ملتقى قبيلة حرب الرسمي

ملتقى قبيلة حرب الرسمي (http://www.m-harb.net/vb/index.php)
-   الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام (http://www.m-harb.net/vb/forumdisplay.php?f=47)
-   -   إهداء لأعضاء وزوار الملتقى الإسلامي بملتقى حرب (http://www.m-harb.net/vb/showthread.php?t=154149)

طلق المحيا 20-12-16 02:31 AM

🕋تفسير قوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ...)
ذكر الله جل وعلا آية التحدي المشهورة التي هي واحدة من خمس آيات تحدى الله جل وعلا بها كفار قريش والعرب عموماً: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] وهذه لا يقدر على قولها إلا الله، وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24] .

هذا ما تيسر إيراده وتهيأ قوله، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به، والصلاة والسلام على رسول الله، والحمد لله رب العالمين.

طلق المحيا 20-12-16 02:33 AM

🕋 أمر الله جميع عباده بعبادته وحده، وترك الإشراك به، وتحداهم جميعاً أن يأتوا بسورة مثل سور القرآن، وأخبر بعجزهم عن ذلك، وحذرهم من نار جهنم التي أعدت للكافرين به، وبشر المؤمنين بأن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً.
والله يضرب لعباده الأمثال في كتابه، فيهتدي بها أقوام، ويضل بها آخرون، وأخبر الله عباده عن بدء خلق أبيهم آدم وقصة إخراجه من الجنة.

طلق المحيا 20-12-16 02:34 AM

🕋 قال الله:*وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا*[البقرة:23] أي شاكون مرتابون أن هذا القرآن الذي جاء به محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ليس من عند الله، فإن كان من عند غير الله كما تزعمون فلابد من واحد من أمرين: إما أن يكون النبي هو الذي قاله من عند نفسه، أو أخذه من أحد مثله يعني: بشر آخر غير محمد صلى الله عليه وسلم، فإما ابتدعه هو أو أخذه من أحد غيره على حسب زعمكم، وهذا استدلال بالمنطق يعني: لا يخرج قولكم عن أحد الأمرين، فإن كان هذا القرآن من عند غير الله كما تزعمون فمعنى ذلك: أنكم قادرون على أن تأتوا بمثله؛ لأن الذي أتى به وفق زعمكم مثلكم، فقال ربنا:*وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ*[البقرة:23] آية واحد، وفي آية أخرى: عشر سور، وهذه الآية أول آيات التحدي في ترتيب المصحف.

والذين تحداهم الله ليسوا قوماً عيّين، وإنما هم أرباب فصاحة وأئمة بلاغة عرفوا بذلك، ومع ذلك قال الله:*قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ*[الإسراء:88]، فالعرب كان لا يقوم لهم سوق يفتخرون به كسوق البلاغة والفصاحة ومع ذلك تحداهم الله في الشيء الذي يحسنونه ويتقنونه ويجيدونه، لكن أنى لهم أن يأتوا بمثله، وأنى لمخلوق أن يأتي بكتاب يماثل كتاباً أنزله الخالق؟! محال أن يأتي مخلوق بقول أو كتاب يماثل قول أو كتاب الخالق تبارك وتعالى.

وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا*[البقرة:23] وعبدنا المقصود به النبي صلى الله عليه وسلم*فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ*[البقرة:23].

طلق المحيا 20-12-16 02:35 AM

🕋 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس أعبدوا ربكم ...)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

سبق أن تكلمنا عن فضل سورة البقرة وعظيم شأنها، وانتهينا إلى ذكر الآيتين الدالتين على البعث والنشور، وهما قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] الآيتين، وتكلمنا إجمالاً عن آية التحدي، وهي: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، وكان الحديث في آخر اللقاء الماضي مجملاً، وفي هذا اللقاء بإذن الله تعالى سنفصل مبتدئين بقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]: هذا من أعظم المطالب الشرعية في القرآن؛ لأن عبادة الله جل وعلا هي الغاية من خلق الثقلين، والرب جل وعلا ينادي عباده أجمعين هنا بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) ثم استدل بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، فلما أراد الله أن يثبت أنه وحده المستحق للعبادة ذكر جل وعلا أولاً أنه وحده هو الخالق، فمن أعظم الأدلة على توحيد الألوهية أنه لا خالق غيره.

