عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-11, 02:16 PM   #1
عضو شرف

 










 

صلاح محاميد غير متواجد حالياً

صلاح محاميد is on a distinguished road

افتراضي فصيح كلام الأطباء



انشر هنا تقديم كتاب "فصيح كلام ألأطباء في الفن ونهج ألشعراء" وقد صدرفي فلسطين عام 2004 وحديثا بالإيطالية بعنوان " أرتي اي بسيكولوجبا" "فنون وعلم النفس" وقدم له د. ريكاردو دي غوبي
سكرتير نقابة الأطباء في مدينة بادوفا- إيطاليا


كتاب الحكمة الموجز الذي أهداني د. صلاح محاميد أثار لدي الإستطلاع والاهتمام . هذا الموضوع واسع ومركب وجذاب ، وأي شخص يتناوله يخاطر بإغفال قدرا كبيرا من المعرفة ، ولكن المؤلف لا يقع في عجرفة مطبات مقالات الحكمة المنتظمة أو غير ذلك ، بل يقدم بعض رشقات الوان لريشة لطيفة كما هو الحال في اللوحات الانطباعية حيث يتباين للرؤى زوايا مغايرة اعتمادا على وجهات نظر مختلفة من المراقبة.
د. محاميد طبيب ولد في فلسطين ، وهو مواطن إيطالي ، يكتب اكثر من عشرين عاما ويرسم منذ عام 1993 : من بين أعماله "حجارة من القدس ،" أـسطورة "الطفل الذي جلب السلام" "شظايا الروح" و "قصائد حب لامرأة" ، وكتاب مثير للاهتمام "إسلامي ، يوميات حربية لشاعر فلسطيني يعيش في ايطاليا".
الخيط المشترك في أعمال صلاح هو البحث والتعبير عن الأفكار والإنفعالات والمشاعر والمزاج والأحاسيس التي تتجاوز الثقافات المختلفة وتوحدها وتكشف عن سطحية الواضح في تنوع الناس عن قدرهم وسيرهم على قدم المساواة في المعاناة ، في الأمل , في البناء والمحبة.
مجروفون في طريقتا كمنتصرين, نحن الغربيون, كثيرا ما ينتهي الأمر بنا أن ننسى المساهمة العظيمة للشعوب الآخرى واولها تلك من الشرق الأوسط التي وفرت ومهدت لميلاد الفكر الغربي.
وفعلاً كان ذلك بفضل العلماء مثل الفارابي وابن سينا وابن رشد وموسى بن ميمون ومن خلالهم ما بين 900 و 1200ب. م اكتشف الغرب المسيحي الأدب والفلسفة اليونانية والعلم والتكنولوجيا من الممالك العربية.
علاقة أوروبا مع الثقافة العربية القديمة جدا ، عميقة ومثمرة...
أهلاً , إذا, بكل هؤلاء الذين تعلموا بحرارية كصلاح محاميد لغتنا ، ودرسوا باهتمام كبير تعبيراتنا الثقافية ليدلوا لنا مساهمتهم الشخصية بأفكار أصلية ، وبالتالي دمجما في أشكال الإنسان والبيئة الثقافية المنحدرين منها لتمكننا أن نبدأ في فهم أنفسنا.
أستنبط مثالا من كتاب صلاح ، حيث يشير لأبيات الشاعر منير موسى "أيها ألأنسان !لماذا, تغرزجسم الكرة الأرضية, بالصواريخ؟ لماذا تحرق الحقول والجبال ، وأخاك الإنسان؟ ". أواصل بما يقول انكونا ماريو" ما يمكننا القيام به , انا وأنت ,العرب واليهود,البيض والسود ,الروس والأميركيين ، قل لي ، ما الذي يمكننا فعله لكسر إلى الأبد حواجز سوء الفهم والكراهية؟ "
د. صلاح أنجز شئ ما وما زال يفعل ...
أتمنى لكم قراءة سعيدة !






