلا أن تنتهك حرمات الله ، فيكون هو ينتقم لله ، عز وجل
**
وهنا يقع التيار الديني خاصة وبقية الأحزاب والعاملون في الساحة السياسة عامة ، في مأزق : الأخلاق " وتفعيل " معيار الأخلاق الثورية "
**
أَخَذَتْ قَضِيَّةُ الْأَخْلَاقِ عَامَّةً ، وَأَخْلَاقُهُ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ خَاصَّةً مَحَلَّ الصَّدَارَةِ مِنْ مَبَاحِثِ الْبَاحِثِينَ ، وَتَقْرِيرِ الْمُرْشِدِينَ ، فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُمُومِ أَسَاسُ قِوَامِ الْأُمَمِ ، وَعَامِلُ الْحِفَاظِ عَلَىٰ بَقَائِهَا ، كَمَا قِيلَ
إِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ * * فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا
وَقَدْ أَجْمَلَ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الْبِعْثَةَ كُلَّهَا فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي قَوْلِهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ
فـ الإنسانُ و حزمةُ الصفات ومجموع السجايا التي يمتلكها لحظة التعارف ويفعلها إثناء المعاشرة تبنىٰ علىٰ أساس عقائدي وتؤسس علىٰ قاعدة المبدأ الذي يحدد وجهة نظره في الحياة ، بَيْدَ أن الذي يظهر من المرء ما ينطقه بكلمات وتعابير لسانه وما تكشفه جوارحه وتبيّنه عيونه ، أما الأساس العقائدي والمبدأ الأساسي الذي يتبناه في الحياة فتظهر أثاره في المعاملات والمعاشرة والتواجد الحي مع الناس في معترك الحياة وداخل المجتمع
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ
و بَيَانه لِمَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَظِيمِ الْخُلُقِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى : " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الأعراف 199 وَقَوْلِهِ : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ التوبة 128
وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ، ثم أكملت فقالت : أَلَسْتَ تَقْرَأُ " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ..." الْآيَاتِ الْعَشْرَ . وَعَنْ عَلِيٍّ ، رضي الله عنه : الْخُلُقُ الْعَظِيمُ : هُوَ أَدَبُ الْقُرْآنِ وَيَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّ مَا وَصَفَ بِهِ الْقُرْآنُ مَحَامِدَ الْأَخْلَاقِ وَمَا وُصِفَ بِهِ النَّبِيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ آل عمران 159 وَقَوْلِهِ : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النحل 125
وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا التَّوْجِيهُ أَوِ الْوَصْفُ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ الْأَخْلَاقِ ، وَإِذَا كَانَ خُلُقُهُ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْقُرْآنَ ، فَالْقُرْآنُ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
وَالْمُتَأَمِّلُ لِلْقُرْآنِ فِي هَدْيِهِ يَجِدُ مَبْدَأَ الْأَخْلَاقِ فِي كُلِّ تَشْرِيعٍ فِيهِ حَتَّى الْعِبَادَاتِ
فَفِي الصَّلَاةِ خُشُوعٌ وَخُضُوعٌ وَسَكِينَةٌ وَوَقَارٌ ، فَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ
وَفِي الزَّكَاةِ مُرُوءَةٌ وَكَرَمٌ : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى البقرة 264 . وَقَوْلُهُ : إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا الإنسان 9
وَفِي الصِّيَامِ : " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةً فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " . وَقَوْلُهُ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الصِّيَامُ جُنَّةٌ " .
وَفِي الْحَجِّ : " فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ."