وقد مر معنا في أمور كثيرة أن الله جل وعلا حكم بين خلقه وقرر بين عباده أن من له الخلق هو الذي يستحق العبادة، وقد استقر عقلاً ونقلاً لكل ذي فطرة أن الله جل وعلا وحده هو الخالق فقال سبحانه: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل:17] ، وقال تبارك وتعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الفرقان:3] ، وقال: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11] .

فذكر الله جل وعلا أن إيمانهم بتوحيد الربوبية ينبغي أن يكون طريقاً إلى توحيد الألوهية، وأن الإيمان بتوحيد الربوبية وحده دون أن يستدل به على توحيد الألوهية وتطبيقه وإفراد الله جل وعلا بالعبادة لا يقدم ولا يؤخر شيئاً، ولا ينفع صاحبه البتة.

قال الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، ولفظ الألوهية يطلق إذا أريد به الإخبار عن حق الله على عبده، ولفظ الربوبية يطلق إذا أريد به حق العبد على ربه، فالله جل وعلا لما أراد أن يؤوي موسى ويذهب عنه الهم والحزن والخوف قال له: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:12] فلما أراد أن يكلفه قال له: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، فلما أراد الله أن يبين ما أفاءه على خلقه قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21]، فذكر جل وعلا هنا فضله ونعمه ومنته على خلقه: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، فذكرهم جل وعلا بأنه وحده هو خالقهم وخالق آبائهم من قبل.

ثم قال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22] تطئونها وتسيرون فيها، وتغدون وتروحون في فجاجها، وَالسَّمَاءَ بِنَاءً [البقرة:22] .

ثم قال: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [البقرة:22] والمطر لا ينزل من السماء، وإنما ينزل من السحاب، لكن باعتبار أن السحاب قريب من السماء في العلو -والسماء في اللغة: كل ما علا وارتفع- نسبه إليه.

وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ [البقرة:22] لماذا؟ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22] وهذا من تعاهد الله جل وعلا لخلقه، فلما أثبت الرب جل وعلا أنه وحده الخالق، وأنه وحده الرازق، كان حرياً بهم أن يفقهوا أنه ينبغي أن يكون وحده هو المعبود.

وقال جل وعلا بعد ذلك ناهياً عباده أن يشركوا به: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]؛ لأن الند لا بد أن يكون فيه وصف للمندود، فبما أنه قد تقرر عقلاً ونقلاً أنه لا خالق إلا هو، ولا رازق إلا هو، ولا محيي ولا مميت إلا هو، فكيف يكون له ند؟! ولهذا قال: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وقد ذكرنا في اللقاء الماضي أن مفعول تعلمون محذوف لدلالة المعنى عليه، والمعنى: وأنتم تعلمون أنه لا ند له سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] .

وقلنا: إن هاتين الآيتين تضمنتا أدلة البعث والنشور إجمالاً، ومشركو العرب جملة ما أنكروا شيئاً مثل إنكارهم للبعث والنشور كما قال الله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا [التغابن:7]، وقد قامت الأدلة في القرآن على إثبات البعث والنشور، وهي مجملة في ثلاث:

الأمر الأول: الخلق الأول، وعبر عنه هنا بقوله: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21] وشرحه وأظهره وفصله في سور أخر: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الأنبياء:104] .. أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق:15].

الأمر الثاني: خلق ما هو أكبر منهم، وأشار إليه هنا بالسماء، وفصله في سورة غافر: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر:57] .

الأمر الثالث: النظر في المتشابهات، قال هنا: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22]، وهذا إحياء للأرض الميتة، وفصله في سور أخرى: إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى [فصلت:39]، وهذا كله من أجل إقامة الحجة وإظهار المحجة حتى لا يكون للناس عذر، ويكون المهتدي على بينة من أمره.

