ملتقى قبيلة حرب الرسمي

ملتقى قبيلة حرب الرسمي (http://www.m-harb.net/vb/index.php)
-   الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام (http://www.m-harb.net/vb/forumdisplay.php?f=47)
-   -   إهداء لأعضاء وزوار الملتقى الإسلامي بملتقى حرب (http://www.m-harb.net/vb/showthread.php?t=154149)

طلق المحيا 16-12-16 05:15 PM

تفسير قوله تعالى: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ... له الأسماء الحسنى)

قال الله تعالى: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]، يقول بعض المفسرين: إن المعنى: أن الله يقول لنبيه: لا حاجة للجهر؛ فإن الله يعلم السر وأخفى، وأظنه معنى بعيداً على جلالة من قال به، وإنما المعنى: إخبار النبي بعظيم علم الله، أو أن يقال: إن الخطاب لقراء القرآن، وليس النبي صلى الله عليه وسلم مقصوداً به إلا في المقام الأول باعتبار أن القرآن أنزل عليه.

وقوله تعالى: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى فيه: أن القول ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الجهر: وهو ما تعلنه وتقوله علانية فيسمعه من يرغب ومن لا ترغب، والسر: وهو ما تعلنه لكن تسمعه من ترغب فقط، هذا يسمى سراً، فلو أنني استدعيت أحدكم وأجلسته بجواري وأسمعته فأنا جهرت له بالقول حتى يسمعه، لكن لا يسمى جهراً بل يسمى سراً؛ لأنني أردت به شخصاً بعينه.

والثالث: ما هو أخفى من السر، وهو ما أسررته في نفسك ولم تخبر به أحداً، وهذا هو الذي قصده الله بقوله: فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ، أي: ما هو أخفى من السر، وهو ما لم تخص به أحداً بعينه، فهذه مراتب القول، والمقصود بيان عظيم علم الرب جل وعلا.

قال تعالى: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]، من هذا الذي يعلم السر وأخفى؟ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:8]، وقد مر معنا أن لفظ الجلالة (الله) لم يتسم به أحد إلا الله، وهو معنى قول الله جل وعلا: ِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، وقوله: لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ، فالله جل وعلا له أسماء حسنى وصفات عليا، وجملة ما يمكن أن تفقه أيها المسلم أن تعلم أن الله جل وعلا وجهه أكرم الوجوه، وهذه اكتبها واعمل بها: وجهه أكرم الوجوه، وأسماؤه أحسن الأسماء، وعطيته أحسن العطايا، فتوسل إلى ربك بهذه الثلاث، قل: اللهم يا ذا الوجه الأكرم، والاسم الأعظم، والعطية الجزلاء، ثم سل الله ما شئت.

وقد ذكر من أسماء الله تعالى تسعة وتسعون، على خلاف بين العلماء في تحديدها، وبعض أهل التحقيق من أهل العلم يقول: إنها أكثر من تسعة وتسعين، وحجتهم ما جاء في الخبر الصحيح: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) ، فقالوا: إن لله أسماء استأثر بها في علم الغيب غير التسعة والتسعين التي أظهرها وبسطها لخلقه.

وفي هذا كله بيان لعظمة الجبار جل جلاله، وإظهار لبعض صفاته، وأن له كمال الأسماء وأجمل الصفات، وأنه أحق من عبد وأحق من شكر وأعظم من ملك وأوسع من أعطى.

طلق المحيا 17-12-16 03:03 AM

تفسير قوله تعالى: (وهل أتاك حديث موسى ... أو أجد على النار هدى)

بعد أن قرر الله جل وعلا هذا لنبيه ذكر له قصة الكليم موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، وموسى بن عمران من أولي العزم من الرسل الذين تكررت قصصهم في القرآن في مواطن شتى سيأتي تفصيلها، لكننا هنا سنقف عند ما نحن معنيون به، قال الله جل وعلا لنبيه: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [طه:9]، (وهل): حرف استفهام، والمقصود به هنا: التشويق، حتى تكون أذن السامع متلهفة لما سيقال بعد، وموسى: هو موسى بن عمران.