وَفِي الِاجْتِمَاعِيَّاتِ : خُوطِبَ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى دَرَجَاتِ الْأَخْلَاقِ ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا تَحْتَ الْخِطَابِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ نِطَاقِ الطَّلَبِ : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَهَا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا الإسراء 23 - 24 ، مَعَ أَنَّ وَالِدَيْهِ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا عِنْدَ نُزُولِهَا ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّعَالِيمِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ
وَقَدْ عُنِيَ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَخْلَاقِ حَتَّى كَانَ يُوصِي بِهَا الْمَبْعُوثِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، فـ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " قَلَتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي ، فـ أَوْصَاه بِقَوْلِهِ : اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ . فـ قَالَ مُعَاذُ بْن جَبَلٍ : آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ ـ حِينَ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الْغَرْزِ أَنْ قَالَ : أَحْسِنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ
ومعنى قول النبي عليه السلام : بِأَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ لِمُجَالِسِهِ أَوِ الْوِرَادِ عَلَيْهِ الْبِشْرُ وَالْحِلْمُ وَالْإِشْفَاقُ وَالصَّبْرُ عَلَىٰ التَّعْلِيمِ وَالتَّوَدُّدِ إِلَىٰ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالنَّاسِ ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ عَامًّا لَكِنْ أُرِيدَ بِهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ تَحْسِينَ الْخُلُقِ لَهُمْ فَأَمَّا أَهْلُ الْكَبَائِرِ وَالتَّمَادِي عَلَىٰ الظُّلْمِ ، فَلَا يُؤْمَرُ بِتَحْسِينِ الْخُلُقِ لَهُمْ بَلْ يُؤْمَرُ بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ
وَ قَالَ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ : إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ ، أَيْ : إِنَّ الْحَيَاءَ وَهُوَ مِنْ أَخَصِّ الْأَخْلَاقِ سِيَاجٌ مِنَ الرَّذَائِلِ ، وَهَذَا مِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْخُلُقَ الْحَسَنَ يَحْمِلُ عَلَى الْفَضَائِلِ ، وَيَمْنَعُ مِنَ الرَّذَائِلِ ، كَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ
إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَذًىٰ * * جَاءَتْهُ أَخْلَاقُ الْكِرَامِ فَأَقْلَعَا
وَتَرَى اللَّئِيمَ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَذًىٰ * * يَطْغَى فَلَا يُبْقِي لِصُلْحٍ مَوْضِعًا
وَقَدْ أَشَارَ الْقُرْآنُ إِلَىٰ هَذَا الْجَانِبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَىٰ : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران 134
فـــ الْخُلُقُ ، إذاً يعني الدِّينُ وَالطَّبْعُ وَالسَّجِيَّةُ ، وكما بينته أم المؤمنين السيدة عائشة : الْقُرْآنَ ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ لِصُورَةِ الْإِنْسَانِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نَفْسُهُ ، وَأَوْصَافُهَا وَمَعَانِيهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْخُلُقِ لِصُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ وَأَوْصَافِهَا وَمَعَانِيهَا ، وَلَهَا أَوْصَافٌ حَسَنَةٌ وَقَبِيحَةٌ ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الْبَاطِنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ
والخلق قد يكون غريزة أَوْ مُكْتَسِبُ ، وفيه خلاف ، وعلىٰ المعنىٰ الأول ، قَال صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِمَا وقد يكون مكتسب ففِي حَدِيثِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِيمًا كَانَ فِيَّ أَوْ حَدِيثًا ؟ ، قَالَ : قَدِيمًا ، قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَىٰ خُلَّتَيْنِ مِمَّا يُحِبُّهُمَا اللَّهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، فَتَرْدِيدُ السُّؤَالِ وَتَقْرِيرُهُ بِقَوْلِهِ " قَدِيمًا " يُشْعِرُ بِأَنَّ فِي الْخُلُقِ مَا هُوَ جِبِلِّيٌّ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَا ثَالِثَ
وَمَا أَخَذَ بِهِ مِنَ الْأَدَبِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ غَيْرَ الْقُرْآنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ ، فَجَعَلَ أَصْلَ شَرِيعَتِهِ إِكْمَالَ مَا يَحْتَاجُهُ الْبَشَرُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي نُفُوسِهِمْ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَكْبَرُ مَظْهَرٍ لِمَا فِي شَرْعِهِ قَالَ تَعَالَىٰ : ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ : وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