طلق المحيا 20-12-16 02:39 AM

🕋تفسير قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ...)
قال ربنا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] ثم جاءت جملة اعتراضية وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، فالأصل: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ)، (وَلَنْ تَفْعَلُوا) يسمى عند البلاغيين إطناباً، وقد مر معنا تحرير المقام البلاغي وأن الكلام فيه إيجاز، وفيه مساواة، وفيه إطناب، والقرآن جاء بالإيجاز والمساواة والإطناب، إذا كانت هناك مصلحة في الإيجاز كان إيجاز، وإن كانت هناك مصلحة في المساواة كانت مساواة، وإن كانت المصلحة في الإطناب كان الإطناب، كقول الله تبارك وتعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [النحل:57] فسبحانه هذه زائدة اعتراضية، لكن جيء بها إطناباً لتنزيه الله جل وعلا عما نسبه إليه الغير.

وهنا جيء بـ: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) إطناباً حتى يكون إمعاناً في التحدي وبياناً لعجزهم، وقد قلنا من قبل: إن هذا الأمر أو هذا القول أو هذا الحكم لا يمكن أن يقوله أحد غير الله، ومثله قوله تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] كما حررنا الكلام عنها في موضعه.

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24] فالله جل وعلا خلق ناراً أرادها نكالاً ووبالاً لمن عصاه، وسيأتي الحديث عنها عند ذكر الآيات المختصة بتفصيل النار.

طلق المحيا 20-12-16 02:40 AM

🕋 تفسير قوله تعالى: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ...)
لما ذكر الله مآل أهل الكفر ذكر مآل أهل الإيمان، وغالب القرآن أنه يختم بمآل الصالحين، كما في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] ثم ختم الآية بقوله: فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:107] .

وهنا قال: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ [البقرة:25] الآمر بالبشارة هو الله، والمكلف بالتبشير محمد صلى الله عليه وسلم، والمبشَّر المؤمنون، والمبشَّر به: جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ [البقرة:25] .

قطاف الجنة دانية، يرون الثمرة ويقطفونها ويأكلونها فتنبت غيرها، فإذا نبت غيرها نظروا إليها، فهذه التي نبتت هي في هيئتها مثل التي قطفت تماماً، لكنها غيرها في الطعم، هذا أصح ما قيل في هذه المسألة.

وقيل: إنها مقارنة بين ثمار الدنيا وثمار الآخرة، وقيل غير ذلك، لكن أظهر ما قيل هو ما حررناه: أنهم يرون الثمرة ويقطفونها ويأكلونها وتنبت غيرها، فإذا نبت مكانها غيرها تكون شبيهة بالأول، فإذا استطعموها مرةً أخرى وجدوها مخالفة للأولى، وهذا معنى قول الله: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا)، ولم يقل: متماثلاً، والفرق أن خيار الدنيا حسن وأحسن، أما خيار الجنة لا رذل فيه، وعبارة: خيار الجنة لا رذل فيه منسوبة لـقتادة بن دعامة السدوسي أحد المفسرين المشاهير، وقد كان أكمه -أعمى- رحمه الله رحمة واسعة.

وقوله: (كُلَّمَا) لغوياً تفيد الاستمرار، ومن الأخطاء الشائعة في الاستعمال أن الناس يكررونها يقولون: كلما ذهبت إلى زيد كلما وجدت عمراً عنده، هذا خطأ، إنما تذكر كلما في الأول فقط ولا تكررها كما قال ربنا: (كُلَّمَا رُزِقُوا) أي: المؤمنون مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [البقرة:25]، وضمت اللام في (قبل) لأنها مبنية على الضم لانقطاعها عن الإضافة، فإذا أضيفت أصبحت اسماً معرباً تجري عليه الأحكام، كقوله تعالى: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ [النور:58] ووَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ [النور:58]، فقبل وبعد هنا جرت وعوملت معاملة الاسم المعرب لأنها أضيفت، فإذا انقطعت عن الإضافة انتقلت من كونها اسماً معرباً تجري عليه الحركات إلى كونها اسماً مبنياً.