قال تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه:9-10]، هذا كان بعد عودة موسى عليه الصلاة والسلام من أرض مدين، فموسى عليه الصلاة والسلام كان قد خرج إلى أرض مدين -وهي تقع الآن شمال الجزيرة العربية شمال المملكة- بعد أن فر بسبب قتله للقبطي، فمكث في أرض مدين -كما سيأتي تفصيله في مواضع- عشر سنين، وبعد أن قضى هذه المدة أخبر العبد الصالح -وهو صهره أبو زوجته- أنه يريد أن يرجع، فأذن له بعد أن أتم له موسى الأجل. وحينما رجع موسى عليه السلام من مدين -من الجزيرة- صار خليج العقبة عن يمينه، ثم رجع وأصبح خليج العقبة على يساره، ثم مشى موازياً للبحر حتى دخل على صحراء سيناء، حتى وصل إلى جبل الطور، وهنا نبئ، وعندما نبئ عليه الصلاة والسلام مشى بعد ذلك واستمر حتى قطع خليج السويس ودخل أرض مصر، وسنتكلم عن هذه المنطقة وعن الأحداث العظام التي حدثت في هذه المنطقة التي نبئ فيها موسى عليه الصلاة والسلام وأرسل فيها.

فالله جل وعلا يقول لنبيه: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ، أي: خبر موسى، إِذْ رَأَى نَارًا ، متى رأى النار؟ رأى النار في ليلة باردة مظلمة ومعه زوجته وغنمه، فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ، لم يقل: إني رأيت، بل قال: إني آنست؛ لأنه كان يشعر بوحشة وخوف، فلما رأى النار شعر بشيء من الأنس، واحترازاً من الكذب قال عليه الصلاة والسلام: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا ، لم يقل: سآتيكم منها، وهذا الاحتراز من الكذب قبل أن ينبأ حتى تعلم أن الله أعلم حيث يجعل رسالته، لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ، القبس هو الجذوة من النار، أي: القطعة من النار، فالقطعة من النار تسمى جذوة، والقطعة من الليل تسمى: هجيعاً، وكل شيء منه قطعة له اسمه في اللغة، فالجذوة من النار والقطعة من النار إذا كانت ملتصقة بعود ولم تكن جمرة لوحدها فإنها تسمى قبساً، إذا أخذنا عود حطب من النار فيه نار مشتعلة فإنه يسمى قبساً ويسمى جذوة؛ لأنه قطعة من النار، وإذا كان على هيئة جمرة وليس عوداً كاملاً فإنها تسمى جمرة، قال الله تعالى في سورة أخرى: بِشِهَابٍ قَبَسٍ [النمل:7]، أي: نار مشتعلة، فهذه أمنية موسى الآن، وخوفاً على أهله قال: امْكُثُوا ، والعاقل كما يقولون بالعامية: ما يضع البيض في سلة واحدة، إذا كان هناك مهلكة يهلك هو وينجو أهله.

قال: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ، أي: أجد من يهديني ويدلني على الطريق الذي أضعته، لقد أتى موضع النار فرأى ناراً مشتعلة في شجرة عوسج على الأظهر، فرأى النار تزداد وقوداً والشجرة تزداد خضرة، وهو ما يتنافى في الأصل؛ لأن النار إذا كانت حارقة لم تبق الخضرة، وإذا كانت الخضرة ريانة فلن تبقي على النار، فلا تجتمعان، لكنه يرى النار تزداد نوراً ويرى الشجرة تزداد خضرة.

والنار ثلاثة أقسام: نار لا نور فيها وهي حارقة، وهي نار جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.

ونار فيها نور وليست بحارقة، وهي النار التي رآها موسى عليه السلام.

ونار فيها نور أو لها نور وهي حارقة، وهي نار الدنيا، أي نار تشعلها فلها نور تضيء ما حولها وفي نفس الوقت تحرق من يضع يده فيها.