و في رواية عند أحمد بن حنبل عن أبي هريرة " صالح " الأخلاق " كما أخرجه الألباني في سلسلته الصحيحة ، وقال الحديث : صحيح
فَكَمَا جَعَلَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ جَعَلَ شَرِيعَتَهُ لِحَمْلِ النَّاسِ عَلَىٰ التَّخَلُّقِ بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ بِمُنْتَهَىٰ الْـ " اسْتِطَاعَةِ " . سمي عظيماً لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ، من كرم السجية ، ونزاهة القريحة ، والملكة الجميلة ، وجودة الضرائب . ما دعاه أحد إلا قال لبيك
إِنَّ مِنْ أَهَمِّ قَضَايَا الْأَخْلَاقِ بَيَانُهُ ؛ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا بِقَوْلِهِ : إِنَّمَا بُعِثْتُ ؛ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ . مَعَ أَنَّ بِعْثَتَهُ بِالتَّوْحِيدِ ، إثبات الربوبية وتوضيح مفهوم الألهية وَالْعِبَادَاتِ ، وَالْمُعَامَلَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْعَلُ الْأَخْلَاقَ هِيَ الْبِعْثَةُ
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي قَضِيَّةٍ مَنْطِقِيَّةٍ قَطْعِيَّةٍ حَمْلِيَّةٍ ، مُقَدِّمَتُهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، وَهُوَ : الدِّينُ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَآيَةٌ كَرِيمَةٌ في قَوْلُهُ تَعَالَىٰ : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَىٰ الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ البقرة177 . وَلِمُسَاوَاةِ طَرَفَيِ المعادلة فِي الْمَصَدَقِ ، وَهُوَ : الدِّينُ حُسْنُ الْخُلُقِ ، يَكُونُ التَّرْكِيبُ الْمَنْطِقِيُّ بِالْقِيَاسِ الِاقْتِرَانِيِّ حُسْنُ الْخُلُقِ هُوَ الْبِرُّ ، وَالْبِرُّ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، إِلَىٰ آخِرِ مَا جَاءَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، يَنْتُجُ حُسْنُ الْخُلُقِ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ
وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَىٰ الدِّينِ كُلِّهِ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ
الْإِسْلَامِ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ ... وما شابه ذلك
وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ .... وبقية اركان الإيمان
وَمِنْ إِحْسَانٍ فِي وَفَاءٍ وَصِدْقٍ وَصَبْرٍ ، وَتَقْوَىٰ اللَّهِ تَعَالَىٰ ؛ إِذْ هِيَ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ سِرًّا وَعَلَنًا ، وَقَدْ ظَهَرَتْ نَتِيجَةُ عِظَمِ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ فِي الرَّحْمَةِ الْعَامَّةِ الشَّامِلَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ الأنبياء 107
وَكَذَلِكَ لِلْأُمَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، كَمَا قَالَ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَقْرَبُكُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا ، وجاء برواية : " إن من أحبكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا
وَهِيَ قَضِيَّةٌ مَنْطِقِيَّةٌ أُخْرَىٰ : إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
فَــ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ فِي الدُّنْيَا ، وَمَنْزِلَةٌ عُلْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ
***
وَ جُمَاعَ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ أَعْلَىٰ الْخُلُقِ الْحَسَنِ هُوَ التَّدَيُّنُ ، وَمَعْرِفَةُ الْحَقَائِقِ ، وَحِلْمُ النَّفْسِ ، وَالْعَدْلُ ، وَالصَّبْرُ عَلَىٰ الْمَتَاعِبِ ، وَالْاعْتِرَافُ لِلْمُحْسِنِ ، وَالتَّوَاضُعُ ، وَالزُّهْدُ ، وَالْعِفَّةُ ، وَالْعَفْوُ ، وَالْجُمُودُ ، وَالْحَيَاءُ ، وَالشَّجَاعَةُ ، وَحُسْنُ الصَّمْتِ ، وَالتَّؤُدَةُ ، وَالْوَقَارُ ، وَالرَّحْمَةُ ، وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ
فــ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الِاجْتِمَاعِ أَنَّ أُسُسَ الْأَخْلَاقِ أَرْبَعَةٌ : هِيَ
الْحِكْمَةُ ، وَ الْعِفَّةُ ، وَ الشَّجَاعَةُ ، وَ الْعَدَالَةُ
وَيُقَابِلُهَا رَذَائِلُ أَرْبَعَةٌ
هِيَ
الْجَهْلُ ، وَ الشَّرَهُ ، وَ الْجُبْنُ ، وَ الْجَوْرُ
وَيَتَفَرَّعُ عَنْ كُلِّ فَضِيلَةٍ فُرُوعُهَا : الْحِكْمَةُ : الذَّكَاءُ وَسُهُولَةُ الْفَهْمِ ، وَسِعَةُ الْعِلْمِ
وَعَنِ العِفَّةِ : الْقَنَاعَةُ ، وَالْوَرَعُ ، وَالْحَيَاءُ ، وَالسَّخَاءُ ، وَالدَّعَةُ ، وَالصَّبْرُ ، وَالْحُرِّيَّةُ
وَعَنِ الشَّجَاعَةِ : النَّجْدَةُ ، وَعِظَمُ الْهِمَّةِ
وَعَنِ السَّمَاحَةِ : الْكَرَمُ ، وَالْإِيثَارُ ، وَالْمُوَاسَاةُ ، وَالْمُسَامَحَةُ
أَمَّا الْعَدَالَةُ- وَهِيَ أُمُّ الْفَضَائِلِ الْأَخْلَاقِيَّةِ- فَيَتَفَرَّعُ عَنْهَا : الصَّدَاقَةُ ، وَالْأُلْفَةُ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ ، وَتَرْكُ الْحِقْدِ ، وَمُكَافَأَةُ الشَّرِّ بِالْخَيْرِ ، وَاسْتِعْمَالُ اللُّطْفِ .