قال الله تعالى: قَالُوا [البقرة:25] أي: المؤمنون هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ [البقرة:25] أي: المؤمنون فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [البقرة:25] مطهرة من كل سوء، خذها بعمومها أفضل، وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] لأنه لا ينغص في الدنيا إلا الموت؛ ولهذا ينادى أهل الجنة: (أن حياة بلا موت) .

طلق المحيا 20-12-16 02:41 AM

🕋تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ...)
قال ربنا وهو أصدق القائلين: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26] مر معنا: أن ضرب الأمثال تريد به العرب ثلاثة أمور:

إيجاز اللفظ، ودقة التشبيه، وإصابة المعنى، وهذا مر معنا في شرحنا لقول الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ [النور:35] .

هنا الله جل وعلا يخبر أن الغاية من ضرب الأمثال: إظهار الحق وإقامة الحجج، والأمثال لا بد أن تكون قريبة من الناس واضحة، فلا يستنكر أن الله قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا [الحج:73] فعبر بالذباب؛ لأن الذباب أمر معروف لا يختلف الناس فيه، وكذلك البعوض، والمقصود إقامة الحجة وإيضاح المحجة، وهذا لا يكون إلا بالشيء المتعارف عليه.

والناس في تلقيهم لخطاب القرآن فريقان:

فريق يؤمنون كما قال الله في العظماء من أهل الإيمان: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7] وأما غيرهم فيصيبهم الشك: فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26] فيأتي الجواب، قال الله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26] إذا نزلت الأمثال القرآنية والحجج الإلهية اختلف الناس فيها، وأهل الفسق يضلون عنها.

ثم ذكر الله جل وعلا جملة من صفاتهم: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27] وأعظم ما أمر الله به أن يوصل الرحم وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:27].

طلق المحيا 20-12-16 02:48 AM

🕋 تفسير قوله تعالى: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ...)
ذكر الله استفهاماً استنكارياً توبيخياً فقال: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28] كيف استفهامية اتفاقاً، والاستفهام هنا يراد به: الاستنكار والتوبيخ.

(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا) أي: في العدم، (فَأَحْيَاكُمْ) الحياة التي تعيشونها، (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بانفصال الروح عن الجسد (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) أي: بالبعث والنشور (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، وهذا أصوب ما قيل فيها.

طلق المحيا 20-12-16 02:49 AM

🕋 تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ...)
قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29] يؤخذ من هذه الآية قاعدة أصولية وهي: أن الأصل في الأشياء الإباحة، هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29] خلق الله الأرض قبل السماء، و(اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) يعني: انصرف إلى خلقها، والفعل استوى يأتي متعدياً بحرف الجر إلى، ويأتي من غير تعد بحرف جر، فإذا جاء من غير تعد بحرف الجر فيعني: الكمال والتمام كقوله: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى [القصص:14] كمل ونضج، وإذا تعدى بحرف الجر إلى فيعني: القصد من شيء إلى آخر كقوله: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29] وإذا تعدى بحرف الجر على فيعني: العلو والارتفاع كقوله: تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ [الزخرف:13]، وعلى هذا ظاهر قول الله جل وعلا: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] .

ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [البقرة:29] أقرب السماء إلينا تسمى السماء الدنيا؛ لأنها دانية إلينا، وأعلاها السماء السابعة، وهي معمورة بالملائكة.

وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29] .

طلق المحيا 20-12-16 05:38 PM

🕋 تفسير قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ...)
ثم قال جل وعلا: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] .

هذه الآية يمكن تناولها من عدة وجوه:

هذا الأمر كان قبل أن يخلق الله جل وعلا آدم، أخبر الملائكة أنه سيجعل في الأرض خليفة، قال بعض العلماء: إن آدم خليفة بمعنى: خليفة الله في الأرض في إعمارها، وهذا لا يستقيم شرعاً، ولا أرى أنه ينبغي أن يقال به؛ لأن الخليفة عن الشيء يكون من جنسه، وآدم مخلوق والله خالق، فنستبعد أن يكون المقصود بخليفة أي: خليفة عن الله.