نجم سهيل 17-12-16 07:01 AM

بارك الله فيك ونفع بك

طلق المحيا 17-12-16 03:05 PM

جزاك الله خير

طلق المحيا 17-12-16 03:07 PM

قال تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:11-12] من الذي ناداه؟ إنه رب العزة جل جلاله، وهذا مقام عظيم ومنزل شريف وعطية قل ما تعدلها عطية إلا أن يرى العبد ربه .. فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ، وقد كان في خوف فطمأنه الله ولم يطالبه بالتكليف، بل قال له: إني أنا ربك؛ ليشعره بالاطمئنان، والإنسان عندما يسمع رجلاً أقوى منه مديره أو أبوه أو أخوه يطمئنه أنه معه فيغشاه شيء من السكينة، فكيف إذا سمع عبد مخلوق في ليلة شاتية مظلمة رب العزة جل جلاله يناديه: إني أنا ربك، من غير واسطة.

فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ، والمقصود من خلع النعلين أمران: الأول: أن تمس موسى كله بركة الوادي، فلا يصبح هنا فاصل بين بركة هذا الوادي المقدس وبين جسد موسى، الأمر الثاني: أن يشعر موسى بالتواضع وعظمة الوقوف بين يدي رب العزة والجلال جل جلاله في مقام العبودية.

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ، وانظر كيف يؤدب الله نبيه ويرعاه ويخبره بكل شيء؛ فأخبره بأنه ربه، وأخبره بأنه في واد مقدس اسمه: طوى، والإنسان إذا كان يجهل الأشياء التي حوله يصيبه الرعب، فأول شيء أعطاه الله لنبيه موسى أن عرفه بالأشياء التي حوله.

وقوله: بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ، هذه شهادة من رب العباد لهذا الوادي بأنه واد مقدس قطعاً، ولو لم يكن وادياً مقدساً لما اختار الله تلك البقعة التي سماها في سورة أخرى: (بقعة مباركة) ليكلم فيها عبده وكليمه وصفيه موسى بن عمران. وقوله: (طوى): بدل من الوادي المقدس، أي: اسم الوادي طوى.

طلق المحيا 17-12-16 03:12 PM

تفسير قوله تعالى: (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى ... وأقم الصلاة لذكري)

قال تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه:13]، لا يمكن أن نأتي بألفاظ تساعد أكثر من ألفاظ القرآن في بيان هذا الأمر العظيم، وهو أن الله ينادي عبداً من عباده لا منة له على الله ولا فضل، ولا يدري هو لأي شيء غادي، كان همه جذوة من النار، فعاد وهو كليم الواحد القهار، يقول له رب العزة في موقف عطاء وبذل كريم: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ، أي: اخترتك لعظائم الأمور .. للنبوة .. للرسالة .. لجلائل الطاعات، والله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته إذ جعلها في هذا الكليم عليه السلام، وحينما قال الله له: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ، أصبح موسى مرهف السمع لربه، فقال له ربه: فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ، (ما) موصولة أي: للذي يوحى، ولكن الله لم يعطه الأوامر والتكاليف إلا بعد أن أشعره بالأمان ورفعه إلى أعلى المنازل، وآواه أيما إيواء، وغرس في قلبه الترقي من رب العزة والجلال، وهي إحدى طرائق الوحي الثلاث؛ بل إنها أرفع طرائق الوحي الدنيوية.

ثم قال تعالى له: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، وقد ذكرنا مراراً أن هذه الآية من أعظم الأدلة على أن اسم الله الأعظم هو لفظ الجلالة: (الله)، ووجه الدلالة: أن الله جل وعلا لما أراد أن يعرف نفسه لعبده موسى قال له: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ ، فاختار الرب جل وعلا هذا الاسم دون غيره من الأسماء الدالة عليه جل وعلا ليعرف به نفسه لكليمه موسى، ولا يلزم أن نجزم، لكن نقول: إشارة قوية وأمر فيه تلميح قوي إلى أن لفظ الجلالة (الله) من أعظم أسماء الله الحسنى إن لم يكن هو اسم الله الأعظم.