فَهَذِهِ أُصُولُ الْأَخْلَاقِ وَفُرُوعُهَا ، فَلَمْ تَبْقَ خَصْلَةٌ مِنْهَا إِلَّا وَهِيَ مُكْتَمِلَةٌ فِيهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ ، فَتَحَقَّقَ أَنَّهُ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ، فِعْلًا وَعَقْلًا
وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: لَقَدْ كَانَ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ . وَالْخُلُقُ مَا تَخَلَّقَ بِهِ الْإِنْسَانُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَىٰ اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ الأنعام 90 ، وَلَا بُدَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ مِنْ خَصْلَةٍ فَاضِلَةٍ
فَاجْتَمَعَ لَهُ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعُ خِصَالِ الْفَضْلِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ إِلَّا أَنَّ وَاقِعَ سِيرَتِهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ
فَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَالْوَحْيِ ، مُلَقَّبًا عِنْدَ الْقُرَشِيِّينَ بِـ " الْأَمِينِ " ، كَمَا فِي قِصَّةِ وَضْعِ الْحَجَرِ فِي الْكَعْبَةِ ؛ إِذْ قَالُوا عَنْهُ : " الْأَمِينُ ارْتَضَيْنَاهُ
وَجَاءَ عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، لَمَّا أُخِذَ أَسِيرًا وَأَهْدَتْهُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِخِدْمَتِهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَجَاءَ أَهْلُهُ بِالْفِدَاءِ يُفَادُونَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُمُ : ادْعُوهُ وَأَخْبِرُوهُ، فَإِنِ اخْتَارَكُمْ فَهُوَ لَكُمْ بِدُونِ فِدَاءٍ
فَقَالَ زَيْدٌ : " وَاللَّهِ لَا أَخْتَارُ عَلَى صُحْبَتِكَ أَحَدًا أَبَدًا
فَقَالَ لَهُ أَهْلُهُ : " وَيْحَكَ ! أَتَخْتَارُ الرِّقَّ عَلَى الْحُرِّيَّةِ ؟
فـَـ قَالَ : نَعَمْ ، وَاللَّهِ لَقَدْ صَحِبْتُهُ فَلَمْ يَقُلْ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ : لِمَ فَعَلْتَهُ قَطُّ . وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ : لِمَ لَمْ تَفْعَلْهُ قَطُّ
وَرَجَعَ قَوْمُهُ ، وَبَقِيَ هُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ ، وَأَعْلَنَ تَبَنِّيَهُ عَلَىٰ مَا كَانَ مَعْهُودًا قَبْلَ الْبَعْثَةِ
إِنَّنَا لَوْ قُلْنَا : إِنَّ اخْتِيَارَ اللَّهِ إِيَّاهُ قَبْلَ وُجُودِهِ ، وَتَعَهُّدَ اللَّهِ إِيَّاهُ بَعْدَ وُجُودِهِ ؛ مِنْ شَقِّ الصَّدْرِ فِي طُفُولَتِهِ ، وَمِنْ مَوْتِ أَبَوَيْهِ وَرِعَايَةِ اللَّهِ لَهُ . كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَىٰ : مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ - إِلَىٰ قَوْلِهِ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ الضحى 3 - 11 إِنَّهَا نِعْمَةُ اللَّهِ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ ، وَعَلَىٰ أُمَّتِهِ مَعَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَرَزَقَنَا التَّأَسِّيَ بِهِ
فــ أين التأسي بأفعال الرسول الكريم ، صلوات الله وسلامه عليه وآله ، وأقواله !!!؟ ، خاصة من التيار الإسلامي في منطقة الربيع العربي . هذه واحدة ، أما الثانية فما نخشاه حقاً ما ستفسر عنه نتائج إنتخابات الرئاسة القادمة ووصول مرشح لتيار سياسي لكرسي الحكم يعترض عليه التيار الآخر ، فيتحول الميدان لإظهار عضلات فريق على حساب آخر
الأصل أننا نعمل جميعا لرفع أمتنا ـ بكل طوائفها ومكوناتها ـ من مستنقع الظلم ووضع اقدامها على بداية طريق العدالة
التوقيع :
ابن عباس اليوبي
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات ابن عباس اليوبي