1. دروس فيتوريو زغاربي ونصائح سيدي خليل

"دروس خاصه 2" لفيتوريو زغاربي , 1996, منشورات موندادوري , وهو كتاب أنيق يتكون من تقديم للمؤلف, يلحقها 21 فصل مرقم بأعداد رومانيه, يتخلل الفصول أللوحات, صور فنانين ونماذج فنيه شهيره , لينتهي بملحق القراءات المستحسنه وفهرس ألأسماء.
يسبق كل فصل حكمه وجملة إقتضاب.
" فهم الثقافه يعني فهم أنفسنا, حتى يتسنى لنا ألإندماج في الزمان والمكان مع كامل حاجتنا للتكامل الصعب" هذه جملة الإقتضاب للمقدمه.
زغاربي إذاً , في مقدمته , يدعو الى فهم الثقافه بشكل عام وهذا للوصول للتكامل الصعب قبل الشروع في دروسه المرقمه بألرومانيه والتي تبدأ بالرقم 1.
قبل أي شئ أرى أن ألدروس تبدأ بالرقم العربي ألأول :الصفر, اللاشئ , وهذا لأن الصفر, الدائره المغلقه, التي تبدأ بها ألأرقام ألعربيه لا يظهر في تلك ألرومانيه.
يستحق ألملاحظه , إعتماداً على إيحاءات علم ألأرقام بأن ألشرقيين يدركون بأن ألماده, الحقيقه والشكل تكون مسبوقه من وجود غير ملموس وشفاف, أي أنهم يشعرون بشكل وجودي يسبق ألماده. وفقاً لهذا فإن الهنود صّوروا بداية ألأشياء بنقطه. ألنقطه التي منها تتطلق البدايه.
وبحق فإن دروس زغاربي في الفن لا تخرج عن هذه القاعده . فدروسه تبدأ من صفحة الغلاف والتي تحوي صوره تعبيريه للمؤلف أمام إطار قيم لكنه فارغ, لا يحوي على أي لوحه بل يعكس لون ألغلاف نفسه: ألأسود.
تحت ذاك ألإطار تصطف كتب ثمينه, وبمحاذاة إحدى ألزوايا السفلى , يظهر تمثال يُجسِّد ألنصف ألعلوي ليفاع تشع من تعابيره البراءه والهدوء. في الزاويه السفلى المقابله نجد صورة المؤلف, مع نظره عميقه, بسمه غير مكتمله وكأنها مُرغمه. يضع يده اليمنى على يسار صدره وكأنه يؤدي قسم الحب. يبدو جسمه متأهباً لمغامرة ما وذا ثقه بنجاح سفر ضروري وحيوي.
إن رحلة فيتوريو زغاربي في الثقافه كانت قد تُوجت بالنجاح والرضاء , وليس دون تشكك, وبشكل خاص بسعاده وأحياناً أخرى بنشوه. يتسلح المؤلف في مغامرته بألإراده وألإصرار وبحب لا مثيل له للتحليق في عالم الفن حيث يستمد طاقته من المعرفه والثقافه. يطير عرضاً وطولاً , يرتفع إلى ألأعالي ويهبط أسفلاً. يتقدم ويتراجع. كلما أكتشف لحظة ما أو مكاناً تجده لا يكف عن التحليق ولا يتقاعس عن الهبوط للتمتع بما تستطيع حواسه الدقيقه من إستيعاب وتسجيل تلك أللحظه الفنيه. تراه يحلق كالحمامه وأحياناً أخرى يصير صقراً وأخرى يصعق كالعاصفه.
يصف زغاربي في كتابه بدقه وشفافيه غير متناهيتين الحظه الفنيه , مشيراً الى مسيرتها . يربط ألإنتاج الفني بوجوده الزماني والمكاني, وهو بهذا يسجل تاريخ الفن الحديث في القاره العجوز. تضمن دروسه نهراً من المعلومات , ألنقد والتحليل الفني. تنبع شروحه من ذهن نادر يقدر إستنباط أي طيه, أي مضمون صغير وأي نسيج فني يبث ألجمال.
غير أنه يُحتِم على ألقارئ أن يدفع ضريبة ما للتمتع بمحتويات رحلته, ضريبه غريبه لكنها غير مستحيله. وهي ضريبة النرجسي للقيام بالعرض. هكذا يفيد أحد قوانين ألتحليل ألنفسي. يتحتم على ألقارئ , حتى يتمتع بمكونات الرحله الفنيه, أن يبحث في صورة ألمؤلف, أن يوافق ويُطري بشكل أعمى على شخصية الكاتب وإيحاءات الصوره ألتعبيريه على ألغلاف.
للوهله ألأولى من لقائي بالكتاب رجع إلى ذهني صورة سيدي خليل وهو جدي عن أبي . كان عميق ألإيمان ويقوم بفرائضه الدينيه بالكمال بحيث أن معاصريه وصفوه بالولي. يظهر سيدي خليل في الصوره بجبهه عريضه ومجعده, بعيون منطفئه ووجه قلق. تلك ألصوره ألوحيده لجدي حيث أضطره ألإنجليز بالقوه لإخراجها لإعطائه عنوةً بطاقة الهويه آنذاك.كان سيدي خليل يرفض أخذ الصور له.
آمن سيدي خليل , كما نقله معاصريه, فأنا لم أدركه بأن التصوير مكروه, ذلك أنه يتوجب على الإنسان , خليقة ألله عز وجل أن لا يشعر بكيانه , فالصوره تُجسد الجسم, وعاء الروح. وأشار بأن كمال الإنسان يكمن في روحه , اما ألتركيز على ألمظهر الخارجي للمخلوق فإنه يؤدي الى حرف الإنتباه عن ألروح وتأجيج الذهن والذي بدوره يؤدي الى الهوس الجسدي ألأمر الذي ينفي كمال ألخليقه. بل تطبيق الشعائر الدينيه يضمن للإنسان التعرف على حواسه, ألإحساس بألجمال في الكون, في الطبيعه وفي الروح. وهذا قانون ديني يجعل ألكمال أقل صعوبة. لكن أزمان سيدي خليل قد مضت وفيتوريو زغاربي , عِوضاً عن حاجته النرجسيه يبغي أشياء أخرى.
عبّر العرب , كما ذكرت, عن مفهومهم حول بداية ألأشياء بالدائره المغلقه: ألصفر, تلك الدائره تظهر مغلقه لكنها محشوه بحركه فوضويه لماده شفافه, نشِطه وذات طاقه غير ملموسه.
من هذا الرقم يبدأ فيتوريو زغاربي فصول منشوره , رحلته, صورة الكاتب والتي تشكل جملة ألإقتضاب للكتاب. بألتفصيل من ألإطار الذي يحتضن أللون ألأسود, أللون ألذي يحوي في طياته دياميس الليل, خفايا وسرية الثغرات ألسوداء, ثورة البينغ بانغ , سحرية الغرفه ألسوداء, تغلفات بيت ألرحم خلال ألحمل لوقاية بيت ألجنين.
وفعلاً فأللون ألأسود يشكل خليط وإنصهار كافة ألألوان, وبهذا فإن ألمؤلف , وعياً منه أو بدونه, إرادةً منه أو دونها, في الخلفيه ألمُختاره: ألإطار ألأسود, الذي يتقدمه على صفحة الكتاب فإنه ينفي على الرسم تعبيراته. "يُنقص" الفن قيمته وإيحاءاته, ذلك بأنه حلّق, عاش , تمتع, شرح وفسر الإيحاءات الفنيه في فصول ألكتلب.
إن عملية تسجيل ووصف الجمال ليس أقل من إبادته وإفراغه من سحريته. أراد الكاتب أن يُنبه , في إختياره صورة الغلاف, الى هذه الإشاره: نفي وإبادة الماده , الشكل, من أجل الوصول الى حجم إحساس حيث تستطيع الشعور الداخلي بالجمال غير المُجسد والملموس, الجمال الروحي.
وهذه تتطابق بدقه مع نفس الخلاصه التي أعتقد وآمن بها سيدي خليل في بداية القرن الماضي.
غير أنه, عند قراءتي للمقدمه فقد شعرت بوجود ضريبه ثانيه يتوجب دفعها للتحليق في ألأجواء الفنيه المعروضه في الكتاب. وهي أن أوافق أن أكون مخدوعاً من قبل المؤلف , كما يذكر ويشير اليه نفسه. تكتشف أن الدروس الخاصه ليست كذلك وأن زغاربي ليس بمعلم وإنما يصدر الكتاب, كما تشير المقدمه" ليس لخدمة التعليم , بل للتدخل, للإزعاج , للبعثره ول...إلخ".
تبدو المقدمه وكأنها لخبطة كلام, هذر غير مفهوم, مثيره للفوضى , نقيض ما توحي اليه مضمونات المؤَلف وهذا يعود الى الإنطواء النرجسي لدى الكاتب والذي ينبع من غيرته على خواصِّه. هذا ما تشير اليه إحدى قواعد ألتحليل ألنفسي,
عندها رجعتْ إلي ذاكرتي نصائح سيدي خليل , تلاوة القرآن ألكريم, وهكذا صرت أتلو" بسم ألله الرحمان ألرحيم , القارعه , وما أدراك ما ألقارعه". تعني كلمة القرقعه في اللهجه الفحماويه ,من حيث أنحدر, الضجيج المزعج وتُستعمل لتنبيه خطيب أو مُتحدث لئلا يخرج عن ألكلام ألرزين, الوضوح في الفكره وألأفكار ألوضاءه.
ما هو هدف الكاتب في مقدمته ألشبيهه بالقرقعه؟
الخدعه ! يذكر زغاربي نفسه في خلاصة مقدمته الضاجه:"سيكون ممكناً الفهم في الفرص القادمه, بعد هذه الخدعه, الدروس التلقائيه!".
يُشكل ألدرس ألأول , رقم صفر , تحدياً لأي رسام لتفكيك خليط ألألوان , ألأسود. الخلق من أللاشئ لوحه, جمال جديد, حينها ستجد زغاربي بذكائه يستعد للتحليق. وكما يحدث في كل سفر, وقبل أي طيران سيُحدث زغاربي بتجهيزاته الضجيج, الغبار والقرقعه قبل شروعه في عالم التحليق في أجواء الفن.
تستمر اللعبه وبجانب ذلك ألإطار ألأسود ستجد صوره قد أوقفت مسيرة ألوقت حيث وجه مضطرب يشكك بإرادته لدخول ذاك الإطار.


أغسطس 1996




التوقيع :
    رد مع اقتباس