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، وما دام قد تحقق لديك يا عبدنا أنه لا إله إلا أنا فوجب أن تصرف العبادة لي دون سواي، ولهذا قال الله له: فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ، ومعلوم أنه لا يمكن أن يدعو موسى الناس لعبادة الله حتى يحقق العبودية في نفسه، فالرسول الذي يحمل هم أمر لا بد أن يكون مقتنعاً به أولاً، ولا يمكن للإنسان أن يحقق هدفاً هو غير مقتنع به، وعظائم الأمور وجلائل الهبات لا تنال إلا إذا انطلق الإنسان من خاصة نفسه يتصرف في السر كما يتصرف في العلانية، ويؤمن بقضيته في الملأ وفي الخلاء، أما إن كانت القضايا بالنسبة له يجلب من ورائها ديناراً أو درهماً فسيكون سيره في تلك القضية ضعيفاً إن لم تنكشف عورته وتظهر سوءته ما بين يوم وآخر، لكن الله وطن في قلوب أنبيائه محبته وإجلاله جل وعلا وعظمته، وحبهم وعبادتهم لربهم.

قال تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ، وفي هذا دلالة ظاهرة على أن الصلاة من أرفع العبادات، وقد اختلفوا في قوله جل شأنه: لِذِكْرِي ، هل اللام للتعليل أي: لإقامة ذكري، أو أن المعنى: على ذكري، بمعنى: في الوقت الذي أمرتك أن تذكرني فيه؟ وهذا المعنى قد جاء في حديث صحيح: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ثم تلا: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]).

طلق المحيا 17-12-16 03:14 PM

قال تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15]، أخذ الله جل وعلا يبين لموسى قضية الساعة، والساعة: هي الإذن بفناء الدنيا: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ، أي: قادمة لا محالة، أَكَادُ أُخْفِيهَا ، اختلف العلماء في معنى (أكاد)، لكن الأظهر أن يقال: إنها فعل من أفعال المقاربة نحوياً، وكاد وأوشك وعسى تعمل عمل كان وأخواتها، لكن الفرق بينها: أن كان وأخواتها خبرها يأتي مفرداً ويأتي جملة أسمية ويأتي جملة فعلية، أما كاد وأوشك وعسى فيشترط في خبرها أن يكون جملة فعلية، فانفكت عن كان في العمل من هذا الباب. فقوله: (أكاد) بمعنى: أقارب، وعلى ذلك يصبح معنى الآية: أن الله لم يخف الساعة بالكلية، وإنما أظهر أشراطها وعلاماتها، وفي نفس الوقت عينها تحديداً لا يعلمه إلا الله.

قال تعالى: أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى ، أي: بعد إتيانها، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ، وكل من ألفاظ العموم.

قال تعالى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى الخطاب هنا لموسى، وقوله: (عنها) قيل: إن الضمير عائد على الصلاة، وقيل: إنه عائد على الساعة، أي: لا يصدنك عن الإيمان بالساعة، والصواب أن يقال: المعنى: أي: لا يصدنك عن الإيمان بالساعة وما يتعلق بالاستعداد لها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ، فذكر الله صفتين للصادين عن سبيله وهما: عدم الإيمان بالله، واتباع الهوى، ثم قال الله جل وعلا: (فتردى) أي: فتهلك، والمقصود بالهلاك هنا: دخول النار وعدم مقاربة الجنة، وهو أعظم الهلاك.