ننتقل إلى مسألة أخرى: هل خليفة هنا بمعنى خليفة عمن سبق فيكون المعنى آدم خليفة عن غيره، أو خليفة اسم جنس أفرد أريد به الجمع، فيصبح الكلام ليس عن آدم بل عن ذريته التي من بعده.

على القول بأنه خليفة عمن كان يعمر الأرض، فقد ذكر المؤرخون أن الجن كانت تعمر الأرض، وهذا يستقيم نوعاً ما باعتبار أن الجن وآدم كلاهما مخلوق، وهذا القول عندي بعيد وإن كان قال به كثير من العلماء.

والظاهر أن خليفة هنا اسم جنس مفرد يراد به الجمع كقوله تعالى: خَلائِفَ فِي الأَرْضِ [يونس:14] ويقال: خلفاء الأرض، يعني: سأجعل من آدم ذرية يخلف بعضهم بعضاً، هذا معنى كلام الله لملائكته، فأين الدليل على أن اسم الجنس المفرد في اللغة أو في القرآن من باب أولى يأتي والمقصود به الجمع؟

قال الله في خاتمة سورة القمر: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ [القمر:54] فأفرد نهر وقصد أنهاراً؛ لأن جنات جمع وأنهار جمع لكنه أفردها؛ لأنها اسم جنس، والدليل على أنه أراد أنهاراً أنه قال في آيات أخر: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ [الأعراف:43]، وهذا القول اختاره ابن كثير رحمه الله تعالى، وهو أن خليفة هنا: اسم جنس أريد به الجمع، والمقصود به ذرية آدم، هذا تفصيل معنى خليفة.

قال القرطبي رحمه الله وغيره من العلماء: إن هذه الآية أصل في أن يتخذ الناس إماماً وخليفة.

ويتفرع عن هذا مسألة: هل اتخاذ الخليفة واجب بالشرع، أو واجب بالشرع والعقل، أو واجب بالعقل؟

قالت الشيعة الإمامية الإثنا عشرية: إنها واجبة بالعقل، وقال بعض العلماء: إنها واجبة بالشرع، والصواب: أنها واجبة بالشرع والعقل، هذه المسألة الأولى.

المسألة الثانية: ما هي طرائق أو صور تنصيب الإمام والخليفة شرعاً؟

لها عدة صور:

الصورة الأولى: إجماع أهل الحل والعقد، أو اتفاق أكثرهم عليه، مثاله: خلافة الصديق ، فإن الصحابة رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار أجمعوا على خلافة أبي بكر ، هذا على القول بأن أبا بكر لم ينصبه النبي صلى الله عليه وسلم.

الصورة الثانية في تنصيب الخليفة المسلم: أن يوصي له من قبله، مثاله: خلافة عمر ، فقد أوصى له أبو بكر بأن يكون خليفةً من بعده، كما وصى عمر للستة من بعده.

فإذا اتفقنا على إمام له بيعة شرعية وأوصى لواحد من بعده فأنت مطالب بما قاله الإمام الأول؛ لأن الأمام الأول له بيعة، فقوله نافذ، فإذا وصى لمن بعده فلا حاجة لأن تأتي بأهل الحل والعقد على الثاني، واضح؟ فلما وصى أبو بكر لـعمر لم يجتمع الناس ليقرروا هل يوافقون على عمر أو لا يوافقون؛ لأن الأول كان له بيعة شرعية، وبدهي جداً أن يكون مما أمرنا بطاعته فيه اختياره لمن بعده.

الصورة الثالثة: أن يتغلب على الناس بسيفه وقوته، يأتي إنسان ويمكن له في الأرض بسيفه وقوته، ومثلوا بخلافة عبد الملك بن مروان ، فإن عبد الملك بن مروان لم يوصي له من قبله، ولم يجتمع عليه أهل الحل والعقد، وإنما غلب الناس بيد الحجاج ، فلما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير دانت الأرض الإسلامية لـعبد الملك بن مروان .

هذه الحالات الثلاث التي يكون بها تنصيب الإمام المسلم، وقلنا: إن هذه الآية أصل في قضية الخلافة.



الساعة الآن 11:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi