اغتنام الأوقات قبل الفوات
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
:أما بعد: أيها أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى. واعتبروا بسرعة مرور الليالي والأيام. واعلموا أنها تحسبُ من آجالكم. وأنها خزائن لأعمالكم. فأودعوا فيها من الأعمال مايسركم عند الحساب. يوم يقال للمحسنين:﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ ولاتودعوا فيها ما يسوؤكم ويحزنكم. يوم يقول المفرّط والمضيع:﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ واعلموا عباد الله: أنكم الآن تستقبلون أفضل الأيام من شهر رمضان. فقد استوفيتم العشرين الأول منه. وهاأنتم تستقبلون العشرالأواخر. فمن كان محسناً من أول الشهر فيلستمرعلى إحسانه. وليضاعف من اجتهاده في هذه العشر المباركة. ليزداد خيراً على خير. وليغنم فضيلة هذه الأيام التي تمتازعلى الأيام السابقة. ومن كان مفرطاً فيما مضى من الشهر. فليستدرك بقيته. وليتب إلى الله من تفريطه وغفلته. لعلّ الله يغفرله ما سلف ويوفقه فيما بقي:
عباد الله: إن هذا الشهر يختلف عن غيره من الشهور. وإن كانت حياة المسلم كلها فرصةٌ عظيمة. ودرةٌ نفيسة لاتقدر بقيمه. لكن هذا الشهر خصه الله بفضائل. وشرع فيه أعمالاًً لاتوجد في غيره. فأوجب صيام نهاره. وجعله أحد أركان الإسلام. واختص الصوم لنفسه من بين سائر الأعمال. فقال تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به. فخص سبحانه الصيام بميزتين عظيمتين. الأولى. إضافته إلى نفسه. حيث قال: الصوم لي: وهذه الإضافة تقتضي تشريف الصيام. والثانية. أنه سبحانه هو الذي يتولى جزاء الصائم. وذلك يقتضي عظم ثوابه وكثرته كثرة لايعلم مقدارها إلا الله:
وشرع سبحانه في هذا الشهر القيام في لياليه بصلاة التراويح جماعة في المساجد. وأخبر صلى الله عليه وسلم: أن من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة: وأن من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفرله ماتقدم من ذنبه: متفق عليه: وهكذا نرى أن أوقات هذا الشـهر مشغولةٌ بالعبادة. فنهاره صيام وليله قيام. وذلك ليجتمع للمؤمن جهادان: جهاد لنفسه بالنهارعلى الصيام. وجهاد لها بالليل على القيام. والجهاد يحتاج إلى صبر. ولهذا سمي هذا الشهر شهر الصبر. وقد قال تعالى:﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ فمن جمع بين هذين الجهادين وصبر عليهما وفّي أجره بغير حساب. أما الذي يترك صلاة التراويح تكاسلاً. فقد عطل الليل مماخص به ولم يصبرعلى أحد الجهادين. وحرم نفسه من هذا الأجر العظيم.
وشرع سبحانه في هذا الشهر. الإكثار من تلاوة القرآن. قال تعالى:﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ فاختصاص إنزاله في هذا الشهر يقتضي اختصاصه بفضل التلاوة فيه. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم: يخص هذا الشهر بمزيد من تلاوة القرآن. ففي الصحيحين: أن جبريل عيه السلام كان يلقى النبي صلى الله عليه وسلم: كل ليلة من شهر رمضان فيدارسـه القـرآن. فجـبريلُ أفضـل الملائكة. ومحـمدٌ صلى الله عليه وسلم: أفضل الرسل يتدارسان بينهما أفضل الكتب في هذا الشهر الذي هو أفضل الشهور. مما يدل على أفضلية التلاوة فيه على التلاوة في غيره من الشهور. وإن كانت التلاوة مطلوبة في كل وقت وفيها أجرٌ عظيم. لكن أجرُها يتضاعف في هذا الشهر أكثر من غيره:
ومما شرعه الله في هذا الشهر المبارك زيادة الاجتهاد في العشر الأواخرة منه. لأنها الليالي التي كان اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم: يتزايد فيها. فكان يحييها بالتهجد والقيام. وكان يعتكفُ في المسجد للتفرغ للعبادة في هذه الليالي والأيام. ففي الاجتهاد فيها اقتداءٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم: وعملٌ بقوله تبارك وتعالى:﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَر اللَّهَ كَثِيراً ﴾ ولأنها الليالي التي ترجى فيها ليلةُ القدر التي قال الله فيها:﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ أي العمل فـي هذه الليلة خيرٌ مـن العمل فـي الف شــهر ليس فيها ليلة القدر. وقيامها إنما يحصل يقيناً بالقيام في كل ليالي الشهر. ولاسيما ليالي العشر الأواخر. فهي أرجى لتحريها وآكد لموافقتها. فهي لم تحدد في ليلة معينة من الشهر. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾:
---
من خطب الشيخ: صالح الفوزان.
مع شيء من التصرف أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
-----