طلق المحيا 17-12-16 03:18 PM

فوائد متفرقة من أوائل سورة طه

عبر الله عن الزوجة هنا في قصة موسى بكلمة (الأهل)، وهو أفضل ما يعبر به عن الزوجة في قضايا الائتلاف، في المحاكم والقضاء وشئون الحقوق يقال: زوج وزوجة، وفي وقت الائتلاف -لا فرق الله لنا ولكم شمل- يعبر بالأهل، وقد جاء أن بعض الصحابة والصحابيات لما سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة في حادثة الإفك قالوا: (يا رسول الله! أهلك، ولا نعلم إلا خيراً)، فما قالوا: زوجتك، وبعض الإخوة إذا أراد أن يكتب رمزاً لهاتف جوال زوجته في جواله يكتب: الأهل، اتباعاً للقرآن، لا يكتب: أم فلان، ولا يكتب عبارات مبالغ فيها ومغالى فيها، وإنما يكتب: الأهل؛ لأن هذا تعبير القرآن .. وتجده يقول: أنا أريد أن أذهب إلى أهلي، سأوصل أهلي، اتصل بي أهلي .. ونحو ذلك، وليست القضية قضية حساسية مفرطة ممن حولنا، إنما القضية في المقام الأول أن مما يفتح الله به عليك في فهم القرآن أن تحاول أن تستخدم أسلوب القرآن: فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ [طه:10]، وقد مر معنا أن العلماء قالوا: إن موسى عليه السلام قال: (لعلي) من باب الاحتراز، وهذه قضية عامة، يقولون: إن أهل العقل لا يضعون أقدامهم اليمنى حتى يجدوا موطئاً لليسرى، ويفكرون في طريق الرجوع قبل أن يفكروا في طريق الذهاب، والعاقل لا يقطع الحبال كلها عن نفسه وإنما يجعل له طريق عودة، وهذا هو الذي قصده موسى بقوله: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ، و(لعل) في القرآن على بابها إلا في موضع واحد، بمعنى: لعل عند النحويين حرف يفيد الترجي، حرف يستخدم للرجاء ويستخدم في الغالب فيما يرجى وقوعه.

ويقولون في حرف ليت: إنه حرف للتمني، وهي قرينتها في العمل، إلا أن ليت فيما لا يرجى في الغالب وقوعه، ومنه قول الشاعر:

ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب

والشباب لا يعود، فعبر بليت؛ لأنها للتمني. فلعل في القرآن على بابها إلا في موضع واحد في سورة الشعراء، قال الله جل وعلا: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [الشعراء:128-129]، فلعل هنا ليست للترجي وإنما هي بمعنى: كأنكم تخلدون، أو كأنما تخلدون؛ لأن الموت اتفق الناس على أنه لا يدفعه شيء، حتى أهل الكفر مؤمنون بالموت، ولذلك لا يوجد موطن سكن إلا وفيه مقبرة، وهذا في كل مكان في الدنيا، فلم يقل أحد: أن تشييد البناء والمبالغة فيه يدفع الموت، لكن بعض الناس يشيد بناءه وكأنه لن يموت، كأنه مخلد، وهو يعلم أنه غير مخلد، وهذا معنى الآية: وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [الشعراء:129].

ومما يستفاد من هذه الآيات أن الذين حولك أحوج ما يكونون إلى الأمن، والإنسان إذا أعطي الأمن يعطى القدرة على العطاء، أما إذا شعر الإنسان بالخوف فإنه غالباً غير قادر على العطاء، قال الله تعالى في حق أهل الكفر: فَأَجِرْهُ [التوبة:6] أي: أشعره بالأمن: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]؛ لأنه لن يستطيع أن يسمع كلام الله ويفقهه عنك وهو خائف وجل، والسيف إذا وضع على أي رقبة في أي إنسان يجعله لا يعقل، ويذكر المؤرخون أن أحد الخلفاء -من دون ذكر أسماء- من الخلفاء السابقين في عهد بني أمية أتي برجل صالح ومعه زمرة من أصحابه حوالي عشرة كانوا قوماً صالحين، وهذا الزعيم فيهم كان مشهوراً بثبات جأشه وفصاحة لسانه، فقال له الناس في ذلك الموضع: تكلم قل، قال: ماذا أقول؟ سيف مشهور، وكفن منشور، وقبر محفور، من أين سيأتي كلام؟ وهو محق، أي: أن الخوف والوضع الذي أنا فيه لا يساعد على أن أتكلم، ولهذا لما أراد الله أن يفيء على موسى بعظيم العطايا وجزيل المواهب -ومقام التكليم مقام لا يمكن تخيله، والله كلم موسى عليه الصلاة والسلام مرتين: كلمه في هذا الموضع، وكلمه عندما ناداه عند جبل الطور في نفس الموضع، وهذا الجبل -جبل الطور- كان عن غرب موسى وفي نفس الوقت كان في الجانب الأيمن منه، قال الله تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم:52]- موضع الشاهد: أن الله جل وعلا طمأن موسى حتى يعطيه، لكن يقول الناس عموماً كفوائد تاريخيه: أنه قد يوجد في الناس -لكن هذه حالات أفراد شاذة- من يكون رابط الجأش حتى عند رؤية السيف، ويقولون: إن المعتصم أراد أن يقتل رجلاً يقال له تميم بن جميل، كان له أطفال وصبية صغار، ثم إنه أحضر النطع والجلاد والسيف والناس ينظرون، ولم يكن ثمة شك بأن أمير المؤمنين قرر قتله، فأراد المعتصم أن يختبره ليرى أين لسانه عن جنانه، فقال له: ما تقول يا جميل ؟ هذا والسيف مشهور، والكفن منشور، والقبر شبه محفور، فقال:

أرى الموت بين السيف والنطع كامناً يلاحظني من حيث ما أتلفت

وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي وأي امرئ مما قضى الله يفلت

يعز على الأوس بن تغلب موقف يسل علي السيف فيه وأسكت

وما جزعي من أن أموت وإنني لأعلم أن الموت شيء مؤقت

ولكن خلفي صبية قد تركتهم وأكبادهم من حسرة تتفتت

كأني أراهم حين أنغى إليهم وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا

فإن عشت عاشوا سالمين بغبطة أذود الردى عنهم وإن مت موّتوا

فتعجب المعتصم من رباطة جأشه مع الحال التي هو فيها، وقال: تركتك لله ثم لصبيتك، وعفا عنه.

لكن هذا المقام الذي قامه تميم بن جميل بين يدي المعتصم مقام فردي قلما يعطاه أحد، لكن في باب الدعوة وفي باب التربية التأسي بالقرآن هو الأصل، ولذلك لما أراد الله أن يربي هذا النبي المكلم عليه السلام خاطبه بقوله: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:12]، وعرفه بالمقام: إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:12]، ولهذا أحياناً تتلقى مكالمة مجهولة المصدر فلا يحسن أن تتعامل معها بانفعال ولا بعجلة، وإنما من حقك على من اتصل بك أن تعرف من هو قبل أن تعرف مقامك، وليس من الأدب ما يشيع عند بعض الناس أنه إذا اتصل من غير عمد سوء يقول: ما عرفتني؟! فيعرضك للإحراج في أن يذهب همك في البحث عن شخصيته، فالواجب على الإنسان إذا دخل أن يقول: أنا فلان، أو إذا اتصل أو طرق باباً وغلب على ظنه أن من أمامه لا يسمعه أو لا يعلمه أن يعرفه بنفسه.

نختم على هذه القضية بشاهد عظيم من السنة، فالنبي عليه الصلاة والسلام وجبريل أرفع الخلق، فلما استفتح باب السماء وجبريل يطرق يقول له الخازن: من أنت؟ فيقول: أنا جبريل، فيقول: هل معك أحد؟ فيقول: نعم، معي محمد. قال العلماء: فاستئذان جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم رغم أنهما أرفع مقاماً من صاحب المحل -من خزنة السماء- يدل على أن الإنسان يجب عليه أن يستأذن ويعرف بنفسه ولو كان داخلاً على من هو أقل منه، وهذه قضية مهمة جداً في فهم كلام الله جل وعلا.

نفعنا الله وإياكم بهدي كتابه، وجعلنا الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، والله المستعان.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ابو احمد البلادي 17-12-16 03:56 PM

اهدا بسيط لطلق المحيا
مع التحيه
****
الله يجزاك ،،، ب الجنه
ويرزق من حيث لاتعلم
ولله الفضل والمنه
وياليتنا منك ،،، نتعلم

ابو احمد البلادي 17-12-16 04:01 PM

اهدا مع التحيه لطلق المحيا
 
الله يجزاك ،،، بالجنه
ويرزقك من حيث لاتعلم
والله والفضل ،،، والمنه
وياليتنا منك نتعلم

،،،،واعتذر عن التقصير،،،،



الساعة الآن 05:23